للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

في محل نصب خبر (كان)، وهي أولى؛ لأنَّها تفيد تكرار الفعل، وأنَّه عادة له هنا بخلاف الأولى: (اللهم)؛ أي: يا الله، وهذا إذا كان المكان معدًّا لذلك كالكنيف، فإن كان في الصحراء أو غيره مما لم يكن معدًّا لذلك؛ فيقول وقت الجلوس قبل كشف العورة: (إني أعوذ) جملة محلها الرفع خبر (إن)؛ أي: ألوذ وألتجئ (بك من الخُبُث)؛ بضم الخاء المعجمة والباء الموحدة، وقد تسكَّن؛ وهي رواية، وقال الخطابي: تسكين الباء غلط، والصواب الضم، وأنكره في «عمدة القاري» بأنَّ أبا عبيد حكى تسكين الباء وكذا الفارسي والفارابي، جمع خبيث، مثل عَتِيق وعُتُق، (والخبائث) جمع الخبيثة (١)؛ أي: ذكران الشياطين وإناثهم؛ لأنَّهم يحضرون الأخلية، وهي مواضع يهجر فيها ذكر الله، فقدم لها الاستعاذة احترازًا منهم، وقد قال النبي الأعظم عليه السلام: «إن هذه الحشوش محتضرة-أي: للجان والشياطين- فإذا دخل أحدكم الخلاء؛ فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث»، أخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، فكان عليه السلام يستعيذ؛ إظهارًا للعبودية وتعليم الأمَّة، وإلا فهو عليه السلام محفوظ من الجن والإنس، وقد ربط عفريتًا على سارية من سواري المسجد، واستُدِل بهذا على أنَّ إبليس نجس العين، ورُدَّ بأنَّ في «شرح السنة» : أنه عليه السلام أمسك إبليس في الصلاة ولم يقطعها؛ فهو يدل على أنَّه طاهر العين، لكنه نجس الفعل من حيث الطبع.

ويستحب أن يقول: (بسم الله) مع التعوذ؛ لما رواه المعمري عن عبد العزيز بن صهيب بلفظ: «إذا دخلتم الخلاء؛ فقولوا: بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث»، وإسناده على شرط مسلم، وفي «كتاب ابن عدي» بسند فيه ضعف: كان عليه السلام إذا دخل الكنيف؛ قال: «بسم الله» ثم يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث»، ففيه زيادة التسمية وتقديمها على (٢) التعوذ، فالسنة هنا تقديم التسمية على التعوذ، عكس المعهود في التلاوة على الصحيح، وقيل: بالاكتفاء بأحدهما تحصل السنة والجمع أفضل.

والشياطين على نوعين: جني وإنسي؛ قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ} [الأنعام: ١١٢]، وشيطان الإنس أعظم من شيطان الجن؛ لأنَّه من التعوذ يفر ويهرب، أمَّا شيطان الإنس؛ فلو قرأت عليه التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان؛ لم يفر ولم يتحرك من مكانه؛ بل لو رآه شيطان الجن؛ لفر وهرب منه؛ لأنَّه لا يخلو من أذاه، لأنَّه ربما تحيَّل عليه وركبه كما تركب الدابة في زماننا.

ولو أتى بالبسملة كلها؛ فحسن، كما في «السراج»، لكن الأحسن: بسم الله، كما في «النتف» موافقة للحديث.

وأفاد الحديث أن يقول: (أعوذ)، وفي رواية وهيب: (فليتعوذ)، وهو شامل لألفاظ الاستعاذة، قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: ٩٨]، فالأولى أن يقول ذلك موافقة للقرآن، وقد يفرق بأن ذلك مخصوص بقراءة القرآن، وذاك مخصوص بدخول الخلاء.

(تابعه) وفي رواية: (قال أبو عبد الله: تابعه)؛ أي: تابع آدمَ بن أبي إياس (ابنُ عَرعَرة)؛ بتكرار العين المفتوحة والرَّاء المهملات، واسمه محمد؛ أي: في رواية الحديث (عن شعبة) كما رواه المؤلف في (الدعوات) موصولًا، والحاصل: أن ابن عرعرة روى هذا الحديث عن شعبة كما رواه آدم عن شعبة، وهذه هي المتابعة التامة وفائدتها التقوية.

(وقال غُنْدَر)؛ بضم الغين المعجمة، وسكون النُّون، وفتح الدَّال المهملة على المشهور وبالرَّاء، ومعناه: المشغب، وهو لقب محمد بن جعفر البصري ربيب شعبة، (عن شعبة) كما وصله البزار في «مسنده» بلفظ: (إذا أتى الخلاء) فهو تعليق لا متابعة، ورواه أحمد بن خليل عن غندر بلفظ: (إذا دخل) فيكون متابعة.

(وقال موسى)؛ أي: ابن إسماعيل التبوذكي مما وصله البيهقي، (عن حماد) هو ابن سلمة بن دينار الربعي، وكان يعد من الأبدال، وعلامة الأبدال ألَّا يولد له، تزوج سبعين امرأة، فلم يولد له، المتوفى سنة سبع وستين ومئة، بلفظ: (إذا دخل)؛ أي: الخلاء، وهذه المتابعة ناقصة لا تامة.

