للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

تعظيمها لحرمتها، ولو كانت مقطعة، كذا قاله الإمام الأعظم رئيس المجتهدين، وصرح به القسطلاني في «الإشارات».

قلت: ومقتضاه الحرمة بالمكتوب مطلقًا يدل عليه أن غرضهم بالتبديل للأحكام لا للأسماء والدعوات فهي باقية على حالها، وخلوُّ اسم معظم منها غير ممكن ولو سلم، فهو موهوم غير متحقق، والأحكام لا تبنى على الوهم، فما قاله الشافعية افتراء وجراءة على الله عز وجل نعوذ بالله من قولهم، وما هو إلا جهل مركب، اللهم؛ إنا نعوذ بك من الجهل.

وكذا يكره لهم مس التفسير القرآني، وكتب الفقه، والسنن، والأحاديث، وكذا مس شروح النحو؛ لأنَّها لا تخلو عن آيات، وهذا قول الإمامين الهمامين أبي يوسف، ومحمَّد بن الحسن رحمهما الله تعالى، وقال الإمام الأعظم: لا يكره، وهو الأصح، كما في «الخلاصة»، ووجهه: أنه لا يسمى ماسًّا للقرآن؛ لأنَّ ما فيها منه بمنزلة التابع، فكان كما لو توسد خُرْجًا فيه مصحف، أو ركب فوقه في السفر، كذا في «شرح المنية».

وقال في «الأشباه» : (وقد جوز أصحابنا مس كتب التفسير للمحدث ولم يفصلوا بين كون الأكثر تفسيرًا أو قرآنًا، ولو قيل به اعتبارًا للغالب؛ لكان حسنًا) انتهى؛ أي: بأن يقال: إن كان التفسير أكثر؛ لا يكره، وإن كان القرآن أكثر؛ يكره، والأولى إلحاق المساواة بالثاني.

قلت: وهو المنقول عن الشافعي، وقال في «السراج» : (كتب التفسير لا يجوز مس موضع القرآن منها، وله أن يمس غيره) انتهى.

وقال في «المحيط» : (ويكره للحائض مس المصحف بالكُمِّ عند البعض، والعامة على أنه لا يكره) انتهى، وهو المختار، كما في «الكافي»، ومثل الكم غيره من الثياب، كما في «فتح القدير»، ومثل الغلاف صندوق الرَّبْعَة، وكذا كرسي المصحف وإن لم يكن مسمرًا؛ لأنَّه غلاف وزيادة، كذا في «منهل الطلاب»، والله تعالى أعلم.

[حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكئ في حجري وأنا حائض ثم يقرأ القرآن]

٢٩٧ - وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا أبو نُعيم) بضمِّ النون (الفضل بن دُكين) بضمِّ الدال المهملة أنه (سمع زُهيرًا) بضمِّ الزاي المعجمة؛ هو ابن معاوية بن جرير الجعفي، (عن منصور ابن صفية)؛ هي بنت شيبة، وأبو منصور عبد الرحمن الحجبي العبدري المكي، كان يحب البيت، وهو شيخ كبير، وإنما نسب منصور إلى أمه؛ لأنَّه اشتهر بها، ولأنَّه روى عنها، كذا في «عمدة القاري» : (أن أمه) أي: صفية بنت شيبة المذكورة (حدثته) أي: حدثت ابنها منصور: (أن عائشة) الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما (حدثتها) أي: حدثت صفية: (أن النبيَّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم كان يتكئ)؛ بالهمزة من باب (الافتعال)، أصله: يوتكي قلبت الواو تاء (١) وأدغمت التاء في التاء (٢)، وثلاثيه وكاء، وهي جملة في محل النصب؛ لأنَّها خبر (كان) (في حجري) كذا في الروايات وهو الصواب، ووقع في رواية العذري: (حجرتي)؛ بتاء مثناة من فوق، وهو وهم، كذا في «عمدة القاري» (وأنا حائض) : جملة اسمية وقعت حالًا، قال الكرماني: إما من فاعل (يتكئ)، وإما من المضاف إليه وهو ياء المتكلم.

ورده صاحب «عمدة القاري» فقال: (قلت: من فاعل «يتكئ» لا وجه له على ما لا يخفى، وما هي إلا من ياء المتكلم في «حجري»، ولا يمنع وقوع الحال من المضاف إليه إذا كان بين المضاف والمضاف إليه شدة الاتصال؛ كما في قوله تعالى: {وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النساء: ١٢٥]).

وكلمة (في) في قوله: (حجري)؛ بمعنى (على)، كما في قوله تعالى: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ (٣) فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: ٧١].

فإن قلت: ما فائدة العدول عنه؟

قلت: لبيان التمكن فيه لتمكن المظروف من الظرف، كذا في «عمدة القاري».

