للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الشَّارحين: هكذا وقع في «الموطأ» بالشك كما هنا، وفي رواية الإسماعيلي من طريق معن عن مالك: (أو نخاعًا) بدل: (مخاطًا) انتهى.

قلت: والشك يحتمل من عائشة، ويحتمل من هشام، والظاهر الأول؛ فافهم.

(فحكه)؛ أي: الذي رآه في الجدار بيده الشريفة؛ لأنَّه الأصل، فهو مطابق للترجمة، كما لا يخفى، وفي الحديث: دليل على أنَّ البصاق والمخاط والنخامة طاهر، وأنَّ من دفنه بثوب وصلى فيه؛ فصلاته جائزة، وفيه: وجوب إزالة الأوساخ والزبالات من المسجد، فإن كل ما يؤذي العين يؤذي المسجد، والله أعلم.

(٣٤) [باب حك المخاط بالحصى من المسجد]

هذا (باب) بيان حكم (حك) أي: إزالة (المُخاط)؛ بضمِّ الميم؛ أي: ما يسيل من الأنف (بالحصى) : وللأصيلي: (بالحصباء)، والمراد الأعم؛ يعني: سواء كان بالحصى، أو العود، أو نحوهما (من المسجد)؛ الألف واللام فيه للجنس، والمراد: جميع المساجد التي يصلى فيها.

قال إمام الشَّارحين: (فإن قلت: ذكر في الباب السابق حك البصاق باليد، وذكر هنا حك المخاط بالحصى، فهل فيه زيادة فائدة؟

قلت: نعم؛ ذلك، فإن المخاط غالبًا يكون له جرم لزج، فيحتاج في قلعه إلى معالجة، وهي بالحصى ونحوه، والبصاق ليس فيه ذلك، فيمكن نزعه بلا آلة، إلا أن يقال: إن خالطه بلغم؛ فحينئذٍ يلحق بالمخاط) انتهى.

قلت: والمناسبة بينهما ظاهرة؛ لأنَّ كلًّا منهما في إزالة ما على جدار المسجد.

(وقال ابن عبَّاس) : هو عبد الله، حَبر هذه الأمة، وترجمان القرآن رضي الله عنهما: (إن وطئت على قذر)؛ بالذال المعجمة؛ أي: طاهر؛ كالمخاط ونحوه (رطب) أي: في المسجد؛ (فاغسله)؛ لأنَّه يعلق بالرجل، فلا يزول بغير الماء؛ للزوجته، (وإن كان) أي: القذر المذكور (يابسًا؛ فلا)؛ أي: فلا تغسله، بل يكفي حكه؛ لأنَّه لا يعلق منه بالرجل شيء، وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة بسند صحيح، وقال في آخره: (وإن كان يابسًا؛ لم يضره)، وزعم القسطلاني أن القذر أعم من كونه طاهرًا أو نجسًا، وهو ممنوع؛ لأنَّ المراد بالقذر: الطاهر فقط، يدل عليه أن الواطئ عليه في المسجد، وأنه يريد الصلاة، والقذر النجس لا يكون في المسجد، وعلى ما زعمه لا يكون في التعليق مطابقة للترجمة، وهو خلاف مراد المؤلف، كما لا يخفى.

وقال إمام الشَّارحين: ووجه مناسبة هذا التعليق للترجمة: أنَّ في حديث الباب حك النخامة بالحصى، وفي الترجمة: حك المخاط بالحصى، وهذا يدل على أنه كان يابسًا؛ لأنَّ الحك لا يفيد في رطبه؛ لأنَّه ينتشر به، ويزداد التلوث، فظهر الفرق بين رطبه ويابسه وإن لم يصرح به في ظاهر الحديث، ففي الرطب يزال بما يمكن إزالته به، وفي اليابس بالحصاة ونحوها، فكذلك في أثر ابن عبَّاس الفرق حيث قال: (إن كان رطبًا؛ فاغسله، وإن كان يابسًا؛ فلا)؛ أي: فلا يضرك وطؤه، فتكون المناسبة بينهما من هذه الحيثية، وهذا القدر كاف؛ لأنَّه إقناعي لا برهاني، انتهى.

وقد انتهت الجهالة إلى ابن حجر، فزعم أن مطابقة الأثر المذكور للترجمة الإشارة إلى أن العلة في النهي احترام القبلة لا مجرد التأذي بالبزاق ونحوه، فلهذا لم يفرق بينه وبين رطب ويابس، بخلاف ما علة النهي فيه مجرد الاستقذار؛ فلا يضر وطء اليابس منه.

ورده إمام الشَّارحين فقال: هذا تعسُّف، وبعد عظيم؛ لأنَّ قوله: (النهي فيه احترام القبلة...) إلخ: غير موجه؛ لأنَّ علة النهي فيه احترام القبلة، وحصول التأذي منه، كما ذكرنا في حديث أبي سهلة: «إنَّك آذيت الله ورسوله»، وحصول الأذى فيه هو ما ذكره في الحديث: «فإنَّ الله قبل وجهه إذا صلى»، وبزاقه إلى تلك الجهة أذًى كبير، وهو من باب ذكر اللازم وإرادة الملزوم؛ ومعناه: لا يرضى الله به ولا يرضى به رسوله أيضًا، وتأذيه عليه السَّلام من ذلك هو أنه نهاه عنه ولم ينته، وفيه ما فيه من الأذى، فعلم من ذلك أن العلة العظمى هي حصول الأذى مع ترك احترام القبلة، والحكم يثبت بعلل شتى.

وقوله: (بخلاف ما علة النهي فيه مجرد...) إلخ: غير صحيح؛ لأنَّ علة النهي فيه كونه نجسًا، ولم يسقط عنه صفة النجاسة غير أن وطء يابسه لا يضره؛ لعدم التصاقه بالجسم، وعدم التلوث لا لمجرد كونه يابسًا حتى لو صلى على مكان عليه نجس يابس؛ لا تجوز صلاته، ولو كان على بدنه أو ثوبه نجاسة؛ لا تجوز أيضًا، فعلم أن النجاسة المانعة تضره مطلقًا غير أنه عفي عن يابسها في الوطء، انتهى.

[حديث: إذا تنخم أحدكم فلا يتنخمن قبل وجهه ولا عن يمينه]

٤٠٨ - ٤٠٩ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا موسى بن إسماعيل) : هو المنقري البصري، المعروف بالتبوذكي (قال: حدثنا) وفي رواية كريمة: (أخبرنا) (إبراهيم بن سَعْد)؛ بسكون العين المهملة: هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي المدني (قال: أخبرنا) وفي رواية: (حدثنا) (ابن شهاب) : هو محمد بن مسلم الزهري المدني، (عن حُميد) بضمِّ الحاء المهملة (بن عبد الرحمن) : هو ابن عوف القرشي المدني الزهري: (أنَّ أبا هريرة) : هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي (وأبا سعيد) هو سعد بن مالك الخدري رضي الله عنهما (حدثاه)؛ أي: أنَّهما حدثا حميدًا: (أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رأى) أي: أبصر (نُخامة)؛ بضمِّ النون، وهي النخاعة؛ وهي ما يخرج من الصدر (في جدار المسجد)؛ أي: في جدار قبلة المسجد النبوي، فالألف واللام فيه للعهد، (فتناول حَصاة)؛ بفتح الحاء المهملة؛ هي صغار الحجر (فحكها)؛ بالكاف؛ أي: النخامة، ولأبوي ذر والوقت، وابن عساكر، والأصيلي: (فحتها)؛ بالمثناة الفوقية بدل الكاف، ومعناهما واحد (فقال) عليه السَّلام: (إذا تنخم أحدكم)؛ أي: رمى بالنخامة وهو في مصلاه كما دل عليه الأحاديث السابقة؛ (فلا يتنخمنَّ) بنون التوكيد الثقيلة (قِبَل)؛ بكسر القاف، وفتح الموحدة؛ أي: جهة (وجهه)؛ أي: وجه المصلي، (ولا عن يمينه)؛ لشرف اليمين، وجاء في رواية المؤلف: (فإنَّ عن يمينه ملَكًا)، وعند ابن أبي شيبة بسند صحيح: (لا يبزق عن يمينه،

<<  <   >  >>