للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

المذكور والاستدلال بالأثر على مفهوم الحديث؛ لأنَّ الحديث مطلق والأثر مقيد، فالحديث قد اكتسب بيانًا من الأثر؛ فافهم، والله أعلم.

[حديث: سبحان الله يا أبا هر إن المؤمن لا ينجس]

٢٨٥ - وبه قال: (حدثنا عياش)؛ بفتح العين المهملة، وتشديد التحتية، آخره شين معجمة، هو ابن الوليد البصري الرقَّام، وهو ابن عبد الأعلى بن حمَّاد، مات سنة ست وعشرين ومئتين (قال: حدثنا عبد الأعلى) هو ابن عبد الأعلى السامي؛ بالسين المهملة (قال: حدثنا حُميد)؛ بضمِّ الحاء المهملة؛ مصغرًا، المعروف بالطويل، (عن بَكْر)؛ بفتح الموحدة، وسكون الكاف؛ مكبرًا، هو المزني، (عن أبي رافع) هو نُفيع؛ بضمِّ النون، آخره عين مهملة، (عن أبي هريرة)؛ هو عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه (قال: لقيني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ أي: اجتمعنا؛ لأنَّ اللقي: الاجتماع فقط، قال تعالى: {حَتَّى إِذَا لَقِيَا (١) غُلامًا فَقَتَلَهُ} [الكهف: ٧٤]، (وأنا جنب) : جملة اسمية محلها النصب على الحال، (فأخذ بيدي)؛ بالإفراد؛ أي: قبض عليها بيده الشريفة، وفي بعض الأصول: (طريق المدينة) (حتى قعد)؛ أي: حتى وصل دار أحد أصحابه أو غيرها وجلس فيه، (فانْسلَلت)؛ بسكون النون، بعدها مهملة، ثم لامين، أولاهما مفتوحة؛ أي: خرجت، يقال: انسل من بينهم؛ أي: خرج في خفية وتستر (منه)؛ أي: من مجلس النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، أو من النبيِّ نفسه عليه السلام، والأول أظهر، وسقط لفظ: (منه) في رواية، (فأتيت)؛ بـ (الفاء)، وفي رواية: بـ (الواو) (الرحْل)؛ بسكون الحاء المهملة، وهو منزله ومكانه الذي يأوي إليه، (فاغتسلت)؛ أي: بعد أن أحضر لي الماء اغتسلت منه فيه من الجنابة، ولبست ثيابي، وصليت ركعتين، وحمدت الله وأثنيت عليه، (ثم جئت)؛ أي: ثم خرجت من الرحل ومشيت حتى جئت إلى مجلس النبيِّ عليه السلام (وهو قاعد)؛ أي: والحال أنه قاعد فيه، فالجملة حالية، والتراخي مراد به: حقيقة، كما لا يخفى؛ فما استظهره العجلوني من أنه غير مراد؛ فليس بشيء؛ لعدم اطلاعه على ما قررناه؛ فافهم، (فقال)؛ أي: النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم لأبي هريرة (أين كنت) (كان) تامة فلا تحتاج إلى الخبر، أو ناقصة فـ (أين) خبر له، وعلى الأول؛ فهو حال؛ فافهم (يا با هريرة؟»)؛ بحذف الهمزة من الأب تخفيفًا، وهو الرواية، وما في بعض النسخ من إثباتها تحريف من النساخ، وللكشميهني: (يا با هر)؛ بالحذف والترخيم، (فقلت) القائل: أبو هريرة (له)؛ أي: للنبيِّ عليه السلام، مقول القول محذوف؛ أي: قلت له: إن سبب رواحي الاغتسال من الجنابة؛ لأني كنت جنبًا حين لقيتك؛ فكرهت مجالستك وأنا على غير طهارة، (فقال) عليه السلام: (سبحان الله) منصوب بفعل محذوف لازم الحذف، وهو يراد به: التعجب؛ ومعناه: كيف خفي عليك مثل هذا الظاهر؟! (يا با هريرة)؛ بالحذف أيضًا، وفي رواية الأَصيلي وغيره: (يا با هر)؛ بالحذف والترخيم، وفي رواية أبوي ذر والوقت بحذف لفظ (يا با هريرة) فقط، وهذا الترخيم قاله جميع الشراح.

واعترضهم العجلوني فزعم أنه مبني على مذهب الكوفيين، وإلا؛ فتسميته ترخيمًا لا يخلو من شيء؛ لأنَّ المضاف إليه يرخم ترخيم نداء عند البصريين، وليس بترخيم ضرورة، ولعل المراد بالترخيم: لازم معناه اللغوي؛ وهو الترقيق والتليين ولو جعل (يا با هر) كنية أخرى له فلا حذف ولا ترخيم؛ لكان له وجه) انتهى.

قلت: وفيه نظر؛ لأنَّه قوله: (أنه مبني...) إلخ؛ لا يخفى أنهم إنَّما بنوه على مذهب الكوفيين؛ لكونه الصحيح المعتمد.

وقوله: (وإلا؛ فتسميته...) إلخ ممنوع؛ لأنَّه مبني على القول الضعيف، فلا يعول عليه.

وقوله: (ولعل...) إلخ ممنوع أيضًا، بل هو ترخيم اصطلاحي للنحويين.

وقوله: (ولو جعل...) إلخ ممنوع أيضًا؛ لأنَّه لا حاجة إلى هذا الجعل بعد أن كان ترخيمًا، وليس لما ذكره وجه، كما لا يخفى؛ فافهم، والله أعلم.

