للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

مبتدأ، وقد تخصَّص بالصفة وهي قوله، (يلعب مع الغلمان) والخبر محذوف تقديره: فإذا غلام يلعب مع الغلمان بالحضرة أو نحوها، وكانوا عشرة وهو أظرفهم وأوضأهم، قال ابن عباس: كان الغلام لم يبلغ الحنث، وقال الضحاك: كان غلامًا يعمل بالفساد ويتأذَّى منه أبواه، وقال الكلبي: كان الغلام يسرق المتاع بالليل فإذا أصبح؛ لجأ إلى أبويه فيحلفان دونه شفقة عليه، ويقولان: لقد بات عندنا، واختلف في اسمه: فقال الضحاك: جيسون، وقال شعبة: جيسور، وقال وهب: كان اسم أبيه: ملاس، واسم أمه: رحمى.

(فأخذ الخضر برأسه من أعلاه)؛ أي: مسك الخضر رأس الغلام فجرِّه، (فاقتلع رأسه بيده) وعند المؤلف في (بدء الخلق) : (فأخذ الخضر برأسه، فقطعه بيده هكذا) أومأ سفيان بأطراف أصابعه (كأنه يقطف شيئًا)، وفي «التفسير» : ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلامًا مع الغلمان؛ فاقتلع رأسه فقتله، وجاء فوجد غلمانًا يلعبون فأخذ غلامًا كافرًا ظريفًا فأضجعه ثم ذبحه بالسكين.

وقال الكلبي: صرعه ثم نزع رأسه من جسده فقتله، وقيل: رفعه برجله فقتله، وقيل: ضرب رأسه بالجدار حتى قتله، وقيل: أدخل أصبعه في سرته فاقتلعها فمات، والفاء في (فاقتلع) للدلالة على أنه لما رآه اقتلع رأسه من غير تروٍّ واستكشاف حال.

(فقال موسى) للخضر عليهما السلام، (أقتلت نفسًا زكيَّة)؛ بتشديد التحتية؛ أي: طاهرة من الذنوب، وهي أبلغ من زاكيَة بالتخفيف، وقال أبو عمرو بن العلاء: الزاكية التي لم تذنب قطٌّ، والزكية التي أذنبت ثم غفرت، ولهذا اختار قراءة التخفيف، فإنها كانت صغيرة لم تبلغ الحلم، والهمزة في (أقتلت) ليست للاستفهام الحقيقي، فهي كما في قوله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} [الضحى: ٦].

وكانت قصة الغلام في أُبُلَّة؛ بضم الهمزة والموحدة وتشديد اللام المفتوحة بعدها هاء، مدينة بالقرب من البصرة وعبادان، وقيل: بأَيْلا؛ بفتح الهمزة وسكون التحتية واللام الممدودة، مدينة على ساحل بحر القلزم على طريق الحاج المصري، وزعم قوم: أن الغلام كان بالغًا يعمل الفساد واحتجوا بقوله: (بغير نفس) الباء للمقابلة، والقصاص إنَّما يكون في حق البالغ ولم يرها قد أذنبت ذنبًا يقتضي قتلها، أو قتلت نفسًا فتقاد به، نبه على أن القتل إنَّما يباح حدًّا أو قصاصًا وكلا الأمرين منتفٍ.

وأجاب الجمهور: بأنا لا نعلم كيف كان شرعهم، ولعله كان يجب على الصبي كما يجب في شرعنا عليه غرامة المتلفات، أو المراد به: التنبيه على أنه قتل بغير حق.

(قال) الخضر لموسى عليهما السلام (ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا)؛ بزيادة (لك) في هذه المرة زيادة المكافحة بالعتاب على رفض الوصية، والوسم بقلة الصبر عند الكرة الثانية.

(قال) سفيان (بن عُيينة)؛ بضم العين، (وهذا)؛ أي: زيادة (لك)، (أوكد)، واستدل عليه بزيادة (لك) في هذه المرة، كذا في «الكشاف»، ولما سمع الخضر مقالة موسى؛ اقتلع كتف الصبي الأيسر وقشر اللحم عنه، فإذا في عظم كتفه؛ مكتوب: كافر لا يؤمن بالله أبدًا، وفي «مسلم» : (وأما الغلام؛ فطبع يوم طبع كافرًا، وكان أبواه قد عطفا عليه، فلو أنه أدرك؛ أرهقهما طغيانًا وكفرًا)، قال المؤلف: (وكان ابن عباس يقرأ: وكان أبواه مؤمنين وهو كان كافرًا)، وعنه: (أنه قرأ: وأما الغلام؛ فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين)، كذا في «عمدة القاري».

(فانطلقا) : موسى والخضر (حتى أتيا)، وفي رواية: (حتى إذا أتيا) موافقة للقرآن، (أهل قرية) : هي أنطاكية، كما قاله ابن عباس، وقيل: قرية من قرى الروم يقال لها: ناصرة وإليها تنسب النصارى، وقيل: إنها باجروان مدينة بنواحي أرمينية من أعمال شروان عندها عين الحياة، قال أبي بن كعب: وكان أهلها لئام وافياها بعد غروب الشمس.