(فيقرأ القرآن)؛ بالفاء، كذا في النسخ، وفي نسخة: (ثم يقرأ القرآن).

قلت: والفاء هي الصواب؛ لإفادتها التعقيب؛ لأنَّ التراخي هنا لا معنى له وهو غير مراد، وعند المؤلف في (التوحيد) : (كان يقرأ القرآن ورأسه في حجري وأنا حائض)، قال في «عمدة القاري» : (فعلى هذا: المراد بالإتكاء: وضع رأسه في حجرها)، وقال ابن دقيق العيد: (في هذا القول إشارة إلى أن الحائض لا تقرأ القرآن؛ لأنَّ قراءتها لو كانت جائزة؛ لما توهم امتناع القراءة في حجرها، حتى احتيج إلى التنصيص عليها، وفيه: جواز ملامسة الحائض؛ لأنَّها طاهرة، وفيه: جواز القراءة بقرب محل النجاسة).

ونظر فيه صاحب «عمدة القاري» : (لأن الحائض طاهرة، والنجاسة هو الدم وهو غير طاهر في كل وقت من أوقات الحيض، فعلى هذا؛ لا تكره قراءة القرآن بحذاء بيت الخلاء، ومع هذا ينبغي أن يكره تعظيمًا للقرآن؛ لأنَّ ما قرب للشيء؛ يأخذ حكمه)، وفيه: جواز استناد المريض في صلاته إلى الحائض إذا كانت ثيابها طاهرة، قاله القرطبي.

قال في «عمدة القاري» : (وفيه نظر)، ولم يذكر وجهه.

قلت: ولعل وجهه أن الحائض طاهرة، كما أفصح به الحديث ولا يلزم طهارة ثيابها؛ لأنَّ المريض المصلي إذا استند إليها؛ لا يسمى حاملًا للنجاسة التي على ثيابها؛ فصار كمن صلى وبقربه نجاسة، فإن صلاته جائزة، والله أعلم.

قال صاحب «التوضيح» : (وجه مناسبة إدخال حديث عائشة فيه أن ثيابها بمنزلة العِلاقة، والشارع بمنزلة المصحف؛ لأنَّه في جوفه وحامله؛ إذ غرض البخاري بهذا الباب الدلالة على جواز حمل الحائض المصحف، وقراءتها القرآن، فالمؤمن الحافظ له أكبر أوعيته).

ورده صاحب «عمدة القاري» فقال: (قلت: ليس في الحديث إشارة إلى الحمل وفيه الاتكاء، والاتكاء غير الحمل، وكون الرجل في حجر الحائض لا يدل على جواز الحمل، وغرض البخاري الدلالة على جواز القراءة بقرب موضع النجاسة، لا على جواز حمل الحائض المصحف، وبهذا رد الكرماني على ابن بطال في قوله: «غرض البخاري» في هذا الباب أن يدل على جواز حمل الحائض للمصحف وقراءتها القرآن)، واعترضه صاحب «عمدة القاري» فقال: (قلت: رده عليه إنَّما لا يستقيم في قوله: «وقراءتها»؛ لأنَّه ليس في الحديث ما يدل على جواز قراءة الحائض القرآن، والذي فيه يدل على جواز قراءة القرآن في حجر الحائض، وعلى جواز حمل المصحف لها بعلاقته، فأورد حديثًا وأثرًا، فالحديث يدل على الأول، والأثر على الثاني، لكنه غير مطابق للترجمة، وكلما كان من هذا القبيل؛ ففيه تعسف ولا يقرب من الواقعة إلا بالجر الثقيل) انتهى كلامه رضي الله عنه.

(٤) [باب من سمى النفاس حيضًا]

هذا (باب) بيان (من سمَّى النفاس حيضًا) كان ينبغي أن يقول: (باب من سمَّى الحيض نفاسًا)؛ لأنَّ الذي في الحديث الآتي: فقال: «أنفست؟»؛ أي: أحضت؟ فأطلق على الحيض النفاس، كذا قاله صاحب «عمدة القاري».

وقال ابن بطال: (لما لم يجد البخاري للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم نصًّا في النفاس وحكم دمها في المدة المختلفة، وسمى الحيض نفاسًا في هذا الحديث؛ فهم منه أن حكم دم النفاس حكم دم الحيض في ترك الصَّلاة؛ لأنَّه إذا كان الحيض نفاسًا؛ وجب أن يكون النفاس حيضًا؛ لاشتراكهما في التسمية


(١) في الأصل: (ياء)، وهو تصحيف.
(٢) في الأصل: (الياء في الياء)، وهو تصحيف.
(٣) في الأصل: (لأصلبنكم)، والمثبت موافق للتلاوة.

<<  <   >  >>