للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

كل واحد من أصحابه، ويفعل معه ما هو الغالب عليه من أخلاقه مما هو مشهور فيه، ولما كان الحياء الغالب على عثمان؛ استحى منه، وذكر أن الملائكة تستحي منه، فكانت المجازاة من جنس فعله، كذا في «عمدة القاري».

وقال الكرماني: فإن قلت: الركبة لا تخلو إما أن تكون عورة أو لا، فإن كانت عورة؛ فلِمَ كشفها قبل دخول عثمان، وإن لم تكن عورة؛ فلِمَ غطاها عنه؟

قلت: الشق الثاني هو المختار، وأما التغطية؛ فكانت للأدب والاستحياء منه، انتهى.

يعني: فكَشْف ركبتيه عليه السَّلام قبل دخول عثمان رضي الله عنه دليل على أنها ليست بعورة، مع أن ستر العورة خارج الصلاة بحضرة الناس واجب إجماعًا إلا في مواضع؛ كالتغوط، والاستنجاء، وحلق العانة، والجماع، واختلف فيه في الخلوة، والصحيح وجوبه إذا لم يكن لغرض صحيح، كما في «البحر».

وقال صاحب «القنية» : وفي تجرده للاغتسال منفردًا أقوال؛ أحدها: أنه مكروه، الثاني: إذا أمن دخول الناس عليه؛ يعذر، الثالث: أنه يجوز في المدة اليسيرة، وهو قول الإمام الكرابيسي، الرابع: أنه لا بأس به، الخامس: أنه لا يكره أن يغتسل متجردًا في الماء الجاري أو في غيره في الخلوة، وهو قول الإمام أبي نصر بن سلام، السادس: أنه يجوز في بيت الحمام الصغير، وتمامه في «شرح الوهبانية».

قلت: ولا يشترط سترها عن نفسه، وقيل: يشترط، قال في «مجمع الأنهر» : والشرط سترها عن غيره اتفاقًا لا عن نفسه، هو المختار، كما في «المنية»، وبه يفتى كما في «الدر المختار»، ويكره نظره إلى عورة نفسه؛ لأنَّه يورث النسيان، ومن شمائل سيدنا الصديق الأكبر رضي الله عنه: أنه ما نظر إلى عورته قط، وما مسها بيمينه، فإذا كان هذا في عورة نفسه، فما ظنك بعورة غيره؟ كذا نقله القرماني عن حافظ الدين النسفي رحمه الله تعالى.

ولو نظر المصلي إلى عورة غيره؛ لا تفسد صلاته، ولو نظر المصلي إلى فرج امرأة بشهوة؛ حرمت عليه أمها وابنتها، ولو نظر إلى فرج أم امرأته بشهوة؛ حرمت عليه امرأته، ولو نظر إلى فرج امرأته التي طلقها رجعيًّا؛ يصير مراجعًا، ولا تفسد صلاته في الوجوه كلها عند الإمام الأعظم، كما في «الخانية»، وقال الصاحبان: تفسد صلاته كما في «النوازل»، وقال إمام الشَّارحين: (وجه مطابقة هذا للترجمة من حيث إن الركبة إذا كانت عورة؛ فالفخذ بالطريق الأولى؛ لأنَّه أقرب إلى الفرج الذي هو عورة إجماعًا).

وزعم الداودي أن هذه الرواية المعلقة عن أبي موسى وَهم، وإنما هي ليست من هذا الحديث، وقد أدخل بعض الرواة حديثًا في حديث: إنَّما أتى أبو بكر إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو في بيته منكشف فخذه، فلما استأذن عثمان؛ غطى فخذه، فقيل له في ذلك، فقال: «إن عثمان رجل حيي، فإن وجدني على تلك الحالة؛ لم تبلغ حاجته»، ورده إمام الشَّارحين فقال: (قلت: الذي ذكرناه من رواية عاصم يرد عليه بيان ذلك أنا قد ذكرنا أن في حديث عائشة رضي الله عنها: «كاشفًا عن فخذيه أو ساقيه»، وعند أحمد بلفظ: «كاشفًا عن فخذه» من غير شك، وعنده من حديث حفصة مثله، فقد ظهر من ذلك أن البخاري لم يدخل حديثًا في حديث، بل هما قضيتان متغايرتان في إحداهما (١) كشف الركبة، وفي الأخرى كشف الفخذ، ورواية أبي موسى التي علقها البخاري في كشف الركبة، ورواية عائشة في كشف الفخذ، ووافقتهما حفصة، ولم يذكر البخاري روايتهما، وإنما ذكر مسلم رواية عائشة، كما ذكرنا) انتهى.

