للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكنا كندمان جذيمة حقبة... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا

فلما تفرقنا كأني ومالكًا... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

وقالت: أما والله لو حضرتك؛ لدفنتك حيث مت.

وزعم العجلوني أن عبد الرحمن هذا ليس هو المدفون بمرج الدحداح- مقبرة من مقابر دمشق الشام- بل ذاك من نسله على ما قيل، انتهى.

قلت: وقد اشتهر هذا المكان بقبر عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، وعليه قبة عظيمة ومكان مبارك يقصد بالزيارة، ويستجاب فيه الدعاء.

(كان أصحاب الصُفَّة)؛ بضمِّ الصاد المهملة، وتشديد الفاء: موضع مظلل من المسجد، تأوي إليه المساكين، ولهذا قال: (الفقراء)؛ بالتعريف لغير الأربعة ولهم (فقراء)؛ بالتنكير، وعليه؛ فهو خبر (كان) لا غير، بخلافه على التعريف؛ فهو إما اسم (كان) مؤخرًا، و (أصحاب) خبرها مقدم؛ لأنَّهما معرفتان أو بالعكس وهو أولى.

قال إمام الشَّارحين: (وهذا التعليق أول حديث طويل يأتي ذكره في باب: «السَمَر مع الأهل»، وأوله: حدثنا أبو النُّعمان قال: حدثنا معتمر قال: حدثنا أبو (١) سليمان قال: حدثنا أبو عثمان عن عبد الرحمن بن أبي بكر: أن أصحاب الصفة كانوا ناسًا فقراء وأن النبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «من كان عنده طعام اثنين؛ فليذهب بثالث...»؛ الحديث) انتهى.

قلت: ووجه مطابقته للترجمة من حيث إنَّ قوله: (أصحاب الصفة)؛ مشعر بنومهم في المسجد؛ لأنَّها من المسجد؛ ففيه جواز النوم في المسجد للفقراء الغرباء الذين ليس لهم مسكن ولا مأوًى، وهو مذهب الإمام الأعظم وأصحابه، وبه قال سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار، كما رواه عنهما ابن أبي شيبة، وسيأتي تمامه، إن شاء الله تعالى.

[حديث ابن عمر: أنه كان ينام وهو شاب أعزب لا أهل له في مسجد]

٤٤٠ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا مسدد) : هو ابن مسرهد البصري (قال: حدثنا يحيى) : هو ابن سعيد القطان، (عن عُبيد الله)؛ بضمِّ العين المهملة؛ مصغرًا: هو ابن عمر العمري (قال: حدثني) بالإفراد (نافع) : هو مولى ابن عمر المدني (قال أخبرني) بالإفراد أيضًا (عبد الله بن عمر) : هو ابن الخطاب القرشي العدوي، وسقط (ابن عمر) لغير أبي ذر: (أنه كان ينام وهو شاب) جملة اسمية حالية (أعزب) نعت لشاب، أو خبر بعد خبر، و (أعزب) : بالهمزة رواية الأكثرين وهي لغة قليلة، بل أنكرها القزاز حيث قال في «الجامع» : (العزب: الذي لا امرأة له، وكذلك المرأة التي لا زوج لها، كل واحد منهما عزب، وعزبة، وقد عزب الرجل يعزب عزوبة فهو عزب، ولا يقال: أعزب).

وردَّ أبو إسحاق الزجَّاج على ثعلب في «الفصيح» في قوله: (امرأة عزبة) فقال: (هذا خطأ، وإنَّما يقال: رجل عزب وامرأة عزب، ولا يثنى، ولا يجمع، ولا يؤنث؛ لأنَّه مصدر، قال الشاعر:

يا من يدل عزبًا على عزب... على فتاة مثل نبراس الذهب)

والنِبْراس؛ بكسر النون وسكون الموحدة: المصباح.

والمشهور: عَزَب؛ بفتحتين، كذا ضبطه الدمياطي، وقال صاحب «المنتهى» : (العزب؛ بالتحريك نعت للذكر والأنثى، لكن قد ثبت في رواية أبي ذر: عزِب؛ بكسر الزاي وبدون الهمز).

قال البرماوي: (وهي اللغة الفصيحة).

وقال الكسائي: (العزبة التي لا زوج لها، والأول أشهر).

وقال ابن درستويه: (العامة تقول: عزبة؛ وهو يجوز في المصادر إذا غلبت على الصفة حتى جرت مجرى الأسماء، وليس بالمختار).

وفي «المحكم» : (رجل عزب ومعزابة: لا أهل له، وامرأة عزبة وعزب، والجمع «أعزاب»، وجمع العازب: «عزاب»، والعزب: اسم للجمع، وكذلك العزيب: اسم للجمع).

وقال في «القاموس» : (العزب؛ محركة: من لا أهل له؛ كالمعزابة والعزيب، ولا تقل: أعزب أو قليل، والجمع «أعزاب»، وهي عزبة وعزب، والاسم العزبة والعزوبة، والفعل كنصر، وتعزَّب: ترك النكاح).

وزعم العجلوني: أن في القسطلاني تبعًا «للمصابيح»، وفي رواية أبي زيد: (عزب)، قال: أقول: هو أبو زيد المروزي وهو محتمل؛ فإن القسطلاني ذكره في (الخطبة) انتهى.

قلت: وهو فاسد؛ لأنَّ العجلوني نقل عن هذه النسخة المصحَّفة، وإنما نسخ القسطلاني جميعها، (ولأبي ذر...) إلخ. وإذا كان صاحب «المصابيح» روى عن أبي زيد؛ لا يلزم أن يكون هو الراوي ههنا؛ فإنَّا لم نعهد رواية عن أبي زيد المروزي ههنا، ولا يلزم من ذكر القسطلاني له في (الخطبة) أن يكون راويًا عن المؤلف ههنا، وليس في ذلك احتمال، كما لا يخفى؛ فافهم.

(لا أهل له)؛ أي: لا زوجة لابن عمر، وهو إن كان مفهومًا من قوله: (أعزب) إلا أنَّه قد ذكره؛ لأجل التأكيد، أو التأسيس، أو التعميم، فإنَّه من العام بعد الخاص؛ لأنَّ الأهل يشمل الأقارب والزوجة؛ فافهم.

(في مسجد النبيِّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) الجار والمجرور متعلق بقوله (ينام) وقد أخرج المؤلف هذا الحديث في أواخر (الصلاة) في باب (فضل قيام الليل مطولًا)، وفيه: (وكنت غلامًا شابًّا، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم...)؛ الحديث، وأخرجه مسلم وابن ماجه، ولفظ مسلم: (كنت أبيت في المسجد ولم يكن لي أهل)، ولفظ ابن ماجه: (كنا ننام في المسجد على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)، ففيه: جواز النوم في المسجد لمن هو أعزب غير غريب، وهو قول ابن عمر، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري، وعطاء، وابن سيرين، وهو أحد قولي الشافعي.

ومذهب الإمام الأعظم: أنَّ النوم في المسجد لغير الغريب مكروه؛ لأنَّ المساجد إنَّما بنيت للعبادة لا للنوم، وهو مذهب ابن عبَّاس، فإنَّه قال: (لا تتخذوا المسجد مرقدًا)، وروي عنه أنه قال: (إن كنت تنام فيه لصلاة؛ فلا بأس)،


(١) في الأصل: (أبي)، وليس بصحيح.

<<  <   >  >>