للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

المهملة؛ أي: نسبْته إلى العار (بأمه)، وفي (الأدب) : (وكانت أمه أعجمية؛ فنلت منها)، وفي رواية: (فقلت له: يا ابن السوداء)، (فقال لي النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر؛ أعيرته بأمه؟!)؛ بالاستفهام الإنكاري التوبيخي، وهذا كان من أبي ذر قبل أن يعرف تحريم ذلك، فكانت تلك الخصلة من خصال الجاهلية باقية فيه، ولذا قال له عليه السلام: (إنك امرؤٌ)؛ بالرفع خبر (إنَّ)، وحركةُ عينِ كلمتِه تابعةٌ للامها في الأحوال الثلاث؛ كما وضحه الشيخ الإمام بدر الدين العيني؛ فراجعه (فيك جاهلية)؛ بالرفع مبتدأٌ قُدِّم خبرُه؛ وهو (فيك).

وروي: أنه لمَّا شكاه بلال؛ قال له عليه السلام: «شتمت بلالًا وعيرته بسواد أمه؟!» قال: نعم، قال: «حسبت أنه بقي فيك شيء من كبر الجاهلية»، فألقى أبو ذر خده على التراب، ثم قال: لا أرفع خدي حتى يطأ بلال خدي بقدمه؛ فوطئ خده؛ كذا في «القسطلاني».

(إخوانكم) في الإسلام (خَوَلكم)؛ بفتح أوله المعجمة والواو؛ أي: خدمكم أو عبيدكم، وقدم الخبر على المبتدأ؛ للاهتمام بشأن الأخوة، ويجوز أن يكونا خبرين؛ أي: هم إخوانكم هم خولكم، وأعربه الزركشي بالنصب؛ أي: احفظوا، قال: وقال الإمام أبو البقاء العكبري (١) الحنفي: إنَّه أجود، اهـ.

ورواه المؤلف في (حسن الخلق) : «هم إخوانكم»، قلت: وهو لا يرجِّح تقدير الرفع كما قيل؛ لأنَّ هذا الحديث هنا لم يصرح بقوله: هم إخوانكم، وهذه الاحتمالات مبنية على هذه الرواية المذكورة هنا، وفيما يأتي يتعيَّن الرفع ويرتفع الاحتمال؛ فافهم.

(جعلهم الله تحت أيديكم)؛ مجاز عن القدرة أو الملك، (فمَن) موصولة مبتدأ (كان أخوه) : اسم (كان) (تحت يده) : منصوب خبر (كان)، والجملة صلة الموصول، وقوله: (فليطعمه)؛ بضم المثناة التحتية: خبر المبتدأ، والفاء لتضمنه معنى الشرط، و (الفاء) في (فمَن)؛ فإنها عاطفة على مقدَّر؛ تقديره: وأنتم مالكون إياهم فمن... إلخ، (مما يأكل) يجوز أن تكون (ما) موصولة والعائد محذوف؛ تقديره: مِن الذي تأكله، وأن تكون مصدرية؛ أي: مِن أكله، وإنما لم يقل: مما يطعم؛ رعاية للمطابقة؛ لأنَّ الطعم يجيء بمعنى الذوق، (وليُلبسه)؛ بضم المثناة التحتية (مما) أي: من الذي (يلبس)؛ أي: يلبسه؛ بفتح المثناة التحتية، ويجوز في (الفاء) في (فمَن) أن تكون سببية؛ كما في {فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً} [الحج: ٦٣]، و (مِن) للتبعيض، فإذا أطعمه مما يقتاته؛ كان قد أطعمه مما يأكله، ولا يلزمه أن يطعمه من كل مأكوله (٢) على العموم، لكن يستحب له ذلك.

(ولا تكلفوهم ما) أي: الذي (يغلبهم)؛ أي: تعجز قدرتهم عنه، والنهي فيه للتحريم، (فإن كلفتموهم)؛ أي: ما يغلبهم؛ (فأعينوهم) عليه، ولا يخفى أنه يلحق بالعبد الدابة، والخادم، والأجير، والضيف، ويستفاد من الحديث: النهي عن سب العبيد وتعييرهم، والحث إلى الإحسان إليهم والرفق بهم، قال القسطلاني: وإن التفاضل الحقيقي بين المسلمين إنَّما هو بالتقوى، فلا يفيد الشريفَ النَّسبِ نسبُه إذا لم يكن من أهل التقوى، ويفيد الوضيعَ النَّسبِ التقوى (٣)، قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣]، اهـ.