(استطعما أهلها)؛ أي: سألاهم الطعام، فإن آخر كسب الجائع الإقدام على المسألة والاستطعام، وهو أمر مباح في كل الشرائع، وربما يجب ذلك عند خوف التلف والضرر الشديد، (فأبوا أن يضيِّفوهما)؛ أي: من أن يضيفوهما، فـ (أن) مصدرية؛ أي: من تضييفهما، و (أبوا)؛ بالموحدة من الإباء وهو الامتناع؛ أي: امتنعوا من استطعامهما، وروي أن أهل القرية لما سمعوا نزول هذه الآية؛ استحيوا وجاؤوا إلى النبي الأعظم عليه السلام بحمل من الذهب، وقالوا: يا رسول الله نشتري بهذا الذهب أن تجعل الباء الموحدة تاء مثناة فوقية حتى تصير القراءة هكذا فأتوا أن يضيفوهما؛ أي: إتيان أهل القرية إليهما لأجل الضيافة، وقالوا غرضنا منه أن يدفع عنا هذا اللؤم، فامتنع النبي الأعظم عليه السلام، وقال: إن تغيير هذه النقطة يوجب دخول الكذب في كلام الله وهو يوجب القدح في الآلهية فعلمنا به أن تغيير النقطة الواحدة يوجب بطلان (١) الربوبية، كذا في «حواشي شيخ زاده»، ولم يجدوا تلك الليلة في تلك القرية قرى ولا مأوى وكانت ليلة باردة.

(فوجدا فيها)؛ أي: في القرية، (جِدارًا)؛ بكسر الجيم، وكانا قد التجأا (٢) إليه في تلك الليلة وهو على شاطئ الطريق، قيل: كان سمكه مئتي ذراع بذراع تلك القرية، وطوله على وجه الأرض خمس مئة ذراع، وعرضه خمسون ذراعًا.

(يريد أن) : مصدرية، (ينقض)؛ أي: يريد الانقضاض؛ أي: الإسراع بالسقوط، وإسناد الإرادة إلى الجدار مجاز؛ لأنَّه لا إرادة له حقيقة، والمراد هنا المشارفة على السقوط، وقال الكسائي: إرادة الجدار هنا ميله، وعند المؤلف: (مائل وكان أهل القرية يمرون تحته على خوف)، (قال الخضر بيده)؛ أي: أشار بها، وفي رواية: (فمسحه بيده)، (فأقامه) كالطين يمسحه القلال فاستوى، وعن ابن عباس: أنه هدمه ثم بناه، وقيل: أقامه بعود عمده به، وفيه إطلاق القول على الفعل، وفي رواية: (يريد أن ينقضَّ فأقامه).

(قال موسى)، وفي رواية: (فقال له موسى)؛ أي: للخضر (لو شئت لاتَّخَذت)؛ بهمزة وصل، وتشديد الفوقية، وفتح الخاء، على وزن: (افتعلت) من تخذ؛ كاتبع وليس من الأخذ عند البصريين، وفي رواية: (لتخذت)؛ أي: لاتخذت، (عليه أجرًا) : فيكون لنا قوتًا وبلغة على سفرنا إذ استضفناهم؛ فلم يضيفونا، فكأنه لما رأى الحرمان، ومساس الحاجة، واشتغاله بما لا يعنيه؛ لم يتمالك نفسه، (قال) الخضر لموسى: (هذا فراق بيني وبينك) : بإضافة الـ (فراق) إلى الـ (بين) إضافة المصدر إلى الظرف على الاتساع، والإشارة في قوله: (هذا) إلى الفراق الموعود بقوله: (فلا تصاحبني)، أو تكون الإشارة إلى السؤال الثالث؛ أي: هذا الاعتراض سبب للفراق أو إلى الوقت؛ أي: هذا الوقت وقت الفراق، أفاده في «عمدة القاري».

(قال النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم: يرحم الله موسى) إخبار، ولكن المراد منه الإنشاء لأنَّه دعاء له بالرحمة، (لودِدْنا)؛ بكسر الدال الأولى وسكون الثانية، واللام فيه جواب قسم محذوف وكلمة (لو) هنا؛ بمعنى: أن الناصبة للفعل؛ كقوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: ٩]، والتقدير: والله، (لو صبر)؛ أي: صبر موسى؛ أي: لأنَّه لو صبر؛ لأبصر أعجب الأعاجيب، (حتى يقصُّ) على صيغة المجهول، (علينا من أمرهما) : مفعول ما لم يسمى فاعله.

وهذه القصة كانت حين كان موسى في التيه، فلما فارقه الخضر؛ رفع إلى قومه وهم في التيه وقيل: كانت قبل خروجه من مصر، وما فعله الخضر كله كان بوحي يدل عليه قوله: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف: ٨٢]؛ لأنَّ هذه الأفعال لا يجوز لأحد أن يفعلها إلا بالوحي.

وفي الحديث: إثبات كرامات الأولياء، وصحة الولاية، وجواز الإجارة، وركوب البحر والتزود للسفر، وهو لا ينافي التوكل خلافًا لمن نفاه، والحكم بالظاهر حتى يتبين خلافه.

وفيه: إذا تعارضت مفسدتان؛ يجوز دفع أعظمهما بارتكاب أخفهما.

وفي شهر ذي القعدة سنة ست وسبعين ومئتين وألف، وقع القتال بين الطائفة الدروز وبين النصارى التي في قرية زحلة، وقرى البقاع، وجبل بيروت فانتصرت الدروز عليهم وصار الواحد منهم يقاوم المئة من النصارى، وخشي الوالي الذي (٣) بدمشق أحمد


(١) في الأصل: (بصلان).
(٢) في الأصل: (التجأ).
(٣) في الأصل: (التي).

<<  <   >  >>