للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ظرفا زمان؛ بمعنى: المفاجأة، ويضافان إلى جملة من فعل وفاعل، ومبتدأ وخبر، ويحتاجان إلى جواب يتم به المعنى، والأفصح في جوابهما ألا يكون فيه (إذ) و (إذا)، وقد جاء كثيرًا، تقول: بينا زيد جالس؛ دخل عليه عمرو، وإذ دخل عليه عمرو، وإذا دخل دخل عليه، وبينا هنا: أضيف إلى المبتدأ والخبر، وجوابه قوله: (إذ جاءهم آتٍ) انتهى، قرره إمام الشَّارحين.

(الناس بقُباء)؛ بضمِّ القاف وتخفيف الموحدة بعدها، قال الشَّارح: (وفيه ست لغات: المد، والقصر، والتذكير، والتأنيث، والصرف، والمنع، وأفصحها: المد) انتهى.

قلت: وأفصحها: المد، والتذكير، والتنوين، هذه اللغة المشهورة، والقصر، والتأنيث، وترك الصرف حكاها صاحب «المطالع» عن الخليل، ثم قال إمام الشَّارحين: وهو موضع معروف ظاهر المدينة، والمعنى هنا: بينا الناس في مسجد قباء، وهم (في صلاة الصبح)، واللام في الناس؛ للعهد الذهني؛ لأنَّ المراد: أهل قباء ومن حضر معهم في الصلاة بمسجدهم، وفي حديث البراء بن عازب المتقدم في صلاة العصر، ولا منافاة بين الخبرين؛ لأنَّ الخبر وصل وقت العصر إلى من هو داخل المدينة، وهم بنو حارثة، ووقت الصبح في اليوم الثاني إلى من هو خارجها، وهم بنو عمرو بن عوف بقباء، قاله إمام الشَّارحين، وقوله: (إذ جاءهم) جواب (بينا)، كما ذكرنا؛ أي: أهل قباء (آتٍ)؛ بالمد، فاعل من: أتى يأتي، فأُعل إعلال قاضٍ، وهذا الآتي هو عبَّاد -بالتشديد- ابن بشر؛ بكسر الموحدة وسكون المعجمة، قاله في «عمدة القاري»، وتبعه الشراح.

قلت: واقتصر ههنا على هذا الآتي، وفي حديث البراء اختلف فيه هل هو عباد بن بشر أو عباد بن نهيك؟ والأول: قول ابن بشكوال، والثاني: قول أبي عمرو، فالظاهر من جزم إمام الشَّارحين تعيين الأول ههنا، لكن يحتمل أن يكون الثاني؛ فافهم.

(فقال)؛ أي: الآتي: (إنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد أنزل عليه الليلة قرآن)؛ بالتنكير؛ لأنَّ المراد البعض، وفي رواية الأصيلي: (القرآن)؛ بالألف واللام التي هي للعهد، وأراد بالقرآن قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ...}؛ الآيات [البقرة: ١٤٤]، وأطلق (الليلة) على بعض اليوم الماضي وما يليه مجازًا، وفيه أيضًا مجاز حيث ذكر الكل، وهو (قرآن)، وأراد الجزء وهو الآيات، كذا قرره إمامنا الشَّارح رضي الله عنه.

(وقد أُمر)؛ بضمِّ الهمزة على صيغة المجهول؛ أي: أمر النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم؛ أي: أمره الحكم العدل سبحانه، وإنَّما حذف للعلم به، وتعظيمه (أن) أي: بأن (يستقبل) أي: باستقبال (الكعبة) فكلمة: (أن) مصدرية مؤولة بمصدر، والمعنى: باستقبالها، كما علمت، (فاستقبَلوها)؛ بفتح الموحدة عند أكثر الرواة على صيغة الجمع من الماضي، والضمير فيه يرجع إلى النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه رضي الله عنه، ويحتمل أن يكون الضمير راجعًا لأهل قباء؛ يعني: حين سمعوا من الآتي ما بلغهم؛ استقبَلوا الكعبة، وفي رواية الأصيلي: (فاستقبِلوها)؛ بكسر الموحدة على صيغة الأمر للجمع، والأمر فيه لأهل قباء من الرجل الآتي، كذا قرره إمام الشَّارحين.

