للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفيه: فضيلة ظاهرة لعليٍّ وعمَّار رضي الله عنهما.

وفيه: ردٌّ على النواصب الزاعمين أن عليًّا لم يكن مصيبًا على حروبه.

وفيه: استحباب الاستعاذة من الفتن؛ لأنَّه لا يدري أحد في الفتنة أمأجور أم مأزور؟ إلا بغلبة الظن، ولو كان مأجورًا؛ لما استعاذ عمَّار من الأجر) انتهى.

وقال ابن بطال: (وفيه: ردٌّ للحديث الشائع: «لا تستعيذوا بالله من الفتن فإنَّ فيها حصاد المنافقين»).

قال الشَّارح: (ويروى: «لا تكرهوا الفتن»، ولكن لم يصح هذا فإن عبد الله بن وهب قد سئل عن هذا فقال: إنَّه باطل) انتهى.

قلت: وقد قال غيره كالسخاوي: إنه باطل، لكن له وجه صحيحومعنى صريح: في أن وجود الفتن تجرُّ بعض المنافقين للوقوع في الهلاك، فيتخلص (١) منهم الصالحون المتقون ويستريحون من إيذائهم، وإنِّما استعاذ عمَّار؛ لأنَّه بسبب وجود الفتنة ربما الإنسان لا يصبر فيحصل له الضجر، وربما يقع في محظور وغير ذلك، أمَّا الذي يحفظ دينه وعرضه وماله؛ فهو في الفتنة مأجور؛ لأنَّها من قبيل الجهاد في سبيل الله تعالى؛ فافهم.

(٦٤) [باب الاستعانة بالنجار والصناع في أعواد المنبر والمسجد]

هذا (باب) حكم (الاستعانة) أي: طلب الإعانة (بالنَّجَّار)؛ بفتح النون، وتشديد الجيم على وزن «فعَّال»، وهو الذي يعمل صنعة النجارة (والصُّنَّاع)؛ بضمِّ الصاد المهملة، وتشديد النون جمع: صانع، وهو من قبيل عطف العام على الخاص، قاله إمام الشَّارحين، (في أعواد المنبر والمسجد) متعلق بـ (الاستعانة)، فهو متعلق معنًى بـ (النجار والصناع)، و (المسجد) : عطف على (المنبر) أو على (أعواد)، قاله الكرماني، وتبعه البرماوي، واعترضه العجلوني فقال: (عطفه على «المنبر» لا يخلو من توقف) انتهى، قلت: لا توقف فيه أصلًا، بل المعنى فيه صحيح، كما لا يخفى.

وزعم ابن حجر فيه لف ونشر، فقوله: (في أعواد المنبر) يتعلق بالنَّجار، وقوله: (والمسجد) يتعلق بـ (الصُّنَّاع)؛ أي: والاستعانة بالصُنَّاع في بناء المسجد.

ورده إمام الشَّارحين فقال: (لا يصح ذلك من حيث المعنى؛ لأنَّ النَّجار داخل في الصُّنَّاع، وشرط اللف والنشر أن يكون من متعدد) انتهى.

واعترضه العجلوني فزعم أن ما ذكره ابن حجر مقابل لعطف العام على الخاص، وعليه فلا يكون النَّجار داخلًا في الصُّنَّاع، على أنَّه وإن كان داخلًا فيه؛ فالتعدد موجود، انتهى.

قلت: وهذا ليس بشيء؛ لأنَّ كونه من عطف العام على الخاص يلزم عليه أن يكون النَّجار داخلًا في الصُّنَّاع؛ لأنَّ النَّجار صانع من جملة الصُّنَّاع.

وقوله: (على أنَّه...) إلخ: هذا تنزل في الجواب، وهو ليس بشيء أيضًا، فإن التعدد غير موجود، فإن النَّجار يقال له: صانع، وهو من جملة الصُّنَّاع؛ فإن الذي يحتاج في بناء المسجد النَّجار وغيره من الصُّنَّاع، وكذلك المنبر؛ فافهم، على أنَّه وإن كان بحسب الظاهر من اللفظ أنَّه متعدد، لكن من حيث المعنى غير متعدد، بل هو شيء واحد؛ لأنَّ لفظ (الصُّنَّاع) ومعناه واحد وتحته أفراد، وعلى كل حال فما زعمه ابن حجر والعجلوني غير صحيح، كما لا يخفى.

