للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الطحاوي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه قضى في كلب صيد قتله رجل بأربعين درهمًا، وقضى في كلب ماشية بكبش)، وعنه عن عطاء: (لا بأس بثمن الكلب)، فهذا قول عطاء، وقد روي عن النبي الأعظم عليه السلام: «أنَّ ثمن الكلب من السحت»، وعنه عن ابن شهاب: (أنه إذا قتل الكلب المعلَّم؛ فإنه يقوم قيمته، فيغرِّمه الذي قتله)، فهذا قول الزهري، وقد روي عن أبي بكر بن عبد الرحمن: (أنَّ ثمن الكلب من السحت)، وعنه عن المغيرة، عن إبراهيم قال: (لا بأس بثمن كلب الصيد)، وروي عن مالك: إجازة بيع كلب الصيد والزرع والماشية، ولا خلاف عنه في أنَّه من قَتَل كلب صيد أو ماشية؛ فإنَّه يجب قيمته عليه، وعن عثمان بن عفَّان رضي الله عنه: (أنَّه أجاز الكلب الضَّاري في المهر، وجعل على قاتله عشرين من الإبل)، ذكره أبو عمر في «التمهيد»، كذا في «عمدة القاري»، وتمامه فيه؛ فليحفظ.

١٧٣ - وبه قال: (حدثنا إسحاق) : هو ابن منصور بن بهرام الكوسج الحافظ أبو يعقوب التميمي المروزي نزيل نيسابور، المتوفى سنة إحدى وخمسين ومئتين في جمادى الأولى، وليس هو إسحاق بن إبراهيم الحمصي، كما جزم به أبو نعيم في «المستخرج»، وزعم الكرماني: بأنه إسحاق ابن راهويه، وهو خطأ أيضًا؛ فليحفظ (قال: أخبرنا عبد الصمد)؛ أي: ابن عبد الوارث (قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار) : المدني العدوي، قال في «عمدة القاري» : (تكلموا فيه، لكنه صدوق مؤمن، ولم ينفرد بهذا الحديث، روى له أبو داود، والترمذي، والنسائي)، (قال: سمعت أبي) : عبد الله بن دينار التابعي مولى ابن عمر رضي الله عنهما، (عن أبي صالح)؛ أي: ذكوان الزيات، (عن أبي هريرة) : عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه، (عن النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم: أن رجلًا) قال في «عمدة القاري» : (وهذه من الوقائع التي وقعت في زمن بني إسرائيل، فلذلك قال: «أن رجلًا» ولم يسمِّ الرجل) انتهى (رأى) أي: أبصر (كلبًا) وجملة قوله: (يأكل الثَّرَى)؛ بفتح الثاء المثلثة والرَّاء، مقصور؛ وهو التراب الندي؛ أي: يلعق التراب، كما في «عمدة القاري» (من العطش)؛ أي: من أجله أو بسببه صفة (كلبًا)، ولا يجوز أن تكون حالًا كما زعمه الكرماني؛ لأنَّ شرطها أن يكون ذو الحال معرفة، وهنا نكرة، ولا يجوز أن تكون مفعولًا ثانيًا؛ لأنَّ الرؤية بمعنى الإبصار، كذا في «عمدة القاري»؛ فليحفظ.

(فأخذ الرجل) المذكور (خفَّه، فجعل) من أفعال المقاربة، وهي ما وضع لدنو الخبر رجاءًأو حصولًا أو أخذًا (١) فيه، والضمير فيه اسمه، وقوله: (يغرف)؛ بالغين المعجمة، جملة خبره؛ أي: طفق يغرف (له) أي: للكلب بالخف (حتى أرواه)؛ أي: جعله ريَّانًا، وفي رواية: (بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه الحر، فوجد بئرًا، فنزل فيها فشرب، ثم خرج؛ فإذا كلب يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان نزل بي، فنزل البئر، فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه، ثم رقى فسقى الكلب)، وفي أخرى: (بينما كلب يطيف بركبه كاد يقتله العطش؛ إذ رأته بغي، فنزعت (٢) موقها فسقته، فغفر لها)، (فشكر الله له)؛ أي: أثنى عليه، أو جازاه، يقال: شكرته وشكرت له، واللام أفصح، (فأدخله الجنة) من عطف الخاص على العام، والفاء تفسيرية؛ نحو: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: ٥٤] على ما فُسِّر من أن القتل كان نفس توبتهم، وفي رواية أخرى: فشكر الله له، فغفر له، قالوا: يا رسول الله؛ إن لنا في البهائم أجرًا؟ فقال: «إن في كلِّ كبد رطبة أجرًا».

ففي الحديث: الإحسان إلى كل الحيوان بسقيه ونحوه، وهذا في الحيوان المحترم، وهو ما لا يؤمر بقتله، ولا يناقض هذا ما أمرنا بقتله، أو أبيح قتله، فإن ذلك إنَّما شرع لمصلحة راجحة، ومع ذلك فقد أمرنا بإحسان القتلة، وفيه حرمة الإساءة إليه، وإثم فاعله، فإنه ضد الإحسان المؤجر عليه، وقد دخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت.

واستدل مالك بالحديث على طهارة سؤر الكلب؛ لأنَّ الرجل ملأ خفه وسقاه به، ولا شكَّ أن سؤره بقي فيه.

وأجيب: بأنه ليس فيه أن الكلب شرب الماء من الخف؛ لأنَّه قد يجوز أنَّه غرفه به، ثم صبه في مكان غيره، أو يمكن أنَّه يكون غسل خفَّه إن كان سقاه فيه، وعلى تقدير أن يكون سقيه فيه؛ لا يلزمنا هذا؛ لأنَّ هذا كان في شريعة غيرنا على ما رواه الناس عن أبي هريرة، وهو منسوخ في شرعنا.

وفيه وجوب نفقة البهائم المملوكة على مالكها بالإجماع، والله تعالى أعلم.

[حديث: كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد في زمان رسول الله]

١٧٤ - (قال) أي: المؤلف: (وقال أحمد بن شَبِيب)؛ بفتح المعجمة، وكسر الموحدة: ابن سعيد التميمي البصري المكي، المتوفى بعد المئتين (حدثنا أبي)؛ أي: شبيب المذكور، (عن يونس)؛ أي: ابن يزيد الأيلي، (عن ابن شهاب) : محمد بن مسلم الزهري: أنه (قال: حدثني) بالإفراد (حمزة)؛ بالحاء المهملة، والزاي (بن عبد الله)؛ أي: ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أبو عمارة القرشي العدوي المدني التابعي، (عن أبيه) : عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنَّه (قال: كانت الكلاب تقبل) : جملة محلها النصب على الخبرية إن جعلت (كانت) ناقصة، وإن جعلت تامة؛ بمعنى: وجدت؛ كان محل الجملة النصب على الحال، (وتدبر في المسجد) حال أيضًا؛ والتقدير: حال كون الإقبال والإدبار في المسجد، والألف واللام فيه للعهد؛ أي: في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية زيادة: (تبول) قبل (تقبل وتدبر)، وعند أبي داود: قال ابن عمر: كنت أبيت في المسجد على عهد رسول الله عليه السلام وكنت فتًى شابًا عزبًّا، وكانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد (في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكونوا) وفي رواية: (فلم يكن) (يرشُّون) وفي رواية: (فلم يرشون)؛ بإسقاط (يكونوا) و (يكن) (شيئًا من ذلك) بالماء؛ أي: من المسجد، وهو إشارة إلى البعيد في المرتبة؛ أي: ذلك المسجد العظيم البعيد درجته عن فهم الناس، وهذا الترتيب يشعر باستمرار الإقبال والإدبار، ولفظ: (في زمن رسول الله عليه السلام) دالٌّ على عموم الأزمنة، أو اسم للجنس المضاف من الألفاظ العامة، وفي (فلم يكونوا يرشون) مبالغة ليس في قولك: فلم يرشوا؛ بدون لفظ الكون كما في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} [الأنفال: ٣٣] حيث لم يقل: وما يعذبهم الله، وكذا في لفظ الرش حيث اختاره على الغسل؛ لأنَّ الرش ليس فيه جريان الماء بخلاف الغسل (٣)، فإنه يُشتَرط فيه الجريان، فنفي الرش يكون أبلغ في نفي الغسل، ولفظ (شيئًا) أيضًا عام؛ لأنَّه نكرة وقعت في سياق النفي، وهذا كلُّه للمبالغة في طهارة سؤره؛ لأنَّه في مثل هذه الصورة الغالب أنَّ لعابه يصل إلى بعض أجزاء المسجد، فإذا قرَّر النبي الأعظم عليه السلام ذلك ولم يأمر بغسله قطُّ؛ عُلِم أنَّه طاهر، وهو مذهب مالك، ورد: بأنَّه لا دلالة على ذلك المذكور؛ لأنَّ طهارة المسجد متيقنة غير مشكوك فيها، واليقين لا يزول بالظنِّ فضلًا عن الشكِّ، وعلى تقدير دلالته، فدلالته لا تعارض منطوق الحديث الناطق صريحًا بإيجاب غسله؛ حيث قال: (فليغسله سبعًا)، وعلى رواية من روى: (كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر)، فلا دلالة فيه لمن استدل به على طهارة الكلاب؛ للإجماع على نجاسة بولها، وتقدير هذا: أن إقبالها وإدبارها في المسجد، ثم لا يرش، فالذي في روايته: (تبول) يذهب إلى طهارة بولها، وكان المسجد لم يكن يغلق وكانت تردد، وعَساها كانت تبول إلَّا أنَّ عِلْم بولها فيه لم يكن عند النبي الأعظم عليه السلام، ولا عند أصحابه، ولا عند الراوي عِلْم أي موضع هو؟ ولو كان عَلِم؛ لأمر بما أمر في بول الأعرابي، فدل


(١) في الأصل: (أخذ)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (فرعت)، ولعله تحريف عن المثبت.
(٣) زيد في الأصل: (في سياق)، ولعله سبق قلم.

<<  <   >  >>