للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذكر عدم الحائل لا صريحًا ولا دلالة على أن الغالب أنه عليه السَّلام كان ساترًا فخذه، وكذلك زيد بن ثابت كان ساترًا الفخذ، وهو بالأولى أدبًا مع النبيِّ الأعظم صلى الله عيه وسلم، واستحياءً منه، وهذا هو الظاهر، فإن المؤلف لم يعلم ما مراده بإيراد هذا الحديث، وقد يقال: إن الحديث يدل على أن الفخذ ليس بعورة؛ لأنَّه لا يخلو من كشف عورته غالبًا؛ بسبب الانتقال من جانب إلى آخر، وتصريح زيد بالفخذ يدل على أن فخذه عليه السَّلام قد كشف، لكن يبقى النظر في أنه عليه السَّلام هل أقر على الكشف أم نهى وستر عليه؟ وقد يقال: إن الحديث يدل على أن الفخذ عورة؛ لأنَّ الفخذ على الفخذ لا يكون إلا مستورًا بينهما بساتر، ووجود الساتر على الفخذ يدل عليه القرائن من الأحوال، فإنه عليه السَّلام من عادته ألَّا يكشف عورته ولا فخذه، فإن القرينة الحالية والمقالية يدلان على أن قوله: (فخذه على فخذي)؛ أي: مع وجود الساتر بينهما لا مكشوف، كما ظهر لنا؛ فتأمل، والله أعلم.

[حديث أنس: أن رسول الله غزا خيبر فصلينا عندها]

٣٧١ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) : هو ابن كثير الدورقي العبدي الكوفي، فإن أصل الدورقي من الكوفة، وليس هو من بلد دورق، وإنما سمي به؛ لأنَّه كان يلبس قلنسوة دورقية، فنسب إليها (قال: حدثنا إسماعيل ابن عُلَيَّة)؛ بضم العين المهملة، وفتح اللام، وتشديد المثناة التحتية، نسبه إلى أمه؛ لشهرته بها، فإن اسم أبيه إبراهيم بن سهم بن مقسم البصري، أبو بشر الأسدي؛ أسد خزيمة، الكوفي الأصل، المتوفى ببغداد سنة ثلاث وتسعين ومئة (قال: حدثنا عبد العزيز بن صُهَيْب)؛ بضم الصاد المهملة، وفتح الهاء، وسكون التحتية، آخره موحدة: هو البُناني؛ بضم الموحدة، وبالنون نسبة إلى بنانة؛ بطن من قريش، التابعي هو وأبوه البصري الأعمى، (عن أنس) زاد الأصيلي: (ابن مالك) : هو الأنصاري: (أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم غزا خيبر)؛ يعني: غزا بلدة تسمى خيبر؛ فسميت به، والمراد أهلها من إطلاق المحل وإرادة الحال فيه؛ وهي بلدة عنزة من جهة الشمال أو الشرق من المدينة، على ست مراحل من المدينة، و (خيبر) : غير منصرف؛ للعلمية والتأنيث، ولها نخيل كثير، وكانت في صدر الإسلام دارًا لبني قريظة وبني النضير، وكانت غزوة خيبر سنة سبع من الهجرة في جمادى الأولى، قاله ابن سعد، وقال ابن إسحاق: (أقام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعد رجوعه من الحديبية ذا الحجة وبعض المحرم، وخرج في بقيته غازيًا إلى خيبر، ولم يبق من السنة السادسة إلا شهر وأيام)، كذا في «عمدة القاري».

(فصلينا عندها) أي: بفنائها خارجًا عنها (صلاة الغداة) : وهي الصبح (بغَلَس)؛ بفتح الغين المعجمة واللام: وهو ظلمة آخر الليل، إنَّما فعل هكذا مع أن الإسفار في صلاة الصبح أفضل وأعظم للأجر، إما للتوسعة على أمته، وإما لكونه داخلًا على الأعداء الكفرة لقتالهم، فخشي إن أسفر أن يرَوه فيتأهبوا للقتال فيفوت المقصود، فأسرع بالصلاة في الغلس حتى يتفرغ هو وأصحابه للقتال مع المحافظة للطهارة وأداء الصلاة؛ لأنَّه ربما يشتغل بالقتال فتفوت الصلاة عن وقتها كما وقع له عليه السَّلام في حفر الخندق، فلا دليل فيه على أن الأفضل التغليس، بل الأفضل الإسفار للأحاديث الصحاح الدالة على أن عادته عليه السَّلام الإسفار بالفجر، بل فيها بلفظ الأمر وهو «أسفروا بالفجر؛ فإنه أعظم للأجر»، والأمر للوجوب، ولما وجد الصارف عن الوجوب؛ بقي الاستحباب وهو الصواب، وفيه جواز إطلاق صلاة الغداة على صلاة الصبح خلافًا لمن زعم من الشافعية أنه مكروه؛ فليحفظ.