[حديث: بعث رسول الله إلى امرأة أن مري غلامك النجار يعمل لي]

٤٤٨ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا قتيبة) زاد الأصيلي: (ابن سعِيد) بكسر العين المهملة (قال: حدثنا عبد العزيز) : هو ابن أبي حازم (عن أبي حازم) : هو سلمة بن دينار، ولأبوي ذر والوقت: (حدثني) بالإفراد (أبو حازم) (عن سهل) : هو ابن سعْد؛ بسكون العين المهملة الساعدي الأنصاري رضي الله عنه (قال: بعث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم) أي: أرسل (إلى امرأة) : هي عائشة الأنصارية، كما صرَّح الطبراني: (أن مري غلامكِ)؛ بكسر الكاف؛ وكلمة: (أن) مفسرة بمنزلة (أي)، كما في قوله تعالى: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الفُلْكَ} [المؤمنون: ٢٧] ويحتمل أن تكون مصدرية؛ بأن يقدر قبلها حرف الجر، وعن الكوفيين: إنكار (أن) التفسيرية ألبتة، ويروى: (مري) بدون (أن)، و (مري) : أمرٌ من (أمر يأمر)، والياء التحتية علامة الخطاب للمؤنث، كذا قرره إمام الشَّارحين، قلت: وعلى مذهب الكوفيين يتعين جعلها مصدرية، و (مري) أفصح من (اؤمري)؛ لأنَّه في ابتداء الكلام؛ فافهم.

وهذا الغلام هو مولى هذه المرأة، واسمه باقوم-بالميم- الرومي، وقيل: باقول: باللام، فيما رواه عبد الرزاق، وقيل: قبيصة المخزومي، وقيل: مينا، وقيل: صالح مولى العبَّاس، وقيل: ميمون، كما تقدم ذلك في باب (الصلاة في السطوح والمنبر والخشب).

(يعملْ) : مجزوم في جواب الأمر؛ أي: يصنع لي (أعوادًا)؛ أي: منبرًا مركبًا منها (أجلسُ عليهن)؛ بالرفع؛ أي: أنا أجلس عليها، والجملة صفة (أعوادًا) مقدرة أو مستأنفة استئنافًا بيانيًّا.

قال إمام الشَّارحين: (وههنا مسألة وهي: أنَّ الأمر بالأمر بالشيء أمرٌ بذلك الشيء أم لا؟ وهل الغلام مأمور من قبل النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم أم لا؟ وفيه خلاف، والأصح عدمه) انتهى.

قلت: الأصوليون منعوا ذلك، وعليه فلا يكون النَّجار مأمورًا من جهته عليه السَّلام، ونظيره قوله عليه السَّلام: «مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين».

وهذا الحديث أخرجه المؤلف في (البيوع) بهذا الإسناد بتمامه، وههنا اختصره، وفيه: الاستعانة بأهل الصنعة فيما يشمل المسلمين نفعه، وفيه: التقرب إلى أهل الفضل بعمل الخير، وفيه: استحباب الجلوس على شيء مرتفع لأجل الوعظ والدرس ونحوه، والله أعلم.

[حديث: يا رسول الله ألا أجعل لك شيئًا تقعد عليه]

٤٤٩ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا خَلَّاد)؛ بفتح الخاء المعجمة، وتشديد اللام: هو ابن يحيى صفوان السلمي الكوفي نزيل مكة (قال: حدثنا عبد الواحد بن أَيْمَن)؛ بفتح الهمزة، وسكون التحتية، وفتح الميم، آخره نون؛ هو الحبشي المكي القرشي المخزومي، (عن أبيه) : هو أيمن المذكور (عن جابر) زاد الأصيلي: (ابن عبد الله) : هو الأنصاري الصحابي رضي الله عنهما: (أن امرأة) : هي عائشة الأنصارية، كما صرح بها الطبراني، وهي المذكورة في حديث سهل (قالت: يا رسول الله؛ ألا) :


(١) في الأصل: (فتتخلص)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>