للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

غسلوا أرجلهم غسلًا خفيفًا، فأطلق عليه مسحًا لذلك، وسمى الأرجل نعالًا من تسمية المحل باسم الحالِّ فيه، أو أن المراد بالنعلين: الخفاف، كما قلنا، واستدل الحافظ الطحاوي على عدم الإجزاء بالإجماع على أن الخفين إذا تخرقا حتى يبدوا القدمان أن المسح لا يجزئ عليهما، قال: فكذلك النعلان؛ لأنَّهما يغيبان القدمين، قال ابن حجر: هذا استدلال صحيح، ولكنه منازع في نقل الإجماع المذكور، انتهى.

ثم ذكر خلاف الشيعة وبعض الصحابة والتابعين في جواز المسح على الرِّجلين، وذكر ما للعلماء في تأويل قوله: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ} [المائدة: ٦]، وقدمناه مفصلًا.

وأقول: هذا لا يدل على خلاف في جواز مسح النعلين باقيين على معناهما الحقيقي والكلام فيه حتى يرد على الحافظ الطحاوي، وإنما يدل على خلاف في مسح الرجلين وليس الكلام فيه، ثم رأيت الشيخ الإمام بدر الدين العيني صاحب «عمدة القاري» نظر فيه بوجه آخر؛ حيث قال: (قلت: هذا غير منازع فيه؛ لأنَّ مذهب الجمهور: أن مخالفة الأقل لا تضر الإجماع، ولا يشترط فيه عدد التواتر عند الجمهور، وروى الحافظ الطحاوي عن عبد الملك قال: قلت لعطاء: أَبلغك عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه مسح على القدمين؟ قال: لا) انتهى كلامه، والله تعالى أعلم.

(وأمَّا الصُّفرة؛ فإنِّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصْبغ بها)؛ من الصباغ، ويروى: (يصنع)؛ بالمهملة، والأظهر: أنَّه بالمعجمة، وبالمهملة تصحيف، (فأنا أحب أن أصبغ بها)، يحتمل صبغ ثيابه أو شعره كما تقدم، (وأمَّا الإهلال)؛ أي: بالحج أوالعمرة؛ (فإنِّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُهل) بضم التحتية (حتى تنبعث) أي: تسير (به راحلته)؛ أي: تستوي قائمة إلى طريقه، وهو كناية عن ابتداء شروعه في أفعال الحج، والراحلة: المركب من الإبل ذكرًا كان أو أنثى، واختلف في حكم الإهلال؛ فعند البعض: الأفضل أن يُهل من أول يوم من ذي الحجة، وعند مالك: الأفضل أن يحرم إذا انبعثت به راحلته، وبه قال الشافعي وأحمد، وقال إمامنا رئيس المجتهدين الإمام الأعظم وأصحابه: إنَّه يحرم عقب الصلاة جالسًا قبل ركوب دابته وقبل قيامه؛ لما رواه أبو داود عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: يا أبا العباس؛ عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله في إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أوجب، قال: إنِّي لأعلم الناس بذلك؛ إنها إنَّما كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة واحدة، فمن هنالك اختلفوا، خَرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجًّا فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتيه؛ أوجبه (١) في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه، فسمع ذلك منه أقوام، فحفظته عنه، ثم ركب، فلمَّا استقلت به ناقته؛ أهلَّ وأدرك ذلك منه أقوام؛ لأنَّ الناس إنَّما كانوا يأتون أرسالًا، فسمعوه حين استقلت به ناقته يهل فقالوا: إنَّما أهلَّ عليه السلام حين استقلت به ناقته، ثم مضى عليه السلام، فلمَّا علا على شرف البيداء؛ أهلَّ وأدرك ذلك منه أقوام، فقالوا: إنَّما أهلَّ حين علا شرف البيداء، قال سعد: فمن أخذ بقول ابن عباس؛ أهلَّ في مصلاه إذا فرغ من ركعتيه، وأخرجه الحاكم في «مستدركه» قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم مفسر في الباب، وأخرجه الحافظ الطحاوي، ثم قال: وبيَّن عليه السلام الوجه الذي جاء الاختلاف، وأن إهلاله عليه السلام الذي ابتدأ الحج ودخل به فيه كان في مصلاه، فبهذا نأخذ، فينبغي للرجل إذا أراد الإحرام؛ أن يصلي ركعتين، ثم يحرم في دبرهما كما فعل عليه السلام، هذا مذهب الإمام الأعظم وأصحابه، ولا نسلِّم أنَّ إحرامه عليه السلام من البيداء يدل على استحباب ذلك، وأنَّه فضيلة؛ لأنَّه يجوز أن يكون ذلك لا لقصد أن للإحرام منها فضيلة على الإحرام من غيرها، وقد فعله عليه السلام في حجته في مواضع لا لفعل (٢) قصده؛ من ذلك: نزوله بالمحصب، وروى عطاء عن ابن عباس قال: ليس المحصب بشيء، إنَّما هو منزل رسول الله عليه السلام، فلما حصب عليه السلام ولم يكن ذلك لأنَّه سنة؛ فكذلك يجوز أن يكون إحرامه من البيداء كذلك، وأنكر الزهري، وعبد الملك بن جريج، وعبد الله بن وهب أن يكون عليه السلام أحرم من البيداء، وقالوا: ما أحرم إلَّا من المسجد، ورووا في ذلك ما روى مالك عن موسى بن عقبة، عن (٣) سالم، عن أبيه أنَّه قال: بيداؤكم (٤) هذه التي تكذبون على رسول الله عليه السلام [أنه أهل] منها، ما أهلَّ عليه السلام إلا من عند المسجد؛ يعني: مسجد ذي الحليفة، أخرجه الحافظ الطحاوي، وأخرجه الترمذي أيضًا، وأخرج الترمذي أيضًا وحسنه: أنَّه عليه السلام أهلَّ بالحج حين فرغ من ركعتيه.

فإن قلت: كيف يجوز لابن عمر أن يطلق الكذب على الصