للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

رفعت باشا على دمشق فحصن القلعة، ووقع بينه وبين أهل الديوان مشاورات، ولو بسطنا الكلام؛ لمُلِئ كراريس، ونعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وكان ذلك بسبب طلوع النجم عند قمر ذي (١) القعدة فحصل بينهما قران، وخرج كوكب الذنب من قبل القبلة والأول بين المغرب والشمال، والله يعلم وأنتم لا تعلمون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

(٤٥) [باب من سأل وهو قائم عالمًا جالسًا]

هذا (باب من)؛ أي: الذي (سأل وهو قائم عالمًا) بالنصب مفعول (سأل)، (جالسًا) : صفته، والواو للحال؛ يعني: أن سؤال القائم العالمَ الجالسَ ليس من باب من يتمثل له الناس قيامًا، بل هو جائز إذا سلمت النفس فيه من الإعجاب.

[حديث: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله]

١٢٣ - وبه قال: (حدثنا عثمان) : هو ابن أبي شيبة (قال: أخبرني) بالإفراد، وفي رواية: (حدثنا) (جَرير)؛ بفتح الجيم، هو ابن عبد الحميد، (عن منصور) : هو ابن المعتمر، (عن أبي وائل)؛ بالهمز، شقيق بن سلمة، (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه، (قال: جاء رجل) لم يسمَّ (إلى النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم) إنَّما عدَّاه بكلمة الانتهاء مع أن (جاء) متعدٍّ بنفسه؛ إشعارًا بأن المقصود: بيان انتهاء المجيء إليه، (فقال) عطف على فـ (جاء) : (يا رسول الله؛ ما القتال) : مبتدأ وخبره وقع مقول القول (في سبيل الله؟)؛ أي: طريقه المرضي، (فإن أحدنا) الفاء للتفصيل (يقاتل غضبًا)؛ بالنصب على أنه مفعول له، والغضب حالة تحصل عند غليان الدم في القلب؛ لإرادة الانتقام، (ويقاتل حَميَّةً)؛ بفتح الحاء وتشديد التحتية، بالنصب على أنه مفعول له، وهي المحافظة على الحرم، أو هي الأنفة والغيرة والمحاماة عن العشيرة، والأول إشارة إلى مقتضى القوة الغضبية، والثاني: إلى مقتضى القوة الشهوانية، أو الأول: لأجل دفع المضرة، والثاني: لأجل جلب المنفعة.

(فرفع) النبي الأعظم عليه السلام (إليه)؛ أي: إلى السائل (رأسه) الشريف (قال)؛ أي: أبو موسى أو من دونه: (وما رفع إليه رأسه إلا أنه) أي: السائل (كان قائمًا) وهو استثناء مفرغ، و (أن) مع اسمها وخبرها في تقدير المصدر؛ أي: ما رفع لأمر من الأمور إلَّا لقيام الرجل، (فقال) عليه السلام: (من قاتل لتكون)؛ أي: لأن تكون، واللام: لام كي (كلمة الله)؛ أي: دعوته إلى الإسلام، وقيل: هي قول: لا إله إلا الله محمد رسول الله (هي العليا) : إما ضمير فصل أو مبتدأ، وفيها تأكيد فضل كلمة الله تعالى في العلو، وأنها المختصة به دون سائر الكلام؛ (فهو) مبتدأ (في سبيل الله) خبره (عز وجل)، والجملة خبر لقوله: (مَن)، وإنما دخلت الفاء لتضمن (من) معنى الشرط، ويدخل فيه من قاتل لطلب الثواب في الآخرة، أو لطلب رضا الله تعالى، كما في «عمدة القاري».

قال: فإن قلت: السؤال عن ماهية القتال، والجواب ليس عنها، بل عن المقاتلة.

قلت: فيه الجواب وزيادة، أو أن القتال بمعنى: اسم الفاعل؛ أي: المقاتلة؛ بقرينة لفظ (فإن أحدنا)، فيكون عبر (بما) عن العاقل، والجواب جمع معنى السؤال لا بلفظه؛ لأنَّ الغضب والحمية قد يكونان لله أو لغرض الدنيا، فأجابه بالمعنى مختصرًا.

وفي الحديث: أنه لا بأس أن يكون المستفتي واقفًا وكذا طالب الحاجة.