قلت: والأظهر أن يكون الضمير راجعًا للنبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه؛ لأنَّ هذا من تمام كلام الآتي؛ يعني: أنَّه أخبرهم بأنَّ الرسول أمر باستقبال الكعبة، فاستقبلها هو وأصحابه، وأنتم كذلك يجب عليكم استقبالها، فإنَّ هذا صار كالتأكيد للأمر المذكور؛ فافهم.

وقوله: (وكانت وجوههم إلى الشام)؛ من كلام الرجل المخبِر بتغيير القبلة، قاله إمام الشَّارحين، وزعم الكرماني أنه من كلام ابن عمر، انتهى.

قلت: والأظهر أنَّه من كلام الرجل المخبر؛ لأنَّه لما بلغهم ما رأى من تغير القبلة؛ رآهم مستقبلين الشام، فأخبر عنهم بذلك.

قال إمام الشَّارحين: وعلى هذا -أي: أنه من كلام الرجل-؛ تكون الواو للحال، وتكون الجملة حالية على رواية الأكثرين، وهو أن يكون بصيغة الجمع من الماضي، وعلى رواية الأصيلي تكون الواو للعطف، وجاء عطف الجملة الخبرية على الإنشائية، والضمير في (وجوههم) يحتمل الوجهين المذكورين، انتهى؛ يعنى: أنه يحتمل رجوعه للنبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه، ويحتمل رجوعه لأهل قباء.

قلت: والظاهر الأول؛ لأنَّ هذا حكاية عمَّا فعله النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه، وهو تأكيد للأمر المذكور؛ فافهم.

وزعم ابن حجر أنَّ الأظهر عود الضمير لأهل قباء، ويرجح رواية الكسر أنَّه عند المصنف في «التفسير» : (وقد أمر أن يستقبل الكعبة ألا فاستقبلوها)، فدخول حرف الاستفتاح يشعر بأنَّ الذي بعده أمر لا أنه بقية الخبر الذي قبله.

ورده إمام الشَّارحين فقال: («ألا» في مثل هذا الموضع تكون للتنبيه؛ لتدلَّ على تحقق ما بعدها، ولا يسمى حرف استفتاح إلا في مكان يمهل معناها، وفي ترجيحه الكسر بهذا نظر؛ لأنَّه يعكر عليه).

قوله: (فاستداروا) إذا جعل (وكانت وجوههم)، من كلام ابن عمر، انتهى.

قلت: وما زعمه ابن حجر غير ظاهر، فضلًا عن أن يكون أظهر، بل هو باطل، والصواب: أنَّ الضمير يرجع للنبيِّ الأعظم صلى الله عليه وأصحابه في الوجهين؛ لأنَّ هذا من كلام الرجل المخبر، ساقه؛ لأجل التحقيق والتأكيد على الذي بلَّغهم به، وما زعمه من ترجيح الكسر هذا ممنوع، وترجيح بلا مرجح، فإنَّ الذي عند المؤلف في «التفسير» لا يدل على ترجيحه؛ لأنَّ المراد بقوله: (ألا فاستقبلوها) تحقيق الوقوع، ويدل على بطلان ما زعمه قوله: (فاستداروا)، فإنَّه يدل على أنَّ الرواية بالفتح، وهي الأرجح؛ لموافقة المعنى، أمَّا على ما زعمه؛ فلا يظهر؛ لأنَّ فيه مخالفة المعنى، وصريح اللفظ يرده، كما لا يخفى على من له أدنى ذوق في

<<  <   >  >>