للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالسين؛ وهو ابن عساكر الدمشقي؛ فليحفظ.

(أن أَرجعه)؛ بفتح الهمزة من (رجع)، و (أنْ) مصدرية، والأصل: بأن أرجعه؛ أي: برجوعه إلى بلده، وفي رواية: بضم الهمزة (بما نال)؛ أي: بالذي أصابه من النيل وهو العطاء، (من أجر) فقط إن لم يغنموا، (أو) أجر مع (غنيمة) إن غنموا، أو أنَّ (أو) بمعنى الواو، وعبَّر بالماضي موضع المضارع؛ لتحقق وعده تعالى، (أو) أنْ (أدخله الجنة) مع المقربين بلا حساب ولا عقاب؛ لأنَّ الشهادة تكفرها، أو عند موته لقوله: {أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: ١٦٩].

(ولولا أن أشق) أي: لولا المشقة (على أمتي ما قعدت خلفَ) بالنصب على الظرفية؛ أي: ما قعدت بعد (سرية)؛ بل كنت أخرج معها بنفسي؛ لعظم أجرها، وسبب المشقة: صعوبة تخلفهم بعده، ولا قدرة لهم على المسير معه، وشفقة عليهم، و (لولا) امتناعية، و (أنْ) مصدرية في موضع رفع بالابتداء، و (ما) وقعت جواب (لولا)، وأصله (لما) فحُذِفت اللام، (ولوددت)؛ أي: والله لوددت؛ أي: أحببت (أني أُقتل في سبيل الله ثم أُحيا، ثم أُقتل ثم أُحيا، ثم أُقتل)؛ بضم الهمزة في الكل، وفي رواية: بالفاء.

وإنما ختم بقوله: (ثم أُقتل) والقرار إنَّما هو على حالة الحياة؛ لأنَّ المراد الشهادة، فختم الحال عليها أو الإحياء للجزاء من المعلوم، و (ثم) للتراخي في الرتبة أو الزمان، وتمنِّيه عليه السلام المراد به: حصول ثواب الشهادة، لا تمني المعصية للقاتل، وفيه استحباب طلب القتل في سبيل الله، وفضل الجهاد، ويعارضه قوله عليه السلام: «لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية»، إلا أن يُحمل الأول على طلب الثواب، والثاني على هجوم العدو مع عدم قدرة الدفع؛ فتأمل.

(٢٧) [بابٌ تطوع قيام رمضان من الإيمان]

هذا (بابٌ) بالتنوين: (تطوُّعُ) (تفعُّل)، ومعناه: التكليف بالطاعة، والمراد به هنا: التنفل؛ وهو رفعٌ بالابتداء، وقوله: (قيامِ رمضان) مضاف إليه، و (رمضان) ممنوع من الصرف؛ للعلمية والألف والنون، وفي رواية: بدون التنوين في (باب) مضافًا لما بعده، وفي رواية: زيادة لفظ (شهر)، وفي رواية: سقوط لفظ (باب) (من الإيمان)؛ أي: من ثمراته.

[حديث: من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا]

٣٧ - وبه قال: ([حدثنا] إسماعيل) بن أبي أويس المدني الأصبحي (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) : هو ابن أنس وهو خاله، (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري، (عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف، أبو إبراهيم، القرشي المدني الزهري، وأمه أم كلثوم بنت عقبة أخت عثمان بن عفان لأمه، المتوفى بالمدينة سنة خمس ومئة، قاله الشيخ الإمام بدر الدين العيني؛ وهو الصحيح، قاله ابن حجر العسقلاني، (عن أبي هريرة) رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَن قام) بالطاعة صلاة التراويح وغيرها في ليالي (رمضان) حال كون قيامه (إيمانًا)؛ أي: مؤمنًا مصدقًا بالله، (و) حال كونه (احتسابًا)؛ أي: محتسبًا له تعالى لا للرياء؛ (غُفِر له ما تقدم من ذنبه) إلا حقوق العباد، فالمغفورة؛ الذنوب الصغائر، وأما الكبائر؛ فلا تسقط إلا بالتوبة أو الحد، وما ورد من الغفران في قيام رمضان، وفي صومه، وليلة القدر، وكفارة صوم يوم عاشوراء سنة، ويوم عرفة سنتين، وما بين الرمضانين للذنوب بواحد، فما الذي يكفره الآخر؟ فإن كل واحد يكفر الصغائر، فإن لم توجد؛ فإنَّه يرفع له درجات، ويكتب له حسنات، ويخفف عنه في الموقف، ويسهل عليه الصعود على الصراط، وفضل واسع.

