للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والطبراني بإسناد قوي، ومن حديث أبي هريرة عند البزار، ومن حديث عبد الرحمن بن صفوان قال: (فلما خرج؛ سألت من كان معه، فقالوا: صلى ركعتين عند السارية الوسطى) أخرجه الطبراني بإسناد صحيح، ومن حديث شيبة بن عثمان قال: (لقد صلى ركعتين عند العمودين) أخرجه الطبراني بإسناد جيد، فإذا كان الأمر كذلك؛ فكيف يُقْدِم عياض على تغليط حافظ جهبذ من غير تأمل في بابه، انتهى كلامه رحمه الله تعالى.

ولا حجة في هذا الحديث لمن يقول: الأولى في نفل النهار ركعتان؛ لأنَّ هذه الصلاة قد وردت على سبب وهو دخول البيت المعظم؛ لأنَّ عادة النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم الصلاة في نفل النهار والليل المطلق أربعًا أربعًا (١)، يدل عليه حديث ابن عباس رضي الله عنهما حين بات عند خالته يرقب صلاة النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، وفيه: (كان يصلي أربعًا، لا تسأل عن حسنهن وطولهن)، ولهذا قال الإمام الأعظم رئيس المجتهدين: الأفصل في نفل النهار والليل الأربع؛ لهذا الحديث، وهو حجة على الشافعي في قوله: الأفضل في النوافل مثنى مثنى في الليل والنهار، وهو قول مالك، وأحمد، والإمامين أبي يوسف ومحمد بن الحسن؛ فافهم.

وزعم ابن جرير الطبري أنَّ الصلاة في الكعبة فرضًا كانت أو نفلًا غير صحيحة، وهذا الحديث حجة قوية، ومحجة مستقيمة عليه؛ حيث صلى في الكعبة النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم وصلاته كانت ذات ركوع وسجود، كما دل عليه صريح هذا الحديث، ولهذا قال الإمام الأعظم وأصحابه: يجوز صلاة الفرض والنفل في الكعبة، وبه قال الشافعي، وزعم أصحاب مالك من صلى على ظهر البيت؛ أعاد أبدًا، وقال مالك: لا يُصلَّى فيه الفريضة ولا ركعتا الطواف الواجب، فإن صلى؛ أعاد في الوقت، ويجوز أن يصلي فيه النافلة، والحديث بإطلاقه حجة عليه؛ فليحفظ.

[حديث: لما دخل النبي البيت دعا في نواحيه كلها]

٣٩٨ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا إسحاق ابن نصر) : نسبه لجده هنا، وفي غير هذا المحل نسبه لأبيه؛ تفنُّنًا للعلم به، فهو إسحاق بن إبراهيم بن نصر أبو إبراهيم السغدي المدني، هكذا وقع منسوبًا في الروايات كلها، وبه جزم الإسماعيلي، وأبو نعيم، وأبو مسعود، وغيرهم، وذكر أبو العباس في «الأطراف» : أن المؤلف أخرجه عن إسحاق غير منسوب، وأخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في «مستخرجيهما» من طريق إسحاق ابن راهويه، عن عبد الرزاق شيخ إسحاق ابن نصر فيه، بإسناده هذا، فجعله من رواية ابن عباس عن أسامة بن زيد، وكذلك رواه مسلم من طريق محمد بن بكر عن ابن جريج، وهو الأرجح.

قلت: وهذا يدل على أنَّ هذا الحديث من مراسيل ابن عباس، وأيضًا لم يثبت أن ابن عباس دخل الكعبة مع النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، كذا قاله إمام الشَّارحين.

(قال: حدثنا عبد الرزاق) : هو ابن همَّام -بالتشديد- الصنعاني (قال: أخبرنا) : وللأصيلي وأبي الوقت: (حدثنا) (ابن جريج) : نسبه لجده؛ لشهرته به، واسمه عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الكوفي، (عن عطاء)؛ بالمد: هو ابن أبي رَباح المكي (قال: سمعت ابن عباس) : هو عبد الله حبر هذه الأمة، وترجمان القرآن، وأخرجه مسلم، وفيه قصة، ورواه عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن أسامة، ولم يذكر ابن عباس (قال) : جملة فعلية محلها نصب على الحال، أو على أنها مفعول ثان لـ (سمعت) على قولين مشهورين: (لما دخل النبيُّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم البيت) أي: الكعبة المشرفة؛ (دعا) الله تعالى (في نواحيه كلها) : جمع ناحية؛ وهي الجهة، (ولم يصل) أي: في البيت (حتى) أي: إلى أن (خرج منه) ورواية بلال المثبت صلاته في البيت أرجح من نفي ابن عباس هذا، لا سيما أن ابن عباس لم يدخل، وعلى هذا؛ فيكون مرسلًا؛ لأنَّه أسنده عن غيره ممن دخل مع النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم الكعبة، فهو مرسل صحابي، (فلما خرج) عليه السَّلام من البيت؛ (ركع) يعني: صلى (ركعتين) : فأطلق الجزء وأراد به الكل (في قُبُل الكعبة)؛ بضم القاف والباء الموحدة، وقد تسكن الموحدة؛ أي: مقابلها، وما استقبلك منها؛ وهو وجهها (وقال) عليه السَّلام: (هذه)؛ أي: الكعبة هي (القِبْلة)؛ بكسر القاف، وسكون الموحدة؛ معناه: أن أمر القِبلة قد استقر على استقبال هذا البيت، فلا ينسخ بعد اليوم، فصلوا إليه أبدًا، قاله الخطابي، ويحتمل أن معناه: أنه علمهم سنة موقف الإمام، فإنه يقف في وجهها دون أركانها وجوانبها الثلاثة وإن كانت الصلاة في جميع جهاتها مجزئة، ويحتمل أنه دل بهذا القول على أن حكم من شاهد البيت وعاينه خلاف حكم الغائب عنه فيما يلزمه من مواجهته عيانًا دون الاقتصار على الاجتهاد، وذلك فائدة ما قال: «هذه القِبلة» وإن كانوا قد عرفوها قديمًا، وأحاطوا بها علمًا، قاله إمام الشَّارحين، ويحتمل أن معناه: هذه الكعبة هي المسجد الحرام أمرتم باستقباله لا كل الحرم، ولا مكة، ولا المسجد الذي هو حول الكعبة، بل هي الكعبة نفسها فقط، قاله النووي.

قلت: وكلامه مضطرب الأول والآخر، وكان حقه أن يقول: معناه: هذه القِبلة هي الكعبة نفسها لا غيرها؛ كالحرم ومكة والمسجد الذي حول الكعبة، بل الكعبة نفسها الذي استقر الأمر على استقبالها؛ فافهم.

قال إمام الشَّارحين: (فإن قلت: روى البزار من حديث عبد الله بن حبشي (٢) الخثعمي قال: رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يصلي إلى باب الكعبة، وهو يقول: «أيها الناس؛ إنَّ الباب قبلة البيت».

قلت: هذا محمول على الندب؛ لقيام الإجماع على جواز استقبال البيت من جميع جهاته كما أشرنا إليه، ووجه التوفيق بين هذه الرواية والتي قبلها قد سبق مستوفًى، والله أعلم) انتهى.

قلت: وقد تقدم ذلك أول الباب،


(١) في الأصل: (أربع أريع)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (حبسي)، وهو تصحيف.

<<  <   >  >>