للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(فإذا سجد) أي: النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم في صلاته؛ (أصابني ثوبه)، وفي رواية المستملي والكشميهني: (ثيابه)؛ بالجمع، وفي رواية أبي ذر: (أصابتني ثيابه)؛ بتاء التأنيث في (أصابتني)، وإنما كان يصيبها؛ لقربها منه عليه السَّلام، وجملة (وأنا حائض) : حالية، ثابتة في رواية أبي ذر، ساقطة عند غيره.

و (حائض)؛ بدون تاء، قال الكرماني: (فإن قلت: قالوا: إذا أريد الحدوث؛ يقال: حائضة، وإذا أريد الثبوت وأن من شأنها الحيض؛ يقال: حائض، ولا شك أن المراد ههنا: كونها في حالة الحيض؟ قلت: معناه: أن «الحائضة» مختصة بما إذا كانت فيه، و «الحائض» أعم منه) انتهى.

وردَّه الشَّارح، فقال: (لا فرق بين الحائض والحائضة، يقال: حاضت المرأة تحيض حيضًا ومحيضًا؛ فهي حائض وحائضة، وأنشد الفراء:

كحائضة يزني بها غير حائض...

وفي اللُّغة: لم يفرق بينهما، غير أن الأصل فيه التأنيث، ولكن لخصوصية النساء به، وعدم الالتباس؛ ترك التَّاء) انتهى، فاعرفه.

وقوله: (زاد مُسدد)؛ بِضَمِّ الميم: هو ابن مسرهد البصري، (عن خالد) هو ابن عبد الله الطَّحان الواسطي (قال: حدثنا سليمان الشيباني) هو ابن إسحاق المدني: (وأنا حائض) مقدمة في بعض النُّسخ، مؤخرة على حديث أبي النعمان، وفي بعضها لفظ: (باب) قبل حديث أبي النعمان، ومطابقة الحديث للتَّرجمة ظاهرة كما قدمناه؛ فافهم.

وفي الحديث أحكام:

الأول: فيه جواز مخالطة الحائض، وقد كان بنو إسرائيل يخصون الحائض في النَّوم والأكل والشرب، ولا يخالطونها بشيء أصلًا، وقد نسخ هذا.

الثاني: فيه طهارة بدن الحائض وثيابها.

الثالث: فيه إذا أصاب ثوبُ المصلي المرأةَ الحائضةَ؛ لا تضر صلاته.

الرابع: فيه أن لمس المرأة غير ناقض للوضوء؛ لأنَّه عليه السَّلام قد أصاب ثوبه ميمونة، والغالب أن المصلي يرفع ثيابه إذا أصابت غيره فتصيب يده بدنها لا سيما وهي نائمة بجنبه.

الخامس: اخترعه بعض المتعصبين: أن الصلاة لا تبطل بمحاذاة المرأة.

قلت: وليس في الحديث ما يدل على هذا أصلًا غير أنَّه فيه: أنَّه عليه السَّلام صلى بجنب ميمونة وهي نائمة، وهو قائم، وقاعد، وساجد، فأين المحاذاة؟ وكأنَّ هذا القائل مراده الغمز في مذهب رأس المجتهدين وسيدهم أبي (١) حنيفة الإمام الأعظم: أن محاذاة المرأة تفسد الصلاة، وقد حفظ شيئًا هذا القائل وغاب عنه أشياء؛ فإن المحاذاة المفسدة عنده أن يكون الرجل والمرأة مشتركين في الصلاة أداءً وتحريمة، وغير ذلك من الشروط المقررة في كتب الفروع، والمرأة في هذا الحديث ليست كذلك، بل ليست بطاهرة أصلًا؛ فهذا كلام من لم يشم شيئًا من رائحة العلم، بل شم التعصب، والتعنت، والعناد، ألم يعلم أن الإمام الأعظم حين أخذ الحكم في هذه المسألة كان إمامهم منيًا في ظهر أبيه؛ فعليك بالأدب تنل (٢) أعالي الرتب؛ فافهم، وتمامه فيما سبق.

(١٠٨) [باب: هل يغمز الرجل امرأته عند السجود لكي يسجد]

هذا (بابٌ) بالتنوين (هل يَغمِز)؛ بفتح أوله، وكسر الميم من باب (ضرب)؛ أي: ينخس باليد (الرجل) وهو في الصلاة (امرأته) النائمة (عند) إرادة (السُّجود) في الصلاة (لكي يسجد) في مكان اضطجاعها؟ فإن فعل ذلك ما حكمه؟

قال إمام الشَّارحين: (يعني: إذا غمزها؛ فلا يترتب عليه من فساد الصلاة شيء، وبيَّن البخاري في هذا الباب صحة الصلاة ولو أصابها بعض جسده، وبيَّن في الباب السَّابق صحتها ولو أصابها بعض ثيابه) انتهى.

[حديث: بئسما عدلتمونا بالكلب والحمار!]

