للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقيل: ويجوز النصب على الحال.

(رأيت النبيَّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) وجملة (يصلي) : محلها نصب مفعول ثان (١) لـ (رأيت) (كذا) وفي رواية الكشميهني: (هكذا)، والإشارة إلى الصلاة في ثوب واحد، وسبب تغليظه القول فيه كونه فهم من كلام السائلين الإنكار عليه، والغرض في محبته لرؤية الجهال؛ ليقع السؤال والجواب، فيستفاد منه بيان الجواز، كذا في «عمدة القاري».

فإن قلت: اللام في (ليراني)؛ للتعليل والغرض، فكيف وجه إراءته الجهال غرضًا؟

قلت: الغرض بيان الجواز في ذلك الفعل، فكأنه قال: صنعته محبة لأن يراني الجهال، فينكرون علي بجهلهم، فأظهر لهم جوازه، وإغلاظه عليهم؛ لإنكارهم على فعله؛ لقولهم: (تصلي)؛ لأنَّ الهمزة فيه للإنكار، وهي مقدرة، كما ذكرنا، وقد أسند فعله إلى ما تقرر في صلاته صلَّى الله عليه وسلَّم حيث كان يصلي هكذا، والله أعلم.

(١٢) [باب مَا يُذْكَرُ فِي الْفَخِذِ.]

هذا (باب: ما يُذكَر)؛ بضم التحتية أوله، وفتح الكاف (في) حكم (الفخِذ) وفي رواية الكشميهني: (من الفخذ)، ويجوز في الخاء المعجمة الكسر والسكون، ووجه مناسبته بما قبله: هو أن المذكور في الباب قبله هو الصلاة في ثوب ملتحفًا به لستر العورة، والمذكور في هذا الباب حكم الفخذ، وهو أنه عورة، فإذا كان عورة؛ يجب ستره، والستر إنَّما يكون بالثياب، فتحققت المناسبة بينهما.

(قال أبو عبد الله)؛ أي: المؤلف نفسه، كذا هو ثابت في رواية أبوي ذر والوقت، ساقط في غيرهما: (ويُروى)؛ بضم التحتية أوله مبنيًّا للمفعول، وهو تعليق بصيغة التمريض، وذكره المؤلف عن ثلاثة أنفس:

الأول: (عن ابن عباس) : هو عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وقد وصله الترمذي وأحمد، فقال الترمذي: (حدثنا واصل بن عبد الأعلى، عن يحيى بن آدم، عن إسرائيل بن يونس، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد، عن ابن عباس: أن النبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «الفخذ عورة»، وقال: هذا حديث حسن غريب)، وأبو يحيى القتات ضعيف، وهو مشهور بكنيته، واختلف في اسمه على سبعة أقوال؛ قيل: عبد الرحمن بن دينار، وقيل: مسلم، وقيل: زاذان، وقيل: ديان، وقيل: عمران، وقيل: دينار، والقَتَّات: بفتح القاف، وتشديد المثناة الفوقية.

(و) الثاني: عن (جَرْهَد)؛ بفتح الجيم، وسكون الراء، وفتح الهاء، آخره دال مهملة: هو ابن رزاح بن عدي الأسلمي، له صحبة عديدة في أهل المدينة، وقال أبو عمرو: (جعل ابن أبي حاتم جرهد بن خويلد غير جرهد بن رزاح)، وهذا وهم، وهو رجل واحد من أسلم لا يكاد يسلم له صحبة، ويقال: إنه مات سنة إحدى وستين، وفي إسناد حديثه اختلاف كثير، وأخرجه مالك في «الموطأ» عن أبي النضر، عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد، عن أبيه، عن جده قال: وكان جدي من أهل الصُّفة، قال: جلس رسول الله عندي وفخذي مكشوفة، فقال: «خمر عليك، أمَا علمت أن الفخذ عورة»، وقال الدارقطني: (روى هذا الحديث أصحاب «الموطأ» : ابن بكير، وابن وهب، ومعن، وعبد الله بن يوسف، هو عند القعنبي خارج «الموطأ» في الزيادات من مالك، ولم يذكره ابن القاسم في «الموطأ» ولا ابن عفير ولا أبو مصعب... إلى آخره) كلامه، وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» من حديث أبي عاصم عن سفيان، عن أبي الزناد، عن زرعة بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جده، ورواه الترمذي عن ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن زرعة بن مسلم بن جرهد الأسلمي، عن جده جرهد قال: مر النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم بجرهد في المسجد وقد انكشف فخذه، فقال: «إن الفخذ عورة»، هذا حديث حسن ما أرى إسناده بمتصل، وذكره ابن القطان، ثم قال: (وهو معلول بالاضطراب وبجهالة حال الراوي عن جرهد)، وذكره البخاري في «تاريخه»، ثم قال: (ولا يصح)، قال ابن الحذاء: (وإنما لم يخرجه البخاري في «مصنفه» لهذا الاختلاف) انتهى.