(وقال سعيد بن زيد)؛ أي: ابن درهم الجهضمي، أبو الحسن الأزدي البصري أخو حماد بن زيد بن درهم، مما وصله المؤلف في «الأدب المفرد» بلفظ: (حدثنا عبد العزيز)؛ أي: ابن صهيب... إلى أنس قال: كان النبي الأعظم عليه السلام (إذا أراد أن يدخل)؛ أي: الخلاء... ؛ الحديث، زاد في رواية: (قال أبو عبد الله -يعني المؤلف-: ويقال: الخبْث) يعني: بسكون الموحدة.

وقد تكلم بعضهم في سعيد بن زيد بضعفه، وروى له المؤلف هنا فقط هذا التعليق استشهادًا، مات سنة وفاة ابن سلمة، وهذه الألفاظ معناها متقارب يرجع إلى معنى واحد؛ وهو أنَّ التقدير: كان يقول هذا الذكر عند إرادة الدخول في الخلاء لا بعده، وجاء بلفظ (الغائط) موضع (الخلاء) عند الإسماعيلي في «معجمه»، وجاء لفظ (الكنيف)، ولفظ (المرفق)، فالأول في حديث علي بسند صحيح مرفوعًا: «ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول: بسم الله»، والثاني في حديث أبي أمامة عند ابن ماجه مرفوعًا: «لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول: اللَّهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم» وسنده ضعيف.

ولم يذكر المؤلف ما يقول إذا خرج من الخلاء، وقد جاء فيه، لكن ليس على شرط المؤلف، فروي عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الغائط؛ قال: «غفرانك» أخرجه ابن حبان، وابن خزيمة، والحاكم، قال أبو حاتم الرازي: هذا أصح شيء في الباب.

وروى ابن ماجه من حديث أنس قال: كان النبي الأعظم عليه السلام إذا خرج من الخلاء قال: «الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني»، وروى النسائي من حديث أبي ذر مثله، وروى الدارقطني من حديث ابن عباس مرفوعًا: «الحمد لله الذي أخرج عني ما يؤذيني، وأمسك عليَّ ما ينفعني»، وروى الدارقطني أيضًا من حديث ابن عمر مرفوعًا: «الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى عليَّ قوته، وأذهب عني أذاه».

والحكمة في قول: (غفرانك) أنَّه إنَّما يستغفر من ترْكه ذكر الله تعالى مدة لبثه في الخلاء، ويقرب منه ما قيل: إنَّه لشكر النعمة التي أنعم عليه بها؛ إذ أطعمه وهضمه، فحق على من خرج سالمًا مما استعاذه منه أن يؤدي شكر النعمة في إعاذته وإجابة سؤاله وأن يستغفر الله؛ خوفًا ألَّا يؤدي شكر تلك النعمة، كذا في «عمدة القاري».

(١٠) [باب وضع الماء عند الخلاء]

هذا (باب وضع الماء عند الخلاء)؛ ليستعمله المتوضئ بعد خروجه منه.

[حديث: أن النبي دخل الخلاء فوضعت له وضوءًا]

١٤٣ - وبه قال: (حدثنا عبد الله بن محمد) الجعفي المسنَدي؛ بفتح النُّون (قال: حدثنا هاشم بن القاسم) أبو النضر؛ بالنُّون والضَّاد المعجمة، التميمي الليثي الكناني الخراساني، نزيل بغداد، الملقب بقيصر، المتوفى بها سنة سبع ومئتين عن ثلاث وسبعين سنة (قال: حدثنا ورْقاء)؛ بسكون الرَّاء مع المد: مؤنث الأورق، ابن عمر اليشكري الكوفي، أبو بشر، المتوفى سنة تسع وستين ومئة، (عن عبيد الله) بالتصغير (بن أبي يزيد) من الزيادة، المكي، قارظ؛ بالقاف، والرَّاء، والظاء المعجمة، حلفاء بني زهرة، المتوفى سنة ست وعشرين ومئة، ووقع في رواية الكشميهني: (عبيد الله بن أبي زائدة)، قال في «عمدة القاري» : وهو غلط، والصحيح: ابن أبي يزيد، ولا يعرف اسمه، انتهى؛ فليحفظ.

(عن) عبد الله (ابن عباس) رضي الله عنهما: (أن النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم دخل الخلاء)؛ بالخاء المعجمة والمد، بيت التغوط، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل رفع خبر (أن)، (فوضعتُ) بضم التاء (له وَضوءًا)؛ بفتح الواو، وهو الماء الذي يتوضأ به، وبالضم المصدر، وهو بالنصب على المفعولية، والجملة معطوفة على الجملة السابقة، وما قيل: إنَّه ناوله إياه ليستنجي به؛ فممنوع؛ لأنَّ فيه


(١) في الأصل: (الخبيث)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (وتأخيرها عن)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>