٥١٩ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا عَمرو بن عَلي)؛ بفتح العين فيهما: هو الباهلي الفلاس، (قال: حدثنا يحيى) هو ابن سعيد القطان البصري، (قال: حدثنا عُبيد الله)؛ بالتصغير: هو ابن عبد الله العمري المدني، (قال: حدثنا القاسم) هو ابن محمَّد بن أبي بكر الصديق الأكبر رضي الله عنهما، (عن عائشة) : هي عمته الصديقة أم المؤمنينزوج النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم (قالت)؛ أي: في جواب من قال: (يقطع الصلاة الحمار، والكلب، والمرأة)؛ أي: مرورها بين يدي المصلي، والذي قال ذلك: هو أبو هريرة، وأبو ذر، وأبو سعيد الخدري، وغيرهم بحضرة عائشة رضي الله عنها، فقالت لهم: (بئسما) وكلمة (بئس) من أفعال الذم، كما أن كلمة (نِعْم) من أفعال المدح، وشرطهما: أن يكون الفاعل المظهر فيهما معرَّفًا باللَّام، أو مضافًا إلى المعرف بها، أو مضمرًا مميزًا بنكرة منصوبة، وههنا يجوز الوجهان؛ الأول: أن يكون (ما) بمعنى: الذي، ويكون فاعلًا لـ (بئس)، والجملة -أعني قوله: (عدَلتمونا)؛ بتخفيف الدَّال؛ أي: شبَّهتمونا، كما في رواية باب (لا يقطع الصلاة شيء)، أو جعلتمونا أو تسويتكم إيانا- صلة الموصول، ويكون المخصوص بالذم محذوفًا؛ والتقدير: بئس الذي عدلتمونا (بالكلب والحمار) ذلك الفعل، والوجه الثاني: أن يكون فاعل (بئس) مضمرًا مميزًا، وتكون الجملة بعده صفة له، والمخصوص أيضًا محذوف؛ والتقدير: بئس شيئًا ما عدلتمونا بالحمار شيء، وفي الوجهين المخصوص بالذم مبتدأ، وخبره الجملة التي قبله؛ كذا قرره إمام الشَّارحين؛ والمعنى: لم شبهتمونا بهما مع شرف المرأة وخستهما؟!

ثم استدلت على ما أنكرته بقولها: (لقد رأيتُني)؛ بِضَمِّ الفوقية، واللَّام موطئة للقسم؛ والتقدير: والله لقد رأيتني، وكون الفاعل والمفعول ضميرين لشيء واحد من خصائص أفعال القلوب؛ والتقدير: رأيت نفسي، كذا أفاده الشَّارح.

وقال الكرماني: (إن كانت الرؤية بمعناها الأصلي؛ فلا يجوز حذف أحد مفعوليه، وإن كانت بمعنى: الإبصار؛ فلا يجوز اتحاد الضميرين).

وأجاب العلامة الفاضل الزمخشري في قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} : (جاز حذف أحدهما؛ لأنَّه مبتدأ في الأصل، فيحذف كالمبتدأ)، وهذا مخالف لما ذكره في «المفصل»، و «الكشاف» : (لا يجوز الاقتصار على أحد مفعولي الحسبان).

وأجيب: بأنه قد روي عنه أيضًا: أنَّه إذا كان الفاعل والمفعول عبارة عن شيء واحد؛ جاز الحذف، وأمكن الجمع بينهما بأن القول بجواز الحذف فيما إذا اتحد الفاعل والمفعول معنًى، والقول بعدمه فيما إذا كان بينهما الاختلاف، والحديث من القسم الأول؛ والتقدير: رأيت نفسي معترضة مثلًا، أو أعطى للرؤية التي بمعنى الإبصار حكم الرؤية التي من أفعال القلوب، انتهى.

(ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي) : جملة اسمية وقعت حالًا على الأصل؛ أعني بالواو؛ أي: صلاته من الليل (وأنا مضطجعة) : جملة حالية أيضًا؛ أي: نائمة (بينه وبين القبلة)؛ أي: معترضة بينهما أمامه وليس بينه وبينها سترة؛ لأنَّها حينئذٍ غير مشروعة؛ لأنَّ السترة شرعت لدفع المار، ولا مار في ذلك الوقت، والنائم ليس له قوة على المشي ونحوه، (فإذا أراد) أي: النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم (أن يسجد) أي: السُّجود في صلاته؛ (غمز رجليَّ)؛ بالتثنية، قال في «الصِّحاح» : غمزت الشيء بيدي؛ ومنه قوله:

وكنت إذا غمزت قناة قوم... كسرت كعوبها أو تستقيما

وغمزته بعيني؛ قال تعالى: {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين: ٣٠]، والمراد ههنا: الغمز باليد، وفي رواية للبخاري: (فإذا سجد؛ غمزني)، وفي رواية أبي داود: (فإذا أراد أن يسجد؛ ضرب رجليَّ)، فبينت هذه الرواية أن المراد من الغمز: الضرب باليد، وهو الموافق لما قاله أهل اللُّغة، (فقبضتهما)؛ أي: أخرتهما عن مكان سجوده؛ ليسجد مكانهما،


(١) في الأصل: (أبو)، وليس بصحيح.
(٢) في الأصل: (تنال)، ولا يصح.

<<  <   >  >>