للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وجدُّه الخطاب، أحد العبادلة السابقة للإسلام مع أبيه، المتوفى سنة ثلاث وسبعين (لا يبلغ العبد)؛ بالتعريف، وفي رواية: بالتنكير (حقيقة التقوى) التي أعلاها امتثال الأوامر واجتناب النواهي كلها، وأدناها وقاية الشرك (حتى يدع ما حاك) بالمهملة والكاف المخففة؛ أي: اضطرب (في الصدر) ولم ينشرح له، وفي رواية: بتشديد الكاف بدون ألف (ما حك)، وفي نسخة بالألف والتشديد من المحاكاة، وقد روى مسلم معناه من حديث النواس بن سمعان مرفوعًا: «البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع الناس عليه»؛ أي: من الأذى لإخوانك المؤمنين؛ والمعنى: لا يبلغ العبد التقوى الحقيقية العليا حتى يترك جميع المنهيات، حتى ما أضمره واضطرب في صدره من الأذى لإخوانه المؤمنين، فلا دالة فيه على الزيادة والنقصان، كما لا يخفى.

(وقال مجاهد) بن جَبْر بفتح الجيم وسكون الموحدة، غيرُ مصغَّر على المشهور، المخزومي مولى عبد الله بن السائب المخزومي، المتوفى سنة مئة وهو ساجد، في تفسير قوله تعالى: ({شَرَعَ لَكُم}) وفي رواية: ({مِّنَ الدِّينِ} [الشورى: ١٣])؛ أي: (أوصيناك يا محمد وإياه)؛ أي: نوحًا (دينًا واحدًا).

إنما خص نوحًا عليه السلام؛ لما قيل: إنه الذي جاء بتحريم الحرام وتحليل الحلال، وأول من جاء بتحريم الأمهات، والبنات، والأخوات، لا يقال: إن (إياه) تصحيف، وإن الصواب: وأنبياءه، وكيف يفرد الضمير لنوح وحده مع أن في السياق ذكر جماعة؟ لأنا نقول: إن نوحًا أفرد في الآية، وبقية الأنبياء عطف عليه، وهم داخلون فيما وصى به نوحًا وكلهم مشتركون في ذلك، فذكر واحد يغني عن الكل، على أن نوحًا أقرب مذكور في الآية، فليس بتصحيف، وهذا التعليق أخرجه عبد بن حميد في «تفسيره» عن شبابة.

(وقال ابن عباس) عبد الله رضي الله عنهمافي تفسير قوله تعالى: ({شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} [المائدة: ٤٨] : سبيلًا)؛ أي: طريقًا واضحًا (وسنةٌ)، لفٌّ ونشر مشوَّش، يعني: أن معنى {شرعة} : سنة، ومعنى {منهاجًا} : سبيلًا، وهذا التعليق وصله عبد الرزاق في «تفسيره».

(٢) [بابٌ: دُعَاؤُكُمْ إِيمَانُكُمْ]

وفي رواية: (باب) بالتنوين: (دعاؤكم إيمانكم)، وفي رواية: (لقوله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: ٧٧])، ومعنى الدعاء في اللغة: الأمان؛ من الأمن، ضد الخوف، والمعنى: لا يعتد الله بكم لولا دعاؤكم معه آلهة؛ وهو خطاب لكفار قريش، وجواب لولا محذوف تقديره: لولا دعاؤكم لما خلقكم ولما اعتنى بشأنكم، فلا دلالة فيه على أن الإيمان عمل، وقيل: معناه الغوث، وقد دعا؛ أي: استغاث، قال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: ٦٠]؛ فتأمل.

وهذا التعليق وصله ابن جرير من قول ابن عباس.

[حديث: بني الإسلام على خمس]

٨ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبيد الله) بالتصغير، وفي رواية: (وحدثنا) محمد بن إسماعيل؛ يعني: البخاري، حدثنا عبيد الله (بن موسى) بن باذام بالموحدة، وبالذال المعجمة، آخره ميم، العَبْسي بفتح العين وتسكين الموحدة، وكان شيعيًّا؛ وهو مقبول الرواية في غير الداعي إلى بدعتهم، المتوفى سنة ثلاث عشرة ومئتين بالإسكندرية.

