للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

لأنَّ الحكم أعم؛ فافهم.

[حديث عائشة: أعدلتمونا بالكلب والحمار لقد رأيتني مضطجعةً على]

٥٠٨ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا عثمان ابن أبي شيبة) : نسبه لجده؛ لشهرته به، وإلا؛ فهو عثمان بن محمَّد بن أبي شيبة -واسمه إبراهيم- بن عثمان أبو الحسن العبسي الكوفي، أخو أبي بكر ابن أبي شيبة، المتوفي في المحرم سنة تسع وثلاثين ومئتين، وهو أكبر من أبي بكر بثلاث سنين (قال: حدثنا جَرير)؛ بفتح الجيم: هو ابن عبد الحميد الرازي، الكوفي الأصل، (عن منصور) هو ابن المعتمر -بلفظ الفاعل- السُّلَمي الكوفي، (عن إبراهيم) هو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي التَّابعي، (عن الأسود) هو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي التَّابعي، خال إبراهيم المذكور، (عن عائشة) : الصديقة بنت الصديق الأكبر أم المؤمنين رضي الله عنها وعن أبويها، وفي إسناد الحديث: رواته كوفيون، ورواية تابعي عن تابعي عن الصَّحابية، وهما موافقان في اسم الأب والجد والنسبة، ويفترقان من حيث إنَّ إبراهيم تابعي صغير، والأسود تابعي كبير، وإنَّما سمي الأسود؛ لأنَّه كان شديد السمرة، فلونه مائل إلى السواد، فسمي به، والله أعلم.

(قالت)؛ أي: لمن كان في حضرتها من الرجال والنساء لما قالوا: (يقطع الصلاة الكلب والمرأة والحمار) : (أَعَدَلتمونا)؛ بفتح الهمزة التي هي للاستفهام الإنكاري التوبيخي، وفتح العين المهملة والدَّال المخففة؛ معناه: لم عدلمتونا (بالكلب والحمار؟!)، وظاهر كلامها يدل على أنَّها تقول بأنَّ الكلب والحمار يقطعان الصلاة، وإنَّما أنكرت عليهم تسويتهم المرأة بهما مع شرفها وخستهما، (لقد) وفي رواية: (ولقد) (رأيتُني)؛ بِضَمِّ المثناة الفوقية للمتكلم، وكون ضميري الفاعل والمفعول عبارتين عن شيء واحد من جملة خصائص أفعال القلوب، قاله الكرماني، ومقتضاه أنَّها قلبية هنا، وهو بعيد، والظَّاهر أنها بصرية، ويدل عليه قول إمام الشَّارحين: المعنى: رأيت نفسي، حتى لا يقال: فيه كون الفاعل والمفعول واحدًا، أفاده العجلوني.

قلت: والصَّواب: أنها بصرية، والمعنى كما ذكره إمامنا الشَّارح، ومراده الرد على الكرماني؛ لأنَّه ذكر عبارته ثم ناقضها بما ذكر، وهو الحق، كما لا يخفى على أولي الألباب.

(مضطجعةً)؛ بالنصب على الحال؛ لأنَّ الرؤية هنا من رؤية العين، قاله الشَّارح، ويحتمل نصبه على أنَّه مفعول ثان؛ فافهم، (على السرير)، جمعه (١) أسرة وسُرُر: بِضَمِّ الرَّاء، وبعضهم يفتحها؛ وهو التخت المعروف، وكان في زمانهم يتخذ من الخوص وإلى الآن في الحجاز، وأمَّا في ديارنا الشريفة الشامية؛ فيتخذ من الخشب والدفوف، كما لا يخفى، (فيجيء النَّبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم)؛ أي: إلى بيتها حتى يصل إلى السرير، (فيتوسط السرير)؛ أي: يجعل نفسه في وسط السرير، يدل عليه أنَّ البيوت وقتئذٍ ضيقة لا تسع غير السرير، كما روي في الأحاديث؛ فافهم.

وفسره العجلوني: أي: بالتوجه إليه من غير جلوس عليه.

قلت: وهو خلاف ظاهر اللَّفظ؛ لأنَّ المراد من توسطه السرير: الجلوس عليه، وهو الظَّاهر، وما رواه البخاري في (الاستئذان) كما يأتي لا يدل على ما زعمه؛ لأنَّ ما ذكر هنا قصة غير القصة التي ذكرت في (الاستئذان)، فافترقا، ويدل عليه اختلاف ألفاظهما متنًا وسندًا ورجالًا؛ فليحفظ.

(فيصلي)؛ أي: عليه، ففيه المطابقة للتَّرجمة؛ لأنَّ مراده فيها: الصلاة على السرير؛ فافهم (فأَكره)؛ بفتح الهمزة؛ أي: قالت عائشة رضي الله عنها: فأكره؛ أي: لا أحب (أن) بفتح الهمزة (أَسْنَحَه)؛ بفتح الهمزة، وسكون السين المهملة، وفتح النُّون والحاء المهملة، كذا في رواية (الفرع) و (أصله)، وفي فرع آخر: بِضَمِّ الهمزة، وفتح السين، وتشديد النُّون المكسورة، وفتح الحاء، وللأصيلي: بِضَمِّ الهمزة، وسكون السين، وكسر النُّون، وفتح الحاء، والرواية الأولى اقتصر عليها إمامنا الشَّارح، وكذا الكرماني وابن حجر، وتبعهم القسطلاني، وهذا يدل على أنَّه هو المعروف في اللُّغة، لكن قال ابن التين: بكسر النُّون فيما رويناه، ورواه غيره: بفتح النُّون، وقال الدماميني: بكسر النُّون وفتحها، والمعروف في اللُّغة الفتح، وقد جاء: (فأكره أن أستقبله)، وفي رواية: (فأكره أن أجلس فأؤذيه)، وقال في «عمدة القاري» : هو من قولك: سنح لي الشيء؛ إذا عرض، تريد: أنَّي أكره أن أستقبله ببدنه في صلاته، ومن هذا سوانح الظباء؛ وهو ما يعترض المسافرين فيجيء عن مياسرهم ويجوز إلى ميامنهم، والسانح عند العرب: ما يمر بين يديك عن يمينك، وكانوا يتيمنون به، ومنهم من قال: عن يسارك إلى يمينك؛ لأنَّه أمكن للرمي، والبارح عكسه، والعرب تتطير به، وقال صاحب «العين» : أسنحه: أي أظهر له، وكلما عرض لك؛ فقد سنح، انتهى.

(فأنسَلُّ)؛ بقطع الهمزة، وفتح السين المهملة، وتشديد اللَّام على صيغة المتكلم من المضارع عطفًا على (أكره)؛ أي: أخرج بخفية أو برفق (من قِبَل)؛ بكسر القاف وفتح الموحَّدة؛ أي: من جهة (رجلي السرير)؛ بلفظ التثنية مضافًا إلى (السرير) (حتى أنسَلَّ)؛ أي: أخرج بخفية أو برفق كسابقه إلا أنَّ هذا منصوب؛ أي: إلى أن أنسل (من لِحَافي)؛ بكسر اللَّام، وفتح الحاء المهملة؛ أي: ما يلتحف به الإنسان اتقاء البرد.

ففي الحديث: دليل على جواز الصلاة على السرير.

وفيه: دلالة على أنَّ مرور المرأة بين يدي المصلي لا يقطع صلاته؛ لأنَّ انسلالها من لحافها كالمرور بين يدي المصلي.

وفيه: جواز الصلاة بحضرة نائم أو مضطجع ولو امرأة.

وفيه: أنَّ المرأة إذا مست الرجل وبالعكس؛ لا ينقض الوضوء؛ لأنَّ عائشة رضي الله عنها مست بدنه عليه السَّلام وهو في الصلاة، ولم ينكر عليها؛ فافهم.

ومطابقة الحديث للتَّرجمة ظاهرة؛ لأنَّ التَّرجمة في حكم الصلاة على السرير، وفي الحديث: (فيتوسط السرير، فيصلِّي فيه)، فهو يدل على أنَّه يصلِّي على السرير، كما نبَّه عليه الكرماني، وقال: حروف الجر يقام بعضها مقام البعض.

وقال إمام الشَّارحين: (فإن قلت: وقوله: «فيتوسط السرير» يشمل ما إذا كان فوقه أو أسفل منه.

قلت: لا نسلم ذلك؛ لأنَّ معنى قوله: «فيتوسط السرير» : يجعل نفسه في وسط السرير.

فإن قلت: ذكر البخاري في «الاستئذان» حديث الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن عائشة: «كان يصلِّي والسرير بينه وبين القبلة»، فهذا يبين أنَّ المراد من حديث الباب أسفل السرير.

قلت: لا نسلم ذلك؛ لاختلاف العبارتين مع احتمال كونهما في الحالتين، فإذا علمت ذلك؛ علمت أنَّ قول الإسماعيلي: بأنَّه دال على الصلاة على السرير لا إلى السرير، غير وارد، يظهر ذلك بالتأمل) انتهى.

واعترضه العجلوني فزعم أنَّ المراد: الصلاة إلى السرير بالتوجه إليه، كما يدل عليه رواية مسروق، فيكون قوله: (يتوسط السرير)؛ أي: أسفل منه، ونقله عن ابن حجر، ثم زعم وأيد كلامه بأنَّ الكلام في السترة والصلاة إليها لا في الصلاة على السرير، ورواية ابن عساكر يحتمل أن ترد (على) بمعنى (إلى) انتهى.

قلت: وهذا تعصب بارد من ذهن شارد؛ لأنَّ كون المراد ما زعمه خلاف الظَّاهر من اللَّفظ، فإنَّ التَّرجمة في الصلاة على السرير كما بينته رواية ابن عساكر، وهو يعين أنَّ الصلاة فوقه كما في قولك:


(١) في الأصل: (جمع)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>