(فركب نبي الله صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ أي: ركب مركوبه، وعن أنس بن مالك قال: (كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم قريظة والنضير على حمار، ويوم خيبر على حمار مخطوم برسن ليف، وتحته إكاف من ليف)، رواه البيهقي والترمذي، وقال: وهو ضعيف.

وقال ابن كثير: والذي ثبت في «الصحيح» عند البخاري عن أنس: (أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أجرى في زقاق خيبر حتى انحسر الإزار عن فخذه)، فالظاهر أنه كان يومئذٍ على فرس لا على حمار، ولعل هذا الحديث إن كان صحيحًا؛ فهو محمول على أنه ركبه في بعض الأيام وهو محاصرها، كذا في «عمدة القاري».

قلت: ويدل على أنه عليه السَّلام ركب يوم خيبر فرسًا قوله: (وركب أبو طلحة) : هو زيد بن سهل الأنصاري، شهد العقبة والمشاهد كلها، وهو أحد النقباء، وكان أنس ربيبه، مات سنة اثنتين (١) أو أربع وثلاثين بالمدينة أو بالشام أو في البحر، والظاهر أنه ركب على فرس يدل عليه.

قوله: (وأنا رديف أبي طلحة)؛ أي: قال أنس: وأنا رديف أبي طلحة، والجملة اسمية وقعت حالًا، فإن الذي يردف عليه في الغالب الفرس لا الحمار؛ لأنَّه لا قوة له على حمل اثنين، بخلاف الفرس؛ فإنه يحمل اثنين أو ثلاثًا، لا سيما والوقت وقت غزاة فلا يركب في الغزاة إلا الفرس، فهذا يدل على أنه عليه السَّلام وكذا أبو طلحة كانا راكبين في غزوة خيبر كل منهما على فرس، وما رواه البيهقي إن صح؛ فهو محمول على أنه ركبه في بعض الأيام وهو محاصرها، كما سبق قريبًا؛ فليحفظ.

(فأجرى) : على وزن (أفعل) من الإجراء وفاعله (نبيُّ الله صلَّى الله عليه وسلَّم) والمفعول محذوف؛ تقديره: أجرى مركوبه (في زُقاق خيبر)؛ بضم الزاي، وبالقافين: وهي السكة، يذكر ويؤنث، والجمع: أزقة وزُقَّان؛ بضم الزاي، وتشديد القاف، وبالنون.

وقال الأخفش: أهل الحجاز يؤنثون الطريق، والصراط، والسبيل، والسوق، والزقاق، وبنو تميم يذكرون هذا كله، والجمع: الزقان والأزقة؛ مثل: حُوَار، وحوران، وأحورة، كذا في «عمدة القاري».

(وإن ركبتي) بالإفراد؛ أي: قال أنس: وإن ركبتي (لتمس) بفتح اللام (فخذ نبي الله صلَّى الله عليه وسلَّم) : حيث كان كل من النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم ومن أبي طلحة راكبًا (٢) على فرس؛ لأنَّه لو كان النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم راكبًا على حمار؛ لما مس فخذه ركبة أنس؛ للفرق بين العلو والسفل، لا يقال: إنَّهما كانا على حمار؛ لأنَّا نقول: هذا ممنوع؛ لقوله: (وأنا رديف أبي طلحة)، والإرداف لا يكون إلا على الفرس، ولا تخالف في تعبيره بالركبة والفخذ؛ لأنَّ مراده المشاكلة والأدب؛ حيث إن الفخذ أعلى من الركبة، فقصد الأدب في التشريف بفخذه عليه السَّلام على أن مس


(١) في الأصل: (اثنين)، والمثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (راكب)، والمثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>