قلت: وهذا موافق لما قدمته لك، وهو يدل على بطلان قول هذا المتعصِّب الذي قد أحدث في الشريعة أمرًا يوصل إلى هتك الشريعة في حق أهل البيت، والله الموفق، وفيه الحث على التواضع وعدم الترفع على المسلم وإن كان عبدًا، وفيه جواز إطلاق الأخ على الرقيق، والله أعلم.

(٢٢) [باب: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما}]

هذا (باب) بالتنوين وهو ساقط في رواية ({وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا})؛ أي: تقاتلوا، والجمع باعتبار المعنى، فإن كل طائفة جمع؛ ({فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}) [الحجرات: ٩] بالنصح والدعاء إلى حكم الله تعالى، وفي رواية: ({اقتتلوا...}؛ الآية)، (فسماهم المؤمنين)، وفي رواية: (مؤمنين مع تقاتلهم)، فعُلِمَ أنَّ صاحب الكبيرة لا يخرج عن الإيمان، ولا يخلد في النار، وفيه: دلالة على وجوب قتال الفئة الباغية على إمام الحق بغير حق؛ وهو مذهب إمامنا الأعظم رئيس المجتهدين رضي الله عنه.

[حديث: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار]

٣١ - وبه قال: (حدثنا عبد الرحمن بن المبارك) بن عبد الله العَيْشي؛ بفتح العين المهملة، وسكون المثناة التحتية، وبالشين المعجمة، البصري، المتوفى سنة تسع وعشرين ومئتين (قال: حدثنا حماد بن زيد) بن درهم أبو إسماعيل، الأزرقي، الأزدي، البصري، المتوفى سنة تسع وسبعين ومئة (قال: حدثنا أيوب)؛ هو السختياني، (ويونس) بن عبيد بن دينار، البصري، المتوفى سنة تسع وثلاثين ومئة؛ كلاهما (عن الحسن) أبي سعيد بن أبي الحسن الأنصاري، المتوفى سنة ست عشرة ومئة، (عن الأحنف)، من الحنف-وهو الاعوجاج في الرجل- بالمهملة والنون: أبي بحر الضحاك، (بن قيس) بن معاوية المخضرم، المتوفى بالكوفة سنة سبع وستين في إمارة ابن الزبير، (قال: ذهبت لأنصُر) أي: لأجل أن أنصر (هذا الرجل) : هو علي بن أبي طالب؛ كما في «مسلم»، وللمؤلف في (الفتن) : أريد نصرة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك يوم وقعة الجمل، (فلقيني أبو بَكْرة) نُفَيع-بضم النون وفتح الفاء- ابن الحارث بن كَلَدة؛ بالكاف واللام المفتوحتين، المتوفى بالبصرة سنة اثنتين وخمسين، (فقال) لي: (أين تريد؟ قلت)، وفي رواية: (فقلت) : أريد مكانًا؛ لأنَّ السؤال عن المكان والجواب بالفعل؛ فيؤوَّل بذلك، (أنصر) أي: لكي أنصر (هذا الرجل، قال: ارجع) وكان منعه اجتهادًا منه، فهو مثاب عليه، (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) حال كونه (يقول: إذا التقى المسلمان بسيفيهما)، وفي رواية: (إذا توجه المسلمان بسيفيهما) فضرب كل واحد منهما الآخر؛ (فالقاتل والمقتول في النار)؛ أي: يستحقَّانها، وأمرهما مفوض إليه تعالى؛ كما في حديث عبادة: «فإن شاء؛ عفا عنهما، وإن شاء؛ عاقبهما، ثم أخرجهما من النار، فأدخلهما الجنة»؛ كما ثبت في حديث أبي سعيد، وفيه إشارة إلى مذهب المعتزلة القائلين بوجوب العقاب، وأجيب بالمنع؛ لما علمت.

