للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالحجارة المنقوشة المطابقة، وأكثرها قد اندرس واندثر، وبقي من المشهورة الآن مسجد قباء، ومسجد الفضيح -وهو شرقي مسجد قباء-، ومسجد بني قريظة، ومشربة أم إبراهيم -وهي شمالي مسجد قريظة-، ومسجد بني ظفر -شرقي البقيع، ويعرف بمسجد البغلة-، ومسجد بني معاوية -ويعرف بمسجد الإجابة-، ومسجد الفتح -قريب من جبل سلع-، ومسجد القبلتين في بني سلمة، كذا في «عمدة القاري».

وإنَّما سمي بمشربة أم إبراهيم؛ لأنَّ مارية ولدت فيه إبراهيم، وأخرج أبو داود في «المراسيل» عن بكير بن عبد الله الأشج قال: (كان بالمدينة تسعة مساجد مع مسجده عليه السَّلام يسمع أهلها تأذين بلال، فيصلُّون في مساجدهم بأذانه؛ أقربها: مسجد بني عمرو بن مبذول، ومسجد بني ساعدة، ومسجد بني عبيد، ومسجد بني سلمة، ومسجد بني رابخ، ومسجد بني زريق، ومسجد غفار، ومسجد أسلم، ومسجد جهينة)، وقد أوضح ذلك الإمام الشَّارح في «عمدة القاري»؛ فليحفظ، والله تعالى الهادي.

(٩٠) [باب سترة الإمام سترة من خلفه]

هذا (باب) بالتنوين (سُترة الإمام)؛ أي: من يصلِّي بالناس إمامًا وبين يديه سترة؛ نحو: جدار، وعنزة، وغيرهما (سُترة لمن) وفي رواية: (من)؛ أي: من كان (خلفه)؛ أي: من المصلين، فبوجود الإمام لا يحتاجون إلى سترة.

والسُّترة؛ بِضَمِّ السين المهملة: ما يستتر به، والمراد بها هنا: عكازة، أو عصى، أو عنزة، أو نحو ذلك، ومثلها: الجدار، والعامود، والسارية المركوزة في بعض الأرض والبساتين، والحكمة فيها: كف النَّظر للمصلي عما وراءها؛ لئلا يتفرق خاطره، ومنع من يجتاز بقربه.

ولفظ (باب) : مرفوع خبر لمبتدأ محذوف، كما قدرنا، ويكون (سترة) مرفوعًا على الابتداء، وخبره (سترة) الثاني، ويجوز جره بالإضافة؛ والتقدير: باب بيان كون سترة الإمام... إلى آخره، وهو ظاهر؛ فافهم.

ولا يخفى أنَّ التَّرجمة مشتملة على شيئين؛ أحدهما: بالمطابقة؛ وهو أنَّ سترة الإمام سترة لمن خلفه، وثانيهما: بالالتزام؛ وهو أنَّ الإمام سترة لمن خلفه، والصف الأول سترة للصف الثاني وهكذا؛ فليحفظ.

[حديث: أقبلت راكبًا على حمار أتان]

٤٩٣ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) هو التنيسي الدمشقي (قال: أخبرنا) وللأصيلي: (حدثنا) (مالك) هو ابن أنس الأصبحي المدني، (عن ابن شهاب) هو محمَّد بن مسلم الزهري المدني، (عن عبيد الله) بالتصغير (بن عبد الله) بالتكبير (بن عُتْبة)؛ بِضَمِّ العين المهملة، وسكون المثناة الفوقية: هو ابن مسعود المدني الصَّحابي أحد الفقهاء السبعةرضي الله عنه، (عن عبد الله بن عبَّاس) : هو بحر العلم، وحبر الأمة، وترجمان القرآن رضي الله عنهما، وسقط (عبد الله) لابن عساكر: أنَّه (قال: أقبلت) حال كوني (راكبًا على حمار أَتان)؛ بفتح الهمزة، وبالمثناة الفوقية: الأنثى من الحمير.

ولما كان الحمار شاملًا للذكر والأنثى؛ خصَّه بقوله: (أتان)، وإنَّما لم يقل: حمارة ويكتفي عن تعميم (حمار) ثم تخصيصه؛ لأنَّ التَّاء تحتمل الوحدة، كذا زعمه الكرماني.

واعترضه البرماوي بأنَّ (حمارًا) مفرد لا اسم جنس جمعي؛ كتمر.