وفيه: أن الأعمال إنَّما تحسب بالنية الصالحة، وأن الإخلاص شرط في العبادة، فمن كان الباعث له الدنياوي؛ فلا شك في بطلان عمله، ومن كان الباعث الديني أقوى من الدنياوي فقيل: بإبطال العمل، والجمهور: أن العمل صحيح، لا سيما في الفرائض؛ فإنَّ أئمتنا قالوا: لا رياء في الفرائض؛ أي: لا يدخلها الباعث الدنياوي، وقالوا: إذا ابتدأ العمل لله ثم عرضه الإعجاب؛ فإنَّه لا يضره ويكون مثابًا عليه ثوابًا كاملًا، والله تعالى أعلم.

(٤٦) [باب السؤال والفتيا عند رمي الجمار]

هذا (باب السؤال) (٢) من المستفتي (والفُتيا)؛ بضم الفاء من المفتي والفتوى؛ بفتح الفاء: الجواب عن حكم الحادثة (عند رمي الجِمار)؛ بكسر الجيم جمع: جمرة، وهي الحصاة، والمراد: جمرات المناسك.

[حديث: رأيت النبي عند الجمرة وهو يُسأل]

١٢٤ - وبه قال: (حدثنا أبو نُعَيْم)؛ بضم النون وفتح العين: الفضل بن دكين (قال: حدثنا عبد العزيز) بن عبد الله (ابن أبي سلمة) الماجَِشُون؛ بفتح الجيم وكسرها، وضم الشين المعجمة، آخره النون، المدني التيمي، وإنما نسبه لجده؛ لشهرته به، وإنما سمي به؛ لأنَّ وجنتيه كانتا حمراوين، فسمي بالفارسية: المايكون، ثم عربه أهل المدينة بالماجشون، وقيل: إن سُكَينة-بضم المهملة- بنت الحسين بن علي رضي الله عنهما لقبته بذلك، المتوفى ببغداد سنة أربع وستين ومئة، وصلى عليه المهدي، ودفن في مقابر قريش، (عن الزهري) محمد بن مسلم، (عن عيسى بن طلحة) بن عبيد الله القرشي التيمي، (عن عبد الله بن عمرو)؛ أي: ابن العاصي رضي الله عنه، (قال: رأيت النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم عند الجمرة)؛ أي: جمرة العقبة؛ لأنها إذا أطلقت كانت هي المرادة، فـ (أل) للعهد أو (أل) للجنس فيشمل كل جمرة كانت من الجمرات الثلاث، (وهو) في حجة الوداع واقف (يُسأل)؛ بضم أوله على صيغة المجهول والواو للحال، (فقال رجل) لم يسمَّ: (يا رسول الله؛ نحرت) هديي (٣) (قبل أن أرمي) الجمرة، و (أن) مصدرية؛ أي: قبل الرمي، (قال) عليه السلام، وفي رواية: (فقال) : (ارم ولا حرج) عليك.

(قال) رجل (آخر) لم يسمَّ، وفي رواية: (وقال)، وفي أخرى: (فقال)، وكلاهما للعطف على ما تقدم: (يا رسول الله؛ حلقت) رأسي (قبل أن أنحر) الهدي، (قال) عليه السلام: (انحر) هديك (ولا حرجَ) عليك، فـ (لا) لنفي الجنس، و (حرج) : اسمها مبني على الفتح، وخبرها محذوف تقديره: عليك.

(فما سُئل) عليه السلام، بصيغة المجهول (عن شيء) من أعمال الحج (قُدم ولا أُخر)؛ بضم أولهما على صيغة المجهول، وفي الأول حذف؛ أي: ولا قدم ولا أخر (إلا قال) للسائل: (افعل) ذلك (ولا حرج) عليك، ولا إثم عليكم فيما فعلتموه من هذا؛ لأنَّكم فعلتموه على الجهل منكم لا على قصد منكم خلاف السنة، وكانت السنة خلاف ذلك؛ فإنَّ الترتيب بين أفعال المناسك واجب عندنا يتعلق الدم بتركه، كما قدمناه في باب (الفتيا وهو واقف على ظهر الدابة).

واعترض بأنه ليس في الحديث معنى ما ترجم له؛ لأنَّ قوله: عند الجمرة ليس فيه إلا السؤال وهو بموضع الجمرة وليس فيه أنه في خلال الرمي، وأجاب في «عمدة القاري» : بأن قوله: (عند رمي الجمار) أعم من أن يكون مقارنًا لشروعه في رمي الجمار، أو في خلال الرمي، أو عقيب الفراغ منه، انتهى؛ فليحفظ.


(١) في الأصل (ذا)، وليس بصحيح.
(٢) في الأصل: (السواء).
(٣) في الأصل (هدي)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>