للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

منسوب إلى الرب، وأصله: «ربي»، فزيدت فيه الألف والنون؛ للتأكيد والمبالغة في النسبة، العالي الدرجة في العلم بأن يكون عالمًا ومعلمًا، وإنَّما سمِّي العلماء ربانيين؛ لأنَّهم يربون العلم؛ أي: يقومون به)، وتمامه فيه.

وقال المؤلف حكاية عن بعضهم: (ويقال: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره)؛ أي: بجزئيات العلم قبل كلياته، أو بفروعه قبل أصوله، أو بمقدماته قبل مقاصده، وإنَّما لم يذكرِ المؤلف حديثًا موصولًا في هذا الباب؛ إمَّا أنه لم يثبت عنده بشرطه أو اكتفى بما ذكره تعليقًا؛ لأنَّ المقصود من الباب بيان فضيلة العلم، ويُعلم ذلك من المذكور آية، وحديثًا، وإجماعًا سكوتيًا من الصحابةرضي الله عنه، وتمامه في «عمدة القاري»، والله تعالى أعلم.

(١١) [باب ما كان النبي يتخولهم بالموعظة]

هذا (باب ما كان)؛ أي: باب كون، (النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم) فـ (الباب) مضاف إلى الجملة بعدَه، و (ما) مصدريَّة، (يتخولهم)؛ بالخاء المعجمة واللام؛ أي: يتعهدهم، والمراد: أصحابهرضي الله عنهم، (بالموعظة) بالنصح والتذكر بالعواقب، (والعلم) من عطف العام على الخاص، وذكره الموعظة؛ لكونها مذكورة في الحديث، وأمَّا العلم؛ فاستنباطًا، (كي لا يَنفِروا)؛ أي: لئلا يملُّوا عنه ويتباعدوا منه؛ بفتح المثناة التحتية وكسر الفاء.

[حديث: كان النبي يتخولنا بالموعظة في الأيام]

٦٨ - وبه قال: (حدثنا محمد بن يوسف) بن واقد الفِريابي؛ بكسر الفاء، وسكون الراء بعدها مثناة تحتية وبعد الألف موحدة، نسبة إلى فِرياب؛ مدينة من نواحي بلْخ، أبو عبد الله الضَّبِّيُّ؛ بفتح الضاد المعجمة وتشديد الموحدة، المتوفى في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة ومئتين.

وقال الكرماني: هو محمد بن يوسف البيكنديُّ، واعترضه في «عمدة القاري» بأنَّه وهم؛ لأنَّ المؤلف حيث يطلق محمد بن يوسف لا يريد به إلَّا الفِريابي وإن كان يروي عنِ البيكندي؛ فليحفظ.

(قال: أخبرنا) وفي رواية: (حدثنا)، (سفيان) هو الثوري، (عن الأعمش) سليمان بن مهران، (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الكوفي، وفي رواية: (أحمد عن الأعمش قال: سمعت شقيقًا)، وعند المؤلف في (الدعوات) : (قال الأعمش: حدثنا شقيق)، فانتفت تهَمة تدليس الأعمش؛ فليحفظ.

(عن ابن مسعود) عبد الله رضي الله عنه أنَّه (قال: كان النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم يتخوَّلنا) جملة محلُّها النصب خبر (كان)؛ بالخاء المعجمة واللام؛ أي: يتعهدنا؛ أي: يراعي الأوقات في التذكير ولا يفعله كل يوم، وفي رواية: (يتخوننا) بالنون موضع اللام؛ أي: يتعهدنا، وفي رواية: (يتحولهم)؛ بالحاء المهملة؛ أي: يطلب أحوالهم التي ينشَطون فيها للموعظة، وصوَّبها أبو عمرو الشيباني، وتمامه في «عمدة القاري».

(بالموعظة في الأيام) صفة لـ (الموعظة)؛ أي: أنَّه يعظهم في أوقات معلومة، ولم يكن يستغرق الأوقات، (كراهةَ) بالنصب مفعول له؛ أي: لأجل كراهة (السآمة) بالمدِّ؛ أي: الملالة من الموعظة، (علينا)، وفي رواية: (كراهية) بزيادة مثناة تحتية، والجارُّ والمجرور إمَّا متعلِّق بـ (السآمة) على تضمين (السآمة) معنى المشقَّة؛ أي: كراهة المشقَّة علينا، وإمَّا صفة؛ أي: كراهة السآمة الطارئة علينا، وإمَّا حالٌ (١)؛ أي: كراهة السآمة حال كونها طارئة علينا، وإمَّا يتعلَّق بمحذوف؛ أي: كراهة السآمة شفقةً علينا، أفاده في «عمدة القاري»؛ فليحفظ.