(قال: أخبرنا) وفي رواية: (حدثنا) (حنظلة بن أبي سفيان) بن عبد الرحمن الجمحي المكي، المتوفى سنة إحدى وخمسين ومئة، (عن عكرمة بن خالد) بن العاص، المخزومي، القرشي، المتوفى بمكة بعد عطاء؛ وهو توفي سنة أربع عشرة ومئة، (عن ابن عمر) عبد الله بن الخطابرضي الله عنهم، وكان واسع العلم، توفي سنة ثلاث وسبعين، (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بني الإسلام) الذي تقدم أنَّه الانقياد (على خمس)؛ أي: خمس دعائم، وقيل: (على) بمعنى (من)؛ أي: بني الإسلام من خمس؛ فتأمل.

(شهادة أن لا إله إلا الله) بخفض (شهادة) بدل من (خمس)، وكذا ما بعدها، ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف؛ أي: وهي، والنصب بتقدير: أعني، و (لا) هي النافية للجنس، و (إله) اسمها مركب معها تركيب مزج كـ (أحد عشر)، وفتحته فتحة بناء، وعند الزجاج: فتحة إعراب؛ لأنَّه عنده منصوب بها لفظًا وخبرها محذوف اتفاقًا تقديره: موجود، و (إلا) حرف استثناء، والاسم الكريم مرفوع على البدلية من الضمير المستكن في الخبر، وقيل: مرفوع على الخبرية لقوله: (لا)، وعليه جماعة، وهذا التركيب عند علماء المعاني يفيد القصر، وهو في هذه الكلمة من باب قصر الصفة على الموصوف، لا العكس؛ لأنَّ (إله) في معنى الوصف.

وإنما قدم النفي على الإثبات فقيل: لا إله، ولم يقل: الله لا إله إلا هو، بتقديم الإثبات على النفي؛ لأنَّه إذا نفى أن يكون ثَمَّ إله غيره؛ فقد فرَّغ قلبه مما سوى الله بلسانه ليواطئ القلب، وليس مشغولًا بشيء سوى الله تعالى، فيكون نفي الشريك عن الله بالجوارح الظاهرة والباطنة.

(و) شهادة (أن محمدًا رسول الله) وإنما لم يذكر الإيمان بالأنبياء والملائكة؛ لأنَّ المراد بـ (الشهادة) : تصديق الرسول فيما جاء به، فيستلزم جميع ما ذكر من الاعتقادات، (وإقام الصلاة)؛ أي: الإتيان بها على وجهها المعلوم عند الفقهاء، (وإيتاء الزكاة)؛ أي: إعطائها مستحقيها بإخراج جزء من المال على الوجه المخصوص؛ كما يأتي، (والحج) إلى بيت الله الحرام، (وصوم) شهر (رمضان).

وإنما لم يذكر الجهاد؛ لأنَّه فرض كفاية، ولا يتعيَّن إلَّا في بعض الأحوال، ووجه الحصر في الخمسة؛ أن العبادة: إما قوليَّة أو غيرها، الأولى الشهادتان، والثانية: إما تَركيَّة أو فعليَّة، الأولى الصوم، والثانية إما بدنيَّة أو ماليَّة، الأولى الصلاة، والثانية الزكاة، أو مركَّبة منهما؛ وهي الحج، وفي رواية تأخير الحج عن صوم رمضان، وفي قوله: (بني... إلى آخره)؛ استعارة تبعية وبالكناية وتمثيلية، كما لا يخفى.

(٣) [باب أمور الإيمان]

