للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أنَّ رجلًا أمَّ قومًا، فبصق في القبلة ورسول الله ينظر، فقال عليه السَّلام حين فرغ: «لا يصلي لكم»، فأراد بعد ذلك أن يصلي لهم فمنعوه، وأخبروه بقول رسول الله، فذكر ذلك لرسول الله، فقال: «نعم»، وأحسبه قال: «إنَّك آذيت الله ورسوله»؛ والمعنى: أنَّه فعل فعلًا لا يرضي الله ورسوله، وروى أبو داود من حديث جابر بن عبد الله قال: أتانا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في مسجدنا هذا، وفي يده عرجون ابن طاب، كما ذكرناه فيما سبق، وفي رواية مسلم: «ما بال أحدكم يقوم مستقبل (١) ربه، فيتنخع أمامه، أيحب أن يستقبل فيتنخع في وجهه؟ ...»؛ الحديث، فهذا يدل على أنَّ المراد بالنهي التحريم؛ لأنَّه قد اقترن بالوعيد، ولا سيما أنَّه مؤذٍ لله ولرسوله، وهو يدل على التحريم، كما لا يخفى.

[حديث: إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه]

٤٠٦ - وبالسند إليه قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) : هو التنيسي المنزل، الدمشقي الأصل (٢) (قال: أخبرنا مالك) : هو ابن أنس الأصبحي المدني، (عن نافع) : مولى ابن عمر المدني، (عن عبد الله بن عمر) : هو ابن الخطاب القرشي العدوي رضي الله عنهما: (أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رأى)؛ أي: أبصر، فتقتضي مفعولين أحدهما: قوله: (بصاقًا)؛ بالصاد المهملة؛ وهو ما يسيل من الفم (في جدار القِبْلة)؛ بكسر القاف، وسكون الموحدة، وفي رواية أبي ذر عن المستملي: (في جدار المسجد).

قلت: وهي أعم من كونه في جدار القبلة، أو في الشمال، أو غيرهما، لكن بقية الحديث يدل على أنَّ المراد بجدار المسجد إنَّما هو القبلي، وقد يقال المراد الأعم، فإنَّ جميع جدران المسجد الأربع منهيٌّ عن البصاق فيها، كما لا يخفى، وإنمَّا خصص القبلي؛ لشرفه من حيث الاستقبال.

(فحكه)؛ أي البصاق إمَّا بيده، كما في الحديث السابق، وإمَّا بالعرجون، كما في حديث أبي داود، (ثم أقبل على الناس)؛ أي: بوجهه المنير، وهذا شامل لأمرين؛ أحدهما: أنه فرغ من صلاته، فرأى البصاق فحكه، ثم أقبل على الناس، والثاني: أنه كان يخطب لهم، فرأى البصاق فنزل، فحكه، ثم أقبل على الناس، ويدل للثاني ما في رواية المؤلف في أواخر (الصلاة) من طريق أيوب عن نافع في قبلة المسجد: (ثم نزل فحكها بيده)، فهذه تدل على أنه كان في حالة الخطبة، وقد صرح الإسماعيلي بذلك في روايته من طريق شيخ المؤلف وزاد فيه قال: (وأحسبه دعا بزعفران، فلطخه به)، وزاد عبد الرزاق في روايته عن معمر، عن أيوب: (فلذلك صنع الزعفران في المساجد).

قلت: وإنما خص الزعفران؛ لأنَّ فيه رائحة طيبة، وشكله وصفته مستحسنة مناسبة للمساجد، والظاهر أنه كان طريًّا حيث لطخه بالزعفران؛ لأنَّ اليابس لا يعلق عليه شيء من ذلك؛ فافهم.

(فقال) لهم: (إذا كان أحدكم يصلي) سواء كان في المسجد، أو في البيت، أو في غيرهما؛ (فلا يبصق) بالصاد المهملة، والجزم على النهي (قِبَل)؛ بكسر القاف، وفتح الموحدة؛ أي: جهة (وجهه) : والمراد: مقابل وجهه، وهو قدامه؛ لأنَّ ذلك يخل بالخشوع، ويشغل الفكر، ويسخط الرب، ولهذا قال: (فإن الله قِبَل)؛ بكسر القاف، وفتح الموحدة؛ أي: جهة (وجهه)؛ أي: وجه المصلي، وهذا على سبيل التشبيه؛ أي: فإن الله في مقابل وجهه؛ أي: القصد منه تعالى، وقيل المراد: عظمته ورحمته، وقيل: ثوابه ونحو ذلك، فلا يقابل هذه الجهة بالبزاق الذي هو للاستخفاف لمن يبزق إليه وتحقيره، (إذا صلى) سواء كانت فريضة، أو واجبة، أو نافلة، وهذا يدل على أن البصاق في القبلة منهي عنه، سواء كان في المسجد أو غيره، كما ذكرنا؛ لأنَّ اللفظ والتعليل عامٌّ.

ومطابقة هذا الحديث للترجمة من حيث أنَّ المتبادر إلى الفهم من إسناد الحك إليه أنه كان بيده، وأن المعهود من جدار القبلة: جدار قبلة مسجد النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، كما قاله إمام الشَّارحين قال: (وبهذا التقرير يسقط سؤال من يقول: إن هذا الحديث لا يدل إلا على بعض الترجمة، ولا يعلم أن الحك كان بيده، ولا من المسجد؛ فافهم) انتهى.

قلت: لأنَّ الأصل في الحك أن يكون باليد؛ لأنَّه المتبادر، وأن الأصل بالصلاة أن تكون بمسجده عليه السَّلام؛ لأنَّه لم يكن وقتئذٍ مسجد غيره، فالحديث مطابق للترجمة كلها لا بعضها، كما لا يخفى.

[حديث: أن رسول الله رأى في جدار القبلة مخاطًا فحكه]

٤٠٧ - وبالسند إليه قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) : هو التنيسيالمنزل، الدمشقي الأصل (٣) (قال: أخبرنا مالك) : هو ابن أنس الأصبحي المدني، (عن هِشام بن عُروة)؛ بكسر الهاء في الأول، وضم العين المهملة في الثاني، (عن أبيه) : هو عُروة بن الزبير بن العوام، (عن عائشة أم المؤمنين) : هي الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما قالت: (إنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رأى) أي: أبصر (في جدار القبلة)؛ أي: جدار قبلة مسجد النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم (مُخَاطًا)؛ بضمِّ الميم، وفتح الخاء المعجمة؛ وهو ما يسيل من الأنف، (أو بصاقًا)؛ بالصاد المهملة؛ هو ما يسيل من الفم، (أو نُخَامة)؛ بضمِّ النون، وفتح الخاء المعجمة؛ هي ما تخرج من الصدر، كما نص عليه في «المطالع»، وقول القسطلاني: (النخامة -بالميم-: من الرأس، والنخاعة -بالعين-: من الصدر) : خطأ؛ لأنَّ هذه التفرقة لم تذكر في كتب اللغة، وإنما الذي نص عليه اللغويون: (أنَّ النخامة -بالميم-، ويقال فيها: النخاعة -بالعين-: هو ما يخرج من الصدر)، كما قدمناه؛ فافهم.

قال إمام


(١) في الأصل: (فيتقبل)، والمثبت موافق لما في «صحيح مسلم».
(٢) في الأصل: (التنيسي الأصل، الدمشقي المنزل)، والمثبت موافق لما في كتب التراجم.
(٣) في الأصل: (التنيسي الأصل، الدمشقي المنزل)، والمثبت موافق لما في كتب التراجم.

<<  <   >  >>