قلت: لكن قد استند فيه لما روي عن ابن عباس وابن جحش، وظاهره الاعتماد عليه؛ لقوله: (وحديث جرهد أحوط)؛ يعني: فينبغي العمل به، فهذا يدل على صحته، وعدم إعلاله؛ فليحفظ.

(و) الثالث: عن (محمد ابن جحش)؛ بالجيم، ثم الحاء المهملة، نسبه لجده؛ لشهرته به، وإلا؛ فهو محمد بن عبد الله بن جحش، له ولأبيه صحبة، وزينب بنت جحش أم المؤمنين هي عمته، وكان محمد صغيرًا في عهد النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد حفظ عنه، وكان مولده قبل الهجرة بخمس سنين، هاجر إلى المدينة مع (٢) أبيه، وله صحبة، وحديثه رواه الطبراني عن يحيى بن أيوب، عن سعيد بن أبي مريم، عن محمد بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبي كثير مولى محمد بن جحش قال: كنت أصلي مع النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، فمرَّ على معمر بن عبد الله بن نضلة (٣) العدوي وهو جالس عند داره بالسوق وفخذاه مكشوفتان، فقال: «يا معمر؛ غطِّ فخذيك؛ فإن الفخذين عورة»، قال ابن حزم: (رواية أبي كثير مجهولة (٤))، وذكره البخاري في «تاريخه»، وأشار إلى الاختلاف فيه، ورواه أحمد في «مسنده»، والحاكم في «مستدركه»، كذا قرره إمام الشَّارحين رحمه الله تعالى ثلاثتهم.

(عن النبيِّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) أنه قال: (الفخذ عورة) : وهو قول الجمهور من التابعين ومن بعدهم؛ منهم: إمامنا الإمام الأعظم، والإمام أبو يوسف، والإمام محمد بن الحسن، والإمام زفر بن الهذيل، وبه قال محمد بن إدريس، وهو الأصح عند مالك، وأصح الروايتين عن أحمد ابن حنبل حتى قال أئمتنا الأعلام: (إن صلاته مكشوف الفخذ فاسدة)، وقال الأوزاعي: (الفخذ عورة إلا في الحمام)، وقال الإمام الوبري: (السرة من العورة عند الإمام الأعظم).

قلت: وهي رواية ضعيفة، والمعتمد: أن السرة ليست من العورة، كما نص عليه المنلاخسرو في «الدرر»، وتبعه البرهان الحلبي، وصاحب «البحر» و «النهر»، وقال في «المفيد» : (الركبة مركبة من عظم الفخذ والساق، فاجتمع الحظر والإباحة، فغلب الحظر احتياطًا) انتهى.

واختلفوا في أن الركبة مع الفخذ عضو واحد، أو كل منهما عضو على حدة؛ ففي «التجنيس» : (الركبة إلى آخر الفخذ عضو واحد حتى لو صلى والركبتان مكشوفتان والفخذ مغطًّى؛ جازت صلاته؛ لأنَّ نفس الركبة من الفخذ، وقيل: إنها بانفرادها عضو)، ولكن الأصح الأول؛ لأنَّه ليس بعضو على حدة في الحقيقة، بل هي ملتقى عظمي الفخذ والساق، وإنما حرم النظر إليها؛ لتعذر التمييز، فعلى الأول: (من) تبعيضية، وعلى الثاني: بيانية، كذا في «العناية».

وقال في «الخلاصة» : (والركبة لا تعتبر عضوًا على حدة، بل تبع للفخذ هو المختار) انتهى.

وقال في «النهر» : (إنه الأصح)؛ فليحفظ، وعورة الرجل من تحت السرة إلى الركبة، والركبة من العورة، كذا قاله الإمام القدوري؛ لحديث علي بن أبي طالب: قال عليه السَّلام: «الركبة من العورة»، وحديث أبي أيوب: «ما فوق الركبتين، وما أسفل من السرة من العورة»، فتعارض المحرم


(١) في الأصل: (ثاني)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (في)، وليس بصحيح.
(٣) في الأصل: (فضلة)، ولعله تحريف.
(٤) في الأصل: (راويه... مجهول)، و لعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>