هذا (باب أمور الإيمان) الإضافة بمعنى اللام؛ أي: باب الأمور الثابتة للإيمان في تحقيق ثمراته وضيائه، وقيل: إن الإضافة بيانية بناء على أن الأعمال هي الإيمان، وفي رواية: (أمر الإيمان) بالإفراد على إرادة الجنس، (وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على (أمور)، وفي رواية: (عز وجل) : ({لَيْسَ البِرَّ}) الفعل الخير ({أَن تُوَلُّوا}) الخطاب لليهود والنصارى في دعوى القبلة، ({وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ}) قبلة النصارى ({وَالْمَغْرِبِ}) قبلة اليهود؛ أي: ليس البر مقصورًا على أمر القبلة، أو ليس البر ما أنتم عليه؛ فإنه منسوخ ({وَلَكِنَّ البِرَّ}) الذي يهتم به ({مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ}) القرآن أو أعم ({وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ}) تعالى أو حب المال ({ذَوِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى}) المحاويج منهم، ولم يقيده؛ لعدم الإلباس، ({وَالْمَسَاكِينَ}) جمع: مسكين؛ مَن لا شيء له، لقوله: {أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: ١٦]؛ أي: صاحب تراب، ({وَابْنَ السَّبِيلِ}) المسافر، وقيل: الضيف، ({وَالسَّائِلِينَ})؛ أي: الذين ألجأتهم الحاجة إلى السؤال ({وَفِي الرِّقَابِ})؛ أي: تخليصها بمعاونة المكاتبين، أو فك الأسارى، أو ابتياع الرقاق لعتقها، ({وَأَقَامَ [الصَّلاةَ] وَآتَى الزَّكَاةَ}) المفروضتين؛ أي: أداها في مصارفها، ({وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا}) عطف على {مَنْ آمَنَ}، ({وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاء}) الفقر ({وَالضَّرَّاءِ}) نصب على المدح ولم يعطف؛ لفضل الصبر: المرض، هذا هو المشهور؛ فليحفظ، ({وَحِينَ البَأْسِ}) وقت الجهاد ({أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا}) في الدين وطلب البر ({وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ} [البقرة: ١٧٧]) عن الكفر وسائر الرذائل، وفي رواية بإسقاط قوله {ولكن البر...} إلى آخر الآية، وفي رواية بإسقاط: {وَالْيَوْمِ الآخِرِ}.

وهذه الآية جامعة للكمالات الإنسانية بأسرها، فمن عمل بها؛ فقد تحققت ثمرات الإيمان عنده، وأشرق نوره وضياؤه، وفي حديث أبي ذر عند عبد الرزاق: أنَّه عليه السلام سئل عن الإيمان فتلا عليه هذه الآيات، ولم يذكره المؤلف؛ لأنَّه ليس على شرطه.

وقال الله عزَّ وجلَّ: ({قَدْ أَفْلَحَ})؛ أي: فاز ({المُؤْمِنُونَ} ... الآية) [المؤمنون: ١] بإسقاط واو العطف؛ لعدم الإلباس، قال ابن حجر: ويحتمل أن يكون ساقه تفسيرًا لقوله: ({هم المتقون} [البقرة: ١٧٧]) تقديره: هم الموصوفون بقوله: ({قد أفلح})، وفي رواية الأصيلي: (وقد أفلح) بإثبات الواو، وفي رواية ابن عساكر: (وقوله: {قد أفلح})، قلت: وهذا يرد ما قاله ابن حجر في «فتحه» : من احتمال التفسير مع ما فيه من البعد، أفاده القسطلاني، ويجوز في قوله: (الآية)؛ النصب بتقدير: اقرأ، والرفع مبتدأ خبره محذوف.

[حديث: الإيمان بِضعٌ وستونَ شعبة]

٩ - وبالسند قال: (حدثنا عبد الله بن محمد) بن جعفر المُسْنَدي؛ بضم الميم، وسكون المهملة، وفتح النون، سمي به؛ لأنَّه كان يطلب المسندات، أو لأنَّه؛ أول من جمع مسند الصحابة على التراجم بما وراء النهر، وفي رواية: (الجعفي) المتوفى سنة تسع وعشرين ومئة، (قال: حدثنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو بن قيس العقدي؛ بفتح العين المهملة والقاف: نسبة إلى العقد؛ قوم من قيس؛ قبيلة من اليمن، أو بطن من الأزد، المتوفى سنة خمس ومئتين، (قال: حدثنا سليمان بن بلال) القرشي المدني، المتوفى سنة اثنين وسبعين ومئة، (عن عبد الله بن دينار) القرشي العدوي المدني، مولى ابن عمر، المتوفى سنة سبع وعشرين ومئة، (عن أبي صالح) ذكوان السمان الزيات المدني، المتوفى سنة إحدى ومئة، (عن أبي هريرة) رضي الله عنه تصغير (هرة) : عبد الرحمن بن صخر الدوسي، المختلف في اسمه على أكثر من ثلاثين قولًا، المتوفى بالمدينة سنة تسع وخمسين، (عن النبي) الأعظم (صلى الله) تعالى (عليه وسلم) : أنه (قال: الإيمان) بالرفع مبتدأ، وخبره (بضع)؛ بكسر الموحدة وقد تفتح.

قال الفراء: هو خاص

<<  <   >  >>