(وقال زيد بن ثابت) : هو الأنصاري النجاري كاتب وحي النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، وجامع القرآن العظيم في عهد أبي بكر الصديق الأكبر رضي الله عنه، وأمره عليه السَّلام بتعلم كتب اليهود والسريانية، فتعلم كتب اليهود في نصف شهر، والسريانية في سبعة عشر يومًا، وكان من علماء الصحابة رضي الله عنهم، وقال النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم في حقه: «أفرضكم زيد»، رواه أحمد بإسناد صحيح، وتوفي سنة اثنتين أو ثلاث أو خمس وأربعين، ودفن غربي دمشق بباب السريجة بمسجد معلوم على ما قيل، وهو مشهور بذلك في ديارنا الشريفة الشامية.

وقال أبو هريرة حين توفي زيد: مات حبر هذه الأمة، وعسى الله أن يجعل في ابن عباس منه خلفًا رضي الله عنهم أجمعين، وفي «عمدة القاري» : وهذا تعليق، وطرف من حديث وصله البخاري في (تفسير سورة النساء) في نزول قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ...}؛ الآية، [النساء: ٩٥] وأخرجه في (الجهاد)، وأخرجه الترمذي في (التفسير)، وقال: (حسن صحيح)، وأخرجه النسائي في (الجهاد)، انتهى.

(أنزل الله) عز وجل (على رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ أي: قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ...}؛ الآية (وفخذه على فخذي) : جملة اسمية حالية بالواو، ولأبي ذر: بدونها، (فثَقُلت)؛ بفتح الثاء المثلثة، وضم القاف؛ أي فخذه عليه السَّلام (عليَّ)؛ بفتح التحتية؛ أي: من ثقل الوحي النازل على رسوله عليه السَّلام، (حتى خفِت)؛ بكسر الخاء المعجمة؛ أي: ظننت (أن تُرَض)؛ بضم المثناة الفوقية، وفتح الراء، وتشديد الضاد المعجمة على صيغة المجهول، ويجوز أن يكون على صيغة المعلوم أيضًا، كذا قاله إمام الشَّارحين.

قلت: والأول أظهر، كما لا يخفى؛ ومعناه: الكسر؛ لأنَّه من الرض؛ وهو الدق، وكل شيء كسرته؛ فقد رضضته، وقوله: (فخذي)؛ بالرفع بضمة مقدرة على صيغة المجهول، أو بالنصب بفتحة مقدرة على صيغة المعلوم، لكن الأول أظهر؛ لصحة المعنى والسياق؛ فافهم.

قال إمام الشَّارحين: (وإيراد البخاري هذا الحديث هنا ليس له وجه؛ لأنَّه لا يدل على أن الفخذ عورة، ولا يدل على أنه ليس بعورة أيضًا، فأي شيء مال إليه لا يدل عليه على أنه مال إلى أن الفخذ عورة)، قال: (وحديث جرهد أحوط، نعم؛ لو كان فيه التصريح بعدم الحائل؛ لدل على أنه ليس بعورة، إذ لو كان عورة في هذه الحالة؛ لما مكن عليه السَّلام فخذه على فخذ زيد) انتهى.

وزعم ابن حجر أن الظاهر أن المؤلف تمسك بالأصل، ورده في «عمدة القاري» فقال: (لم يبين ما مراده من الأصل، وعلى كل حال لا يدل الحديث على مراده صريحًا) انتهى.

قلت: ومراده بالأصل إنَّما هو المس؛ يعني: يحمل الحديث على المس بدون حائل؛ لأنَّه الأصل، وهو يفيد أن الفخذ ليس بعورة؛ لأنَّ مس العورة بدون حائل حرام؛ كالنظر إليها، ورد بأنه لو كان فيه تصريح بعدم الحائل؛ لدل على أنه ليس بعورة، ولم يكن في الحديث


(١) في الأصل: (إحديهما)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>