(٢٨) [باب صوم رمضان احتسابًا من الإيمان]

هذا (بابٌ) بالتنوين، وهو ساقط عند الأصيلي كعادته: (صوم رمضان) حال كونه (احتسابًا) أي: محتسبًا (من الإيمان)؛ أي: من ثمراته، ولم يقل: (وإيمانًا)؛ اختصارًا أو لاستلزام الاحتساب الإيمان.

[حديث: من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا]

٣٨ - وبه قال: (حدثنا ابن سلَام)؛ بتخفيف اللام، وفي رواية: (البيكندي)، وفي أخرى: (محمد بن سلام) (قال: أخبرنا) وفي رواية: (حدثنا) (محمد بن فُضَيل)؛ بضم الفاء وفتح المعجمة: ابن غزوان الضبي مولاهم، الكوفي، المتوفى سنة تسع وخمسين ومئة (قال: حدثنا يحيى بن سعيد) الأنصاري قاضي المدينة، (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن صام رمضان) كله عند قدرته عليه، أو بعضه عند مرضه ونيِّته إكماله حال كون صيامه (إيمانًا و) حال كونه (احتسابًا)؛ أي: مؤمنًا محتسبًا مصدقًا به مخلصًا به؛ (غُفِر له ما تقدم من ذنبه) الصغائر، والكبائر بالتوبة والحدِّ، ونصب (رمضان) على الظرفية، وأتى بـ (احتسابًا) بعد (إيمانًا)؛ للتوكيد.

(٢٩) [بابٌ الدين يسر]

هذا (بابٌ) بالتنوين، وهو ساقط عند الأصيلي: (الدينُ) مبتدأ؛ أي: الإسلام، فـ (أل) للعهد، وقوله: (يسرٌ) خبر؛ أي: عينه ذو يسُْرة؛ بضم السين وسكونها؛ ضد العسر، ومعناه التخفيف، (وقولِ) بالجر معطوف على ما أضيف إليه الباب، وفي رواية: بالرفع (النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم: أحبُّ الدينِ) مبتدأ؛ بمعنى المحبوب؛ أي: أحب خصال دين الإسلام (إلى الله) تعالى الملةُ (الحنيفيةُ) خبر؛ أي: المائلة عن الباطل إلى الحق، والمراد بالحنيفية: الإبراهيمية (السمحةُ)؛ أي: السهلة المخالفة لأديان الأمم السالفة، بالرفع صفة (الحنيفية).

وهذا التعليق وصله المؤلف في «الأدب»، وأحمد، والطبراني، وإنما ذكره ترجمة؛ لأنَّه ليس على شرطه.

[حديث: إنَّ الدين يسر]

٣٩ - وبه قال: (حدثنا عبد السلام بن مُطَهَّر)؛ بضم الميم وفتح الطاء المهملة، والهاء المشددة: ابن حسام الأزدي البصري، المتوفى سنة أربع وعشرين ومئتين (قال: حدثنا عمر بن علي) بن عطاء المقدمي البصري المتوفى سنة تسعين ومئة، (عن مَعْن بن محمد)؛ بفتح الميم وسكون العين المهملة: ابن معن (الغِفاري)؛ بكسر الغين المعجمة؛ نسبة إلى غِفار الحجاز، فإن قيل: ما حكم حديث رواية عمر بن علي المدلِّس بالعنعنة عن معن؟ أجيب: بأنها محمولة على ثبوت سماعه من جهة أخرى كجميع ما في «الصحيحين» عن المدلسين؛ كما أوضحه الشيخ الإمام بدر الدين العيني، (عن سعيد بن أبي سعيد) واسمه كيسان (المَقْبُري)؛ بفتح الميم، وسكون القاف، وضم الموحدة؛ نسبة إلى مقبرة بالمدينة، المدني، أبي سعْد؛ بسكون العين، المتوفى بعد اختلاطه بأربع سنينسنة خمس وعشرين ومئة، وكان سماع معن عن سعيد قبل اختلاطه، (عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم) أنه (قال: إن الدين يسر).