وهذا الحديث ليس عامًا، فإن القاتل والمقتول من الصحابة في الجنة؛ لأنَّ قتالهم عن اجتهاد وظنِّ صلاح، فهما مأجوران، من أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد (٤)، والحق الذي عليه أهل السنة والجماعة: الإمساك عما صدر بين الصحابة وحسن الظن بهم، فإنَّهم مجتهدون، وقد رفع الله الحرج عن المجتهد المخطئ في الفروع، وتوقف الطبري وغيره في تعيين المحق منهم، والجمهور على أن عليًّا رضي الله عنه وأشياعه كانوا مصيبين؛ لأنَّه كان أحقَّ الناس بها وأفضل من على وجه الأرض حينئذٍ؛ فتأمل، وقد رجع الأحنف عن رأي أبي بَكْرة في ذلك، وشهد مع عليٍّ باقي حروبه، والله أعلم.

قال أبو بكرة: (فقلت) وفي رواية: (قلت) : (يا رسول الله؛ هذا القاتل) يستحق النار؛ لكونه ظالمًا (فما بال المقتول)؛ وهو مظلوم؟ (قال) عليه السلام: (إنه كان حريصًا)؛ أي: شجيعًا (على قتل صاحبه)، وإنما أدخل الحرص على القتل وهو صغيرة، في سلك القتل وهو كبيرة؛ لمجرد كونهما في النار فقط، وإن تفاوتا صغرًا وكبرًا، وفيه دلالة على أن من عزم على المعصية بقلبه ووطَّن في نفسه عليها؛ أَثِمَ في اعتقاده وعزمه، ولهذا جاء بلفظ (الحرص).

ويُحمل قوله عليه السلام: «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلموا أو تعملوا به»، والحديث الآخر: «إذا هم عبدي بسيئة؛ فلا تكتبوها عليه» على أن ذلك فيما لم يوطِّن نفسه عليها، وإنما مرَّ ذلك من غير استقرار، ويُسمَّى هذا: همًّا، وبه يفرَّق بين الهمِّ والعزم، وإن عزم؛ تكتب سيئة، فإذا عملها؛ كتبت معصية ثانية؛ كذا حققه الشيخ الإمام بدر الدين العيني رضي الله عنه.

(٢٣) [باب ظلم دون ظلم]

هذا (باب) بالتنوين: (ظلم دون ظلم)؛ أي: بعضه أخف من بعض، وهذه الترجمة لفظ رواية حديث رواه أحمد ابنحنبل من (كتاب الإيمان) من حديث عطاء بن أبي رباح.

[حديث: لما نزلت: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم}]

٣٢ - وبه قال: (حدثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي، الباهلي، البصري السابق، (قال: حدثنا شعبة) : هو ابن الحجاج.

(ح) مهملة؛ للتحويل، وأكثر الروايات بدونها، وعليه شرح الشيخ الإمام بدر الدين العيني (قال) يعني: المؤلف: (وحدثني) بالإفراد (بِشْر)؛ بكسر الموحدة وسكون المعجمة، وفي رواية: (ابن خالد) أبو محمد العسكري، المتوفى سنة ثلاث وخمسين ومئتين، (قال: حدثنا محمد)، وفي رواية: (محمد بن جعفر)؛ أي: الهذلي البصري المعروف بغُنْدر، المتوفى سنة ثلاث وتسعين ومئة، (عن شعبة)؛ هو ابن الحجاج، (عن سليمان) بن مهران الأعمش، الأسدي الكاهلي، الكوفي، ولد يوم قتل الحسين؛ يوم عاشوراء، سنة إحدى وستين، وعند المؤلف: سنة ستين، المتوفى سنة ثمان ومئة، (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النَّخَعي أبي عمران الكوفي، الفقيه الثقة، المتوفى وهو مختف من الحجاج سنة ست وتسعين، (عن علقمة) بن قيس بن عبد الله، المتوفى سنة اثنتين وستين، وقيل: وسبعين، (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه: (لما نزلت) وفي رواية: قال: لما نزلت هذه الآية: ({الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}) [الأنعام: ٨٢] واللبس: الخلط؛ أي: لا تخلطوا إيمانكم بظلم؛ أي: عظيم؛ وهو الشرك؛ إذ لا أعظم منه، وورد التصريح به عند المؤلف: قلنا: يا رسول الله؛ أيُّنا لم يظلم نفسه؟ قال: ليس كما تقولون، بل {لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} بشرك،


(١) في الأصل: (العبكري).
(٢) في الأصل: (مالوله).
(٣) في الأصل: (بالتقوى).
(٤) في الأصل: (من أصاب له أجران ومن أخطأ له أجر واحد) والوجه اقتران الجواب بالفاء.

<<  <   >  >>