[حديث: يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا]

٦٩ - وبه قال: (حدثنا محمد بن بَشَّار)؛ بفتح الموحدة وتشديد المعجمة: ابن عثمان بن داود، أبو بكر الملقب ببُنْدار؛ بضم الموحدة، وإسكان النون، وبالدال المهملة: العبدي نسبة إلى عبد مضر بن كِلاب البصري، المتوفى في رجب سنة اثنتين وخمسين ومئتين عن خمس وثمانين سنة.

(قال: حدثنا يحيى) وفي رواية: (ابن سعيد)؛ أي: القطَّان الأحول، (قال: حدثنا شعبة) هو ابن الحجاج، (قال: حدثني) بالإفراد، (أبو التَّيَّاح)؛ بفتح المثناة الفوقية، وتشديد المثناة التحتية، آخره مهملة: يزيد بن حُميد؛ بالتصغير، الضُّبَعي؛ بضم المعجمة وفتح الموحدة، نسبةً إلى ضُبَعة بن يزيد، المتوفى سنة ثمان وعشرين ومئة.

(عن أنس)؛ أي: ابن مالك، كما في رواية، (عن النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم) أنَّه (قال: يسِّروا) أمرٌ من اليسر نقيض العسر؛ أي: سهل، والجملة مقول القول، (ولا تعسِّروا) نهيٌ، من عسَّر تعسيرًا، لا يقال: الأمر بالشيء نهيٌ عن ضده؛ لأنَّ المقصود التصريح بما لزم ضمنًا للتأكيد، ولو اقتصر على (يسِّروا) وهو نكرة؛ لصدق ذلك على مَن يسَّرَ مرَّةً وعسَّرَ في معظم الحالات، فإذا قال: ولا تعسِّروا؛ انتفى التعسير في جميع الحالات من جميع الوجوه.

(وبشِّروا) أمرٌ مِن البشارة؛ وهي: الإخبار بالخير، نقيض النذارة؛ وهي: الإخبار بالشَّرِّ، (ولا تُنَفِّروا) نهيٌ مِن نفَّر بالتشديد؛ أي: بشِّروا المؤمنين أو الناس بفضل الله وسَعَة رحمته، ولا تُنَفِّروهم بذكر عِقابه وعذابه الأليم.

لا يقال: كان المناسبُ أن يقال بدل (ولا تُنَفِّروا) : (ولا تُنْذِروا)؛ لأنَّ الإنذار نقيض التبشير لا التنفير؛ لأنَّا نقول: المقصود من الإنذار التنفير، فصرح بما هو المقصود منه.

لا يقال: إنَّه كان يقتصر على قوله: (ولا تعسِّروا ولا تُنفِّروا)؛ لأنَّا نقول بعموم (٢) النكرة في سياق النفي؛ لأنَّه لا يلزم من عدم التعسير ثبوت التيسير، ولا من عدم التنفير ثبوت التبشير (٣)، فجمع بين هذه الألفاظ؛ لثبوت هذه المعاني، ولأنَّ المحلَّ محلُ إطناب لا اختصار.

وبين (يسِّروا) وبين (بشِّروا) الجناس الخطي، والجناس بين اللفظين تشابههما في اللفظ، وهذا من الجناس التام المتشابه، وهو باب من أنواع البديع الذي يزيد في الكلام البليغ حُسْنًا وطلاقة، كذا في «عمدة القاري»؛ فليحفظ.

(١٢) [باب من جعل لأهل العلم أيامًا]

هذا (باب من جعل لأهل العلم أيامًا معلومة) بالجمع في الأول والإفراد في الثاني، وفي رواية: بالجمع فيهما، وفي آخر: بالإفراد فيهما، و (باب) خبرٌ لمبتدأ محذوف ومضافٌ لما بعده.