قال الشيخ الإمام بدر الدين العيني: أي: ذو يسر، وذلك لأنَّ الالتئام بين الموضوع والمحمول شرط، وفي مثل هذا لا يكون إلَّا بالتأويل، أو الدين يسر؛ أي: عينه، على المبالغة، فكأنَّه لشدة اليسر وكثرته نفس اليسر؛ كما يقال الإمام الأعظم فقه (١)؛ لأنَّه صار عين الفقه، ومنه رجل عَدْل، و (اليسر)؛ بالضم والفتح؛ نقيض العسر، ومعناه: التخفيف، إما بالنسبة إلى ذاته، أو بالنسبة إلى سائر الأديان؛ وهو الظاهر؛ لأنَّ الله تعالى رفع عن هذه الأمة الأضر الذي كان على من قبلهم، كعدم جواز الصلاة إلَّا في المسجد، وعدم الطهارة بالتراب، وقطع الثوب الذي يصيبه النجاسة، وقبول التوبة بقتل أنفسهم، {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨]، انتهى؛ فليحفظ.

والتأكيد بـ (إنَّ)؛ ردًّا على منكرِ يُسرِ هذا الدين على تقدير كون المخاطب منكِرًا، وإلَّا؛ فعلى تقديره تنزيله منزلة المنكِر، وإلَّا؛ فعلى تقدير: المنكرين غير المخاطب، وإلَّا؛ فلكون القضية ممَّا يهتم بها، انتهى.

(ولن يشادَّ هذا الدينَ أحد) وفي رواية: بإسقاط لفظ (هذا)؛ بالشين المعجمة وإدغام سابق المثلين في لاحقه؛ من المشاددة؛ وهي المغالبة؛ أي: لا يتعمق أحد في الدين ويترك الرفق (إلا غلبه) الدينُ، وعجز وانقطع عن عمله كله أو بعضه، و (يشاد) منصوب بـ (لن)، و (الدين) نُصب بإضمار الفاعل؛ أي: لن يشادَّ الدينَ أحدٌ، وفي رواية: برفع (الدين) على أنَّ (يُشادَّ) مبني لما لم يسم فاعله، واعترض بأن أكثر الروايات بالنصب، وجمع بينهما بالنسبة إلى روايات المشارقة والمغاربة.

(فسددوا) بالمهملة من السَّداد؛ وهو التوسط بالعمل؛ أي: الزموا السداد من غير إفراط ولا تفريط، (وقاربوا) بالموحدة؛ أي: في العبادة، إن لم تستطيعوا الأخذ بالأكمل؛ فاعملوا بما يقرب منه، (وأبشروا)؛ بقطع الهمزة من الإبشار، وفي لغة: بضم الشين من البشرى؛ بمعنى الإبشار؛ أي: أبشروا بالثواب على العمل، وأبهم المبشَّر به؛ للتنبيه على تعظيمه، وسقط (وأبشروا) في رواية، (واستعينوا)؛ أي: اطلبوا الإعانة (بالغدوة) : سير أول النهار إلى الزوال أو ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس، كالغداة والغدية (والروحة) : اسم للوقت من زوال الشمس إلى الليل، وضبطهما الشيخ الإمام بدر الدين العيني؛ بفتح الراء في (الرَّوحة) وضم الغين المعجمة في (الغُدوة)، قال: وهو الصحيح، وتبعه على ذلك ابن الأثير في «النهاية»، وضبطهما الشيخ ركن الدين الكرماني وتبعه ابن حجر؛ بفتح أولهما، قلت: والمشهور الأول، كما لا يخفى؛ فافهم، (وشيءٍ)؛ أي: واستعينوا بشيء (من الدُّلْجة)؛ بضم الدال المهملة وإسكان اللام: سير آخر الليل أو الليل كله، ومن ثَم عبر بـ (مِن) التبعيضية، وقد أوضحه في «عمدة القاري»؛ ولأن عمل الليل أشرف من عمل النهار، وفي هذا استعارة الغدوة، والروحة، وشيء من الدلجة لأوقات النشاط وفراغ القلب للطاعة؛ فافهم.

(٣٠) [باب الصلاة من الإيمان]

هذا (باب) بالتنوين وترْكِه بإضافته إلى الجملة بعده؛ لأنَّ قوله: (الصلاة) مرفوع بالابتداء، وخبره قوله: (من الإيمان)؛ أي: الصلاة شعبة من شعب الإيمان، ولفظ (باب) ساقط عند الأصيلي كعادته، (وقول الله تعالى) وفي رواية: (عزَّ وجلَّ)، ويجوز فيه الجر عطفًا على المضاف إليه، والرفع عطفًا على لفظ (الصلاة) : ({وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: ١٤٣]) بالخطاب؛ لأنَّ المقام يقتضي الغَيبة؛ لكنه قصد تعميم الحكم للأمة الأحياء والأموات،


(١) في الأصل: (فقيه)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>