(إن المؤمن) إنَّما أكده؛ دفعًا لما توهمه أبو هريرة (لا ينجُس)؛ بضمِّ الجيم، هو الرواية؛ أي: في ذاته ما لم تعرض له نجاسة تحل به، وفي الحديث: التسبيح عند التعجب من الشيء واستعظامه، ألا ترى أنه كيف خفي على أبي هريرة طهارة الجنب حتى قال: (وأنا جنب)، فأنكر عليه ذلك قائلًا: «سبحان الله...»؛ الحديث.

وفي «عمدة القاري» : (وفي الحديث: أنه يجوز للجنب التصرف في أموره كلها قبل الوضوء أو الغسل، وفيه: رد على من أوجب عليه الوضوء، وفيه: جواز أخذ الإمام والعالم بيد تلميذه ومشيه معه معتمدًا عليه ومرتفقًا به، وفيه: أن من حسن الأدب لمن مشى مع رئيسه ألَّا ينصرف عنه ولا يفارقه حتى يعلمه بذلك، ألا ترى إلى قوله صلَّى الله عليه وسلَّم لأبي هريرة: «أين كنت؟» فدل ذلك على أنه عليه السلام استحب ألَّا يفارقه حتى ينصرف معه، وفيه: أن أخذ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بيد أبي هريرة يدل على طهارة الجنب وأنه غير نجس) انتهى.

ولا تغتر بما تعجبه ابن حجر من استنباط عدم المفارقة؛ لأنَّ له العصبية الزائدة، والشدة العادية، وقد استوفينا الرد عليه فيما مضى؛ فافهم.

وزعم العجلوني أن في الحديث: جواز مصافحة الجنب ومخالطته، انتهى.

قلت: وفيه نظر؛ لأنَّه ليس في الحديث أنه عليه السلام صافح أبا هريرة، غاية ما فيه: أنه أخذ بيده ومشى معه وهو لا يدل على المصافحة، كما لا يخفى؛ فافهم.

وقدمنا الكلام مستوفًى في الباب [الذي] قبله، والله أعلم.

(٢٥) [باب كينونة الجنب في البيت إذا توضأ قبل أن يغتسل]

هذا (باب) جواز (كينونة) أي: استقرار (الجنب في البيت إذا توضأ)؛ أي: الجنب وضوءه للصلاة (قبل أن يغتسل)؛ أي: من الجنابة، و (الكينونة) مصدر (كان)، يقال: كان كونًا وكينونة أيضًا شبهوه بالجيدودة، والطيرورة من ذوات الياء، ولم يجئ من الواو على هذا إلا أحرف كينونة، وكيعوعة، وديمومة، وقيدورة، وأصله كيِّنونة؛ بتشديد الياء، ثم خففوا وحذفوا كما حذفوا من هين وميت، ولولا ذلك؛ لقالوا كونونة، كذا قاله في «عمدة القاري» قال: وسقط في رواية الحمُّوي، والمستملي: (إذا توضأ قبل أن يغتسل)، وتمامه فيه.

[حديث: كان النبي صلى الله عليه وسلم يرقد وهو جنب]

٢٨٦ - وبالسَّند إليه قال: (حدثنا أبو نُعيم)؛ بضمِّ النون، هو الفضل بن دُكين؛ بالدال المهملة (قال: حدثنا هشام)؛ بكسر الهاء، هو الدستوائي (وشيبان)؛ هو ابن عبد الرحمن النحوي المؤدب صاحب صروف وقراءات؛ كلاهما (عن يحيى) زاد ابن عساكر: (ابن أبي كثير)، (عن أبي سَلَمَة)؛ هو ابن عبد الرحمن بن عوف.

قال في «عمدة القاري» : (وفي رواية ابن أبي شيبة بتحديث أبي سَلَمَة، ورواه النسائي عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سَلَمَة، عن ابن عمر رضي الله عنهما) انتهى؛ فافهم.

(قال) أي: أبو سَلَمَة: (سألت عائشة)؛ أي: الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما: (أكان النبيُّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ الهمزة في (أكان) للاستفهام (يرقُد)؛ بضمِّ القاف؛ أي: ينام (وهو جنب؟) : جملة اسمية وقعت حالًا من (النبي صلَّى الله عليه وسلَّم)، (قالت)؛ أي: عائشة: (نعم)؛ أي: يرقد؛ (ويتوضأ)؛ فهو معطوف على محذوف؛ تقديره: نعم؛ يرقد ويتوضأ.

فإن قلت: هل كان يتوضأ بعد الرقاد؟

قلت: الواو لا تدل على الترتيب؛ والمعنى: أنه يجمع بين الوضوء والرقاد، ولمسلم من طريق الزُّهري، عن أبي سَلَمَة: (كان إذا أراد أن ينام وهو جنب؛ يتوضأ وضوءه للصلاة)، وهذا أوضح، وعليه؛ فكأن عائشة قالت: نعم؛ إذا أراد النوم؛ يقوم ويتوضأ ثم يرقد، ويوضح هذا أيضًا حديث ابن عمر الذي ذكره المؤلف عقيب هذا الحديث على ما يأتي، كذا قرره صاحب «عمدة القاري».

ثم قال رحمه الله تعالى: ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة، قيل: أشار


(١) في الأصل: (لقي)، والمثبت موافق للتلاوة.

<<  <   >  >>