[حديث: كان عبد الله يذكر الناس كل خميس]

٧٠ - وبه قال: (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن إبراهيم ابن أبي شيبة بن خواستي؛ بضم المعجمة، وبعد الألف سين مهملة، ثم تاء مثناة فوقية: أبو الحسن العبسي الكوفي، المتوفى لثلاث بقين من المحرم سنة تسع وثلاثين ومئتين.

(قال: حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط بن هلال الضبي الكوفي، المتوفى سنة ثمان وثمانين ومئة، وقيل: سبع، (عن المنصور) بن المعتمر بن عبد الله، الممتنع من تولي القضاء، الصائم أربعين سنة مع قيام ليلها، المتوفى سنة ثلاث أو اثنين وثلاثين ومئة، وعمش من البكاء.

(عن أبي وائل) شقيق بن سلمة أنه (قال: كان عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه، (يُذَكِّر الناس) جملةٌ محلها النصب خبر (كان)، (في كل) يوم (خميس، فقال له)؛ أي: لابن مسعود (رجل)، قال في «عمدة القاري» : إنَّه يزيد بن عبد الله النخعي: (يا أبا عبد الرحمن) هو كنية عبد الله بن مسعود، (لَوددتُ) اللام: جواب قسم محذوف؛ أي: والله لَأحببتُ، (أنَّك)؛ بفتح الهمزة؛ لأنَّه مفعول، (ذكَّرتنا) بتشديد الكاف، محلُّه الرفع خبر (أنَّ)، (كل يوم) منصوبٌ على الظرفية؛ أي: في كلِّ يوم، (قال) عبد الله: (أَمَا)؛ بفتح الهمزة وتخفيف الميم: حرفُ استفتاح بمنزلة (أَلَا)، وتكثر قبل القسم، أو بمعنى: حقًّا، وما قاله الكرماني أنَّها حرف تنبيه ردَّه في «عمدة القاري»، (إنَّه)؛ بكسر الهمزة، والضمير فيه للشأن، أو بفتحها على أنَّ (أَمَا) بمعنى: حقًّا، (يمنعني) فعل ومفعول، (من ذلك)؛ أي: الذكر كل يوم، (أنِّي)؛ بفتح الهمزة: فاعل (يمنعني)، (أكره) جملةٌ محلها الرفع خبر (أنَّ)، (أنْ أُمِلَّكم)؛ بضم الهمزة، وكسر الميم، وتشديد اللام المفتوحة، و (أنْ) مصدريَّة؛ أي: أكره إملالكم وضجركم، (وإنِّي)؛ بكسر الهمزة، (أتخوَّلُكم)؛ بالخاء المعجمة، جملةٌ محلها الرفع خبر (إنَّ)؛ أي: أتعهدكم، (بالموعظة كما) الكاف: للتشبيه و (ما) مصدريَّة، (كان النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم يتخوَّلنا)؛ أي: يتعهدنا (بها)؛ أي: بالموعظة، (مخافةَ السآمة علينا) يتعلَّق بـ (المخافة) أو يتعلَّق بـ (السآمة)، وفيه من الاقتداء بالنبي الأعظم صلى الله عليه وسلم والمحافظة على سنته.

(١٣) [باب من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين]

هذا (باب) بالتنوين (مَن) موصولة؛ أي: الذي (يُرِدِ الله به خيرًا) بالنصب مفعول (يُرِد) المجزوم؛ لأنَّه فعل الشرط؛ لأنَّ الموصول متضمِّنٌ معنى الشرط، وكُسِرَ؛ لالتقاء الساكنين، وجواب الشرط (يفقهْه)؛ بسكون الهاء، (في الدين)، وفي رواية: سقط قوله: (في الدين).

والفقه لغةً: الفَهْم، يقال: فُقِه الرجل بالكسر: إذا فهم، وبالضم: إذا صار فقيهًا، ثم خُصَّ بعلم الشريعة؛ لأنَّه مستنبط من الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، فيقال فيه اصطلاحًا: العلمُ بالأحكام الشرعيَّة العمليَّة من أدلتها التفصيليَّة.

[حديث: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين]

٧١ - وبه قال: (حدثنا سعيد بن عُفَير)؛ بضم


(١) في الأصل: (حالًا)، وليس بصحيح.
(٢) في الأصل: (لعموم).
(٣) في الأصل: (ولا من عدم التعسير ثبوت التيسير).

<<  <   >  >>