قال إمام الشَّارحين: (الأحسن في الجواب: أنَّ «الحمارة» قد تطلق على الفرس الهجين كما قاله الصغاني، فلو قال: على حمارة؛ لربما كان يفهم أنَّه أقبل على فرس هجين، وليس الأمر كذلك على أنَّ الجوهري حكى أنَّ «الحمارة» في الأنثى شاذة) انتهى.

و (أتانٍ)؛ بالجر والتنوين؛ كـ (حمار) على النعت له، أو بدل الغلط، أو بدل بعض من كل؛ لأنَّ الحمار يطلق على الجنس، فيشمل الذكر والأنثى، أو بدل كل من كل؛ نحو: {شَجَرَةٍ [مُّبَارَكَةٍ] (١) زَيْتُونَةٍ} [النور: ٣٥].

وقال ابن الأثير: (إنَّ فائدة التنصيص على كونها أنثى: الاستدلال على أنَّ الأنثى من بني آدم لا تقطع الصلاة بالطريق الأولى؛ لأنَّهن أشرف).

واعترض بأنَّ العلة ليست مجرد الأنوثة فقط، بل الأنوثة بقيد البشرية؛ لأنَّها مظنة الشهوة، انتهى.

قلت: العلة الأنوثة البشرية مع كونها في الصلاة الواحدة؛ فهي مظنة الشهوة لا مطلقًا؛ لأنَّ المس بلا حائل أو به يوجدها، بخلاف النَّظر، فإنَّه يمنع ذلك، كما لا يخفى.

(وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام)؛ أي: قاربت البلوغ بالاحتلام، والمعنى: أنَّه كان مراهقًا (ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي بالناس بمنًى) بالصرف وعدمه، والأجود الصرف، وكتابته بالألف، وسميت بذلك لما يمنى؛ أي: يراق بها من الدماء، كذا رواه مالك وأكثر أصحاب الزهري.

ووقع عند مسلم من رواية ابن عيينة: (بعرفة)، وجمع بينهما بأنَّهما قضيتان.

ورُدَّ بأنَّ الأصل عدم التعدد، لا سيما مع اتحاد مخرج الحديث.

وزعم بعضهم أنَّ رواية ابن عيينة شاذة، وكان ذلك في حجة الوداع لا في الفتح على الصَّحيح؛ فتأمله.

(إلى غير جِدار)؛ بكسر الجيم: هو الحائط، وهو متعلق بـ (يصلِّي)؛ أي: إلى شيء يستره غير جدار؛ كعصا أو عنزة.

وزعم ابن حجر أنَّ معناه: أي: إلى غير سترة أصلًا، كما قاله الشَّافعي، وعليه فلا مطابقة بين الحديث والتَّرجمة؛ لأنَّه ليس فيه أنَّه عليه السَّلام صلى إلى سترة، وقد بوَّب عليه البيهقي: (باب من صلى إلى غير سترة) انتهى.

وردَّه الشَّارح في «عمدة القاري» : بأنَّ مطابقة الحديث للتَّرجمة ظاهرة؛ لأنَّ قوله: (إلى غير جِدار) مشعر بأنَّ ثمة سترة؛ لأنَّ لفظة (غير) تقع دائمًا صفة لمحذوف؛ تقديره: إلى شيء غير جِدار، وهو أعم من أن يكون عصا، أو عنزة، أو نحوها، وهذا القائل لم يقف على وجه الكلام، والبيهقي أيضًا لم يقف على هذه النُّكتة، والبخاري دقيقٌ نظره، فأورَد هذا الحديث في هذا الباب؛ للوجه الذي ذكرناه، على أنَّ ذلك معلوم من حال النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ المعروف من عادته أنَّه كان لا يصلِّي في الفضاء إلا والعنزة أمامه، ويؤيده ذكر الحديثين بعده المصرح فيهما بالسترة، فهو من باب حمل المطلق على المقيد.

وقول ابن عبَّاس: (فمررت بين يدي) أي: قدام (بعض الصف)، فالتعبير باليد مجاز، وإلا، فالصف لا يد له (فنزلت وأرسلت) ولأبي ذر: (فأرسلت)؛ بضمير المتكلم فيهما (الأتان ترتعُ)؛ أي: تأكل، و (ترتعُ) مرفوع، والجملة محلها نصب على الحال من (الأتان)، وهي حال مقدرة؛ لأنَّه لم يرسلها في تلك الحال، وإنَّما أرسلها قبل مقدرًا كونها على تلك الحال، وجوز ابن السيد فيه أن يريد: لترتع، فلما حذف الناصب؛ رُفِع؛ كقوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} [الزمر: ٦٤]،


(١) {مباركة} : سقطت من الأصل.

<<  <   >  >>