للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[حديث: أصلى النبي في الكعبة]

٣٩٧ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا مُسدد)؛ بضم الميم: هو ابن مسرهد البصري (قال: حدثنا يحيى) : هو ابن سعيد القطان البصري، (عن سَيْف)؛ بفتح السين المهملة، وسكون التحتية، آخره فاء، زاد ابن عساكر في روايته: (يعني: ابن أبي سليمان)، كما في «الفرع»، ويقال: ابن سليمان المخزومي المكي، ثبت صدوق، المتوفى سنة إحدى وخمسين ومئة (قال: سمعت مجاهدًا) : هو الإمام المفسر المشهور (قال) : جملة فعلية محلها النصب، إما على الحال، وإما على أنها مفعول ثان (١) لـ (سمعت) على قولين مشهورين: (أُتِي) بضم الهمزة على صيغة المجهول (ابن عمر) : هو عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي رضي الله عنهما، (فقيل له) : قال إمام الشَّارحين: (لم يعلم اسم هذا القائل) : (هذا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم دخل الكعبة)؛ أي: لأجل الصلاة فيها، (فقال ابن عمر: فأقبلت)؛ أي: حين قال لي هذا القائل: رسول الله دخل الكعبة؛ بادرت لأرى ما يفعل فيها؟ فأقبلت (والنبيُّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم قد خرج)؛ أي: من الكعبة، وكأنه وقع مهلة طويلة بين الكلامين، فلم يدرك ابن عمر النبيَّ الأعظم داخل الكعبة، (وأَجدُ)؛ بفتح الهمزة على صيغة المتكلم وحده، من المضارع، وكان المناسب أن يقول: ووجدت، بعد قوله: (فأقبلت)، لكنه عدل عن الماضي إلى المضارع حكاية عن الحال الماضية، واستحقارًا لتلك الصورة، قاله إمام الشَّارحين.

قلت: يعني: حتى كأن المخاطب يشاهد هذه الصورة.

(بلالًا) : هو المؤذن الصحابي الجليل، وهو منصوب؛ لأنَّه مفعول (أجد)، وقوله: (قائمًا) منصوب؛ لأنَّه حال من (بلال) (بين البابين)؛ أي: مصراعي الباب؛ لأنَّ الكعبة لم يكن لها حينئذٍ إلا باب واحد، وأطلق ذلك باعتبار ما كان من البابين لها زمن إبراهيم الخليل عليه السَّلام، أو أنه كان في زمان رواية الراوي لها بابان؛ لأنَّ ابن الزبير رضي الله عنه جعل لها بابين، قاله الكرماني، وارتضاه الشَّارح.

وزعم ابن حجر (بين البابين)؛ أي: المصراعين، وحمله الكرماني على حقيقة التثنية، وقال: أراد بالباب الثاني: الباب الذي لم تفتحه قريش حين بنت الكعبة، وهذا يلزم منه أن يكون ابن عمر وجد بلالًا في وسط الكعبة، وفيه بعد.

قلت: فلقد انتهت الجهالة إلى ابن حجر حتى زعم هذا الكلام، ولهذا ردَّه إمام الشَّارحين، فقال: الكرماني فسر قوله: (بين البابين) بثلاثة أوجه، فأخذ هذا القائل الوجه الأول من تفسيره، ولم يعزه إليه، ثم نسبه لنفسه، ونسب إليه ما لم تشهد به عبارته؛ لأنَّ عبارة الكرماني ما ذكرناه.

وقوله: (وهذا يلزم منه...) إلى آخره: ممنوع، فإن هذه الملازمة ممنوعة؛ لأنَّ عبارة الكرماني لا تقتضي ذلك.

وقوله: (وفيه بُعد) : ممنوع، وليس فيه بُعد، بل البُعد في الذي اختاره من التفسير، وهو ظاهر لا يخفى، وفي رواية الحموي: (وأجد بلالًا قائمًا بين الناس)؛ بالنون والسين بدل (البابين) انتهى كلامه.

قلت: وكلام ابن حجر ليس بشيء؛ لأنَّ الملازمة المذكورة ممنوعة كما يعلم من عبارته، وليس فيه بُعد؛ لأنَّه ما المانع من أن يكون وجد بلالًا داخل الكعبة واقفًا بين مصراعي الباب؟ ولا مانع منه، بل هو ظاهر كلام ابن عمر؛ فافهم.

(فسألت بلالًا)؛ أي: المؤذن (فقلت) أي: لبلال: (أصلَّى)؛ بهمزة الاستفهام، ولأبي ذر والأصيلي: (صلى)؛ بإسقاطها (النبيُّ) الأعظم، وللأصيلي: (رسول الله) (صلَّى الله عليه وسلَّم في الكعبة؟)؛ يعني: داخل البيت؛ لأنَّ كلمة (في) للظرفية، (قال) أي: بلال: (نعم؛ ركعتين)؛ أي: نعم؛ صلى ركعتين (بين الساريتين)؛ بالسين المهملة، تنثية سارية؛ وهي الأُسطوانة، وجامع هذه الأوراق منسوب إلى بلدة أسطوان؛ لأنَّ أصله منها، وسمي جدي بالأسطواني؛ لأنَّه كان كالسارية في العلم، وإنما هو أنصاري من ذرية أبي أيوب الأنصاري، وحسيني من ذرية الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، كما بينت ذلك في كتاب سميته: «إنجاء الغريق المخزون»؛ فارجع إليه، فإنه نفيس جدًّا، والله أعلم.

(اللتين على يساره) الضمير فيه يرجع إلى الداخل بقرينة قوله: (إذا دخلت) ولأبي ذر عن الكشميهني: (يسارك)؛ بالكاف، وهذا هو المناسب، أو كان يقول: إذا دخل، ووجه الأول أن يكون من الالتفات، أو يكون الضمير فيه عائدًا إلى البيت، كذا قرره إمام الشَّارحين.

(ثم خرج)؛ أي: النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم من البيت (فصلى) أيضًا (في وجه الكعبة)؛ أي: مواجه باب الكعبة؛ وهو مقام إبراهيم عليه السَّلام، أو يكون المعنى: في جهة الكعبة، فيكون أعم من جهة الباب (ركعتين) مقول قوله: (صلى)، ومطابقته للترجمة في قوله: (فصلى في وجه الكعبة)؛ أي: مواجه باب الكعبة؛ وهو مقام إبراهيم عليه السَّلام، كذا قاله إمام الشَّارحين، ثم قال: (وفي الحديث: جواز الدخول في البيت)، وفي «المغني» : ويستحب لمن حج أن يدخل البيت، ويصلي فيه ركعتين، كما فعل النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا يدخل البيت بنعليه، ولا خفيه، ولا يدخل الحجر أيضًا؛ لأنَّ الحجر من البيت.

وفيه: استحباب الصلاة بركعتين في البيت؛ فإن بلالًا أخبر في هذا الحديث: أنه عليه السَّلام صلى فيه ركعتين، وزعم النووي أن أهل الحديث أجمعوا على الأخذ به، وأنه بلال؛ لأنَّه مثبت ومعه زيادة علم؛ فوجب ترجيحه، وأمَّا نفي من نفى كأسامة؛ فسببه أنَّهم لما دخلوا البيت، وأغلقوا الباب، واشتغلوا بالدعاء؛ فرأى أسامة النبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم يدعو، فاشتغل هو أيضًا بالدعاء في ناحية من نواحي البيت، والرسول عليه السَّلام في ناحية أخرى، وبلال قريب منه،


(١) في الأصل: (ثاني)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>