للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

التزيُّن للزوج المطلوب شرعًا، وصحح الرافعي التحريم، والله تعالى أعلم.

(١٧) [باب الصلاة في الثوب الأحمر]

هذا (باب) : بيان حكم (الصلاة في الثوب الأحمر)؛ يعني: يجوز ويكره، وزعم ابن حجر أنه يشير إلى الجواز، والخلاف مع الحنفية، ومن أدلتهم ما أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو قال: (مر بالنبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم رجل وعليه ثوبان أحمران، فسلم عليه فلم يرد عليه)، وهو حديث ضعيف الإسناد) انتهى.

ورده إمام الشَّارحين فقال: لا خلاف للحنفية في جواز ذلك، ولو عرف هذا القائل مذهب الحنفية؛ لما قال ذلك، ولم يكتف بهذا حتى قال: وتأولوا حديث الباب بأنها كانت حلة من برود فيها خطوط حمر، ولا يحتاج إلى هذا التأويل؛ لأنَّهم لم يقولوا بحرمة لبس الأحمر حتى تأولوا هذا، وإنما قالوا: مكروه لحديث آخر، وهو نهيه صلَّى الله عليه وسلَّم عن لبس المعصفر، والعمل بما ورد من الحديثين أولى من العمل بأحدهما، فاحتجوا بالأول على الجواز، وبالثاني على الكراهة.

وما زعمه هذا القائل من (أن من أدلتهم ما أخرجه أبو داود...) إلى آخره: ممنوع، وعرق العصبية حين تحرك حمله على أن سكت عن قول الترمذي عقيب إخراجه هذا الحديث، قال: (هذا حديث حسن صحيح) انتهى.

فانظر إلى تعصب ابن حجر وتعنته كيف يطيل لسانه، وهذا عرق فيه قد صار من أعضائه.

[حديث: رأيت رسول الله في قبة حمراء من أدم]

٣٧٦ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا محمد بن عرعرة)؛ بالعينين والراءين المهملات، غير منصرف؛ للعلمية والتأنيث: هو ابن البِرنْد؛ بكسر الموحدة والراء وبفتحها، وبسكون النون، البصري (قال: حدثني) بالإفراد (عُمَر) بضم العين المهملة وفتح الميم (بن أبي زائدة)؛ بالزاي: هو أخو زكريا الهمداني الكوفي، (عن عون) بالنون في آخره (بن أبي جُحَيْفَة)؛ بضم الجيم، وفتح الحاء المهملة، وسكون التحتية، وفتح الفاء، (عن أبيه) : هو أبو جحيفة المذكور، واسمه وهب بن عبد الله السُّوائي؛ بضم السين المهملة، وتخفيف الواو، بعدها ألف، ثم ألف (١)، الكوفي رضي الله عنه (قال: رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم) أي: بالإبطح بمكة، وقد صرح بذلك في رواية مسلم: (قال: أتيت النبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم بمكة وهو بالإبطح)، وهو الموضع المعروف، ويقال له: البطحاء، ويقال: إنه إلى منًى أقرب، وهو المحصب، وهو خيف (٢) بني كنانة، كذا في «عمدة القاري».

وزعم ابن حجر أنه ذو طُوًى، قال إمام الشَّارحين: (وليس كذلك، كما نبه عليه ابن قرقول) انتهى.

قلت: وكان ابن حجر لم يقف على ما ذكره ابن قرقول؛ لعدم اطلاعه في كتب اللغة، فيقول رجمًا بالغيب، وهو خطأ ظاهر؛ فافهم.

(في قُبَّة) بضم القاف، وتشديد الموحدة المفتوحة (حمراء من أدم) وعند النسائي: (وهو في قبة حمراء في نحو من أربعين رجلًا)، قال الجوهري: (القبة: من البناء، والجمع قبب وقباب) انتهى.

ورده إمام الشَّارحين فقال: المراد من القبة هنا: هي التي تعمل من الجلد، وقد فسر ذلك بكلمة (من) البيانية، والأَدم؛ بفتح الهمزة، والدال المهملة، جمع الأديم، وفي «المحكم» : الأديم: الجلد ما كان، وقيل: الأحمر، وقيل: هو المدبوغ، وقيل: هو بعد الأفيق، وذلك إذا تم واحمرَّ، والأفيق: هو الجلد الذي لم يتم دباغه، وقيل: هو ما دبغ بغير القرظ، قاله ابن الأثير، و (الأدم) : اسم الجمع عند سيبويه، والأدايم جمع أديم؛ كيتيم وأيتام وإن كان هذا في الصفة أكثر، وقد يجوز أن يكون جمع أدم.

وفي «المخصص» : إذا شق (٣) الجلد وبسط حتى يبالغ فيه ما قبل من الدباغ؛ فهو حينئذ أديم وأدم (٤) وآدمة، وفي «النوادر» للحياني: الأدم والأدم جمع الأديم؛ وهو الجلد، وفي «الجامع» : الأديم: باطن الجلد، انتهى.

(ورأيت بلالًا) : هو مؤذن النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم؛ بكسر الموحدة أوله (أَخذ)؛ بفتح الهمزة، والخاء المعجمة؛ أي: قد أخذ، ويجوز فتح الهمزة الممدودة، وكسر الخاء المعجمة، والظاهر أن الرواية الأول (وَضوء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ بفتح الواو: وهو الماء الذي يتوضأ به، وفي المعنى الأول: رآه قد أخذه، وفي الثاني: رآه وهو آخذ، وذلك بعد ما توضأ النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، (ورأيت الناس) أي: الصحابة (يبتدرون) أي: يتسارعون ويتسابقون إلى (ذلك)؛ باللام، وفي رواية غير الأصيلي وابن عساكر: (ذاك)؛ بغير لام (الوَضوء)؛ بفتح الواو، لأجل التبرك بآثاره الشريفة، (فمن أصاب) أي: أخذ (منه) أي: من الماء (شيئًا؛ تمسح به)؛ أي: بأن مسح وجهه ولحيته وصدره، (ومن لم يصب) أي: من لم يأخذ (منه شيئًا)؛ أي: لكثرة الناس والازدحام، أو لعدم وجود شيء منه؛ (أخذ من بلل يد صاحبه)؛ أي: رفيقه؛ حوزًا على الفضيلة العظيمة، وفي رواية: (من بَلال)؛ بفتح الموحدة وكسرها، والفتح أفصح، وفي رواية مسلم: (وقام الناس فجعلوا يأخذون يديه فيمسحون بها وجوههم، قال: فأخذت بيده فوضعتها على وجهي؛ فإذا هي أبرد من الثلج، وأطيب رائحة من المسك)، وفي رواية: (فأخرج فضل وضوء رسول الله صلى الله علي وسلم، فابتدره الناس، فنلت منه شيئًا) انتهى.

قلت: وهذه الرواية تدل على أنه أخذ شيئًا يسيرًا منه، ورواية الباب تدل على أنه لم يأخذ منه شيئًا، لكن لما كان في يده؛ كان هو أحرص على أخذه من غيره؛ فافهم.

(ثم رأيت بلالًا) بكسر الموحدة؛ أي: المؤذن (أخذ عَنَزَة)؛ بفتح العين المهملة، والنون، والزاي؛ وهي مثل نصف الرمح أو أكبر شيئًا، وفيها سنان؛ مثل سنان الرمح، والعكازة قريب منها، كذا في «عمدة القاري»، وفي رواية ذكرها القسطلاني: (عنزة له) انتهى.

قلت: يحتمل عود الضمير في (له) إلى النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، ويحتمل عوده إلى بلال، ويدل للأول قوله: (فركزها)؛ أي: أدخلها في الأرض بأمر النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأجل الصلاة.

(وخرج النبيُّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) أي: من قبته الحمراء (في حلة حمراء) : الجار والمجرور محله نصب على الحال، والحلة: ثوبان؛ إزار ورداء، وقيل: هي ثوبان من جنس واحد، سميا بذلك؛ لأنَّ كل واحد منهما يحل على الآخر، وقيل: أصل تسميتها بذلك إذا كان الثوبان جديدين كأحل طيتهما؛ فقيل لهما: حلة لهذا، ثم استمر عليها الاسم.

وقال ابن الأثير: الحلة: واحدة الحلل؛ وهي برود اليمن، ولا تسمى حلة إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد، وقال غيره: والجمع: حلل وحلال، وحلله الحلة: ألبسه عليها.

وفي رواية أبي داود: (وعليه حلة حمراء برود يمانية قطري)، فقوله: (برود) جمع برد، مرفوع؛ لأنَّه صفة الـ (حلة)، وقوله: (يمانية) صفة لـ (برود)؛ أي: منسوبة إلى اليمن، وقوله: (قِطْري)؛ بكسر القاف وسكون الطاء المهملة، والأصل: قَطَري؛ بفتح القاف والطاء؛ لأنَّه نسبة إلى قطر؛ بلد بين عمان وسيف البحر، ففي النسبة خففوها، وكسروا القاف، وسكنوا الطاء، ويقال: القطري: ضرب من البرود، وفيها حمرة، وقيل: ثياب حمر لها أعلام، فيها بعض الخشونة، وقيل: حلل جياد، وتحمل من قبل البحرين، وإنما لم يقل: قطرية مع أن التطابق بين الصفة والموصوف شرط؛ لأنَّه بكثرة


(١) زيد في الأصل: (ثم ألف)، وليس بصحيح.
(٢) في الأصل: (حنيف)، وهو تحريف.
(٣) في الأصل: (رشق)، ولعله تحريف.
(٤) في الأصل: (أدام)، وهو تحريف.

<<  <   >  >>