للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

يبدله أزواجًا خيرًا منكن، فنزلت الآية.

قال إمام الشَّارحين: (وأصل هذه القضية: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا صلى الغداة؛ دخل على نسائه امرأة امرأة، وكانت قد أهديت لحفصة بنت عمر رضي الله عنهما عكة من عسل، فكانت إذا دخل عليها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مسَلِّمًا؛ حبسته، وسقته منها، وأنَّ عائشة رضي الله عنها أنكرت احتباسه عندها، فقالت لجويرة عندها حبشية يقال لها: خضرة: إذا دخل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على حفصة؛ فادخلي عليها، فانظري ماذا يصنع، فأخبرتها الخبر وشأن العسل، فغارت، فأرسلت إلى صواحبها، وقالت: إذا دخل عليكن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فقلن: إنا نجد منك ريح مغافر، وهو صمغ العرفط (١) كريه الرائحة، وكان عليه السَّلام يكره ويشق عليه أن يوجد منه ريح منتنة؛ لأنَّه يأتيه الملَك، فدخل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على سودة، فقالت: فما أردت أن أقول ذلك لرسول الله عليه السَّلام، ثم إني فرقت من عائشة، فقلت: يا رسول الله؛ ما هذه الريح التي أجدها منك، أكلت المغافر؟ قال: «لا، ولكن حفصة سقتني عسلًا»، ثم دخل على عائشة، فأخذت بأنفها، فقال لها النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم: «ما شأنك؟»، قالت: أجد ريح المغافر، أكلتها يا رسول الله؟ فقال: «لا، بل سقتني حفصة عسلًا»، قالت: جرست إذًا نحله العرفط، فقال لها: «والله لا أطعمه أبدًا»، فحرمه على نفسه، قالوا: وكان عليه السَّلام قسم الأيام بين نسائه، فلما كان يوم حفصة؛ قالت: يا رسول الله؛ إن لي إلى أبي حاجة نفقة لي عنده، فائذن لي أن أزوره، وآتي بها، فأذن لها، فلما خرجت؛ أرسل رسول الله [صلى الله] عليه وسلم إلى جاريته مارية القبطية أم إبراهيم، وكان قد أهداها له المقوقس، فأدخلها بيت حفصة، فوقع عليها، فأتت حفصة، فوجدت الباب مغلقًا، فجلست عند الباب، فخرج رسول الله ووجهه يقطر عرقًا، وحفصة تبكي، فقال: «ما يبكيك؟»، فقالت: إنَّما أذنت لي من أجل هذا، أدخلت أمتك بيتي، ثم وقعت عليها في يومي، وعلى فراشي، أما رأيت لي حرمة وحقًّا؟ ما كنت تصنع هذا بامرأة منهن، فقالعليه السلام: «أليس هي جارية قد أحلها الله لي؟ اسكتي، فهي علي حرام، ألتمس بذلك رضاك، فلا تخبري بهذا امرأة منهن، وهو عندك أمانة»، فلما خرج عليه السَّلام؛ قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة، فقالت: ألا أبشرك أنَّ رسول الله عليه السَّلام قد حرم عليه أمته مارية، فقد أراحنا الله منها، وأخبرت عائشة بما رأت، وكانتا متصافيتين متظاهرتين على سائر أزواجه عليه السَّلام، فلم تزل بنبي الله عليه السَّلام حتى حلف ألا يقربها، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ} [التحريم: ١]؛ يعني: العسل ومارية، ثم إنَّ عمر رضي الله عنه لما بلغه ذلك؛ دخل على نساء النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، فوعظهن، وزجرهن، ومن جملة ما قال: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن، فأنزل الله هذه الآية، فهذا من جملة ما وافق عمر ربه، ووافقه ربه عز وجل) انتهى، والله تعالى أعلم.

وبالسند إليه قال: (حدثنا ابن أبي مريم) هو سعيد بن محمد بن الحكم؛ كذا في رواية كريمة، وفي رواية أبي ذر، عن المستملي، قال (أبو عبد الله -أي: المؤلف-: وحدثنا ابن أبي مريم)، وفي رواية ابن عساكر: (قال محمد -أي: المؤلف أيضًا-: وقال ابن أبي مريم)، وفي رواية الأصيلي، عن الحمُّوي والكشميهني: (وقال ابن أبي مريم)، (أخبرنا يحيى بن أيوب) هو الغافقي (قال: حدثني)؛ بالإفراد (حُميد)؛ بضمِّ الحاء المهملة، هو الطويل التابعي (قال: سمعت أنسًا)؛ هو ابن مالك الأنصاري (بهذا)؛ أي: بالحديث المذكور سندًا ومتنًا، فهو من رواية أنس، عن عمر، لا من رواية أنس، عن النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فافهم، نبه عليه إمام الشَّارحين، ثم قال: وهذا ذكره البخاري معلقًا هنا، وفي «التفسير» أيضًا، ونص عليه أيضًا خلف وصاحبا «المستخرج»، وهو الظاهر، ووقع في رواية كريمة: (حدثنا ابن أبي مريم)، وهو غير ظاهر؛ لأنَّ البخاري لم يحتج بيحيى بن أيوب، وإنَّما ذكره في الاستشهاد والمتابعة، وقول ابن طاهر: (خرَّج له الشيخان)، فيه نظر؛ لأنَّه نقض كلام نفسه بنفسه؛ لذكره له ترجمة في «أفراد مسلم»، وفائدة ذكر البخاري له تصريح حميد فيه بسماعه إياه من أنس، فحصل الأمن من تدليسه، انتهى.

وزعم الكرماني أنَّ استشهاد المؤلف بهذا الطريق؛ للتقوية؛ دفعًا لما في الإسناد السابق من ضعف عنعنة هشيم، فإنَّه قيل: إنَّه مدلس.

ورده إمام الشَّارحين فقال: (فيه نظر؛ لأنَّ معنعنات «الصحيحين» كلها مقبولة محمولة على السماع، وكلامه يدل على هذا، فذكره كما ذكرنا هو الواقع في محله)؛ فافهم.

وزعم الكرماني أيضًا: (وإنما لم يعكس المؤلف بأن يجعل هذا الإسناد أصلًا؛ لما في يحيى من سوء الحفظ، ولأنَّ في ابن أبي مريم ما نقله بلفظ النقل والتحديث، بل ذكره على سبيل المذاكرة، ولهذا قال البخاري: قال ابن أبي مريم).

وردَّه إمام الشَّارحين فقال: فيه نظر؛ لأنَّه صرح في رواية كريمة: (حدثنا ابن أبي مريم)، فهو يعكر على ما قاله، والظاهر: أنَّ الكرماني لو اطلع على هذه الرواية؛ لما قال ما ذكره، انتهى.

قلت: والتصريح بالتحديث ثبت أيضًا في رواية أبي ذر عن المستملي: (قال أبو عبد الله: وحدثنا ابن أبي مريم)، والمستملي أحفظ الرواة، فيكون المؤلف نقله على لفظ النقل والتحديث لا على سبيل المذاكرة، كما زعمه الكرماني، فحقيق بأنَّ الكرماني لم يطلع على هذه الروايات، ولو اطلع؛ لما قال ما قال، فإنَّه قد ركب متن عميا، وخبط خبط عشوى؛ فافهم.

[حديث: بينا الناس في بقباء]

٤٠٣ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف)؛ هو التنيسي المنْزِل، الدمشقي الأصل، وفي (يوسُف) تثليث السين مع الهمز وتركه، ومعناه بالعبرانية: جميل الوجه (قال: أخبرنا مالك)، كذا للأصيلي وابن عساكر، ولغيرهما: (مالك بن أنس)؛ هو الأصبحي المدني، (عن عبد الله بن دينار) هو المكي التابعي، (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب القرشي العدوي رضي الله عنهما (قال: بينا) أصله: بين، فأشبعت الفتحة، فصارت ألفًا، يقال: بينا وبينما، وهما


(١) في الأصل: (العزقط)، وهو تصحيف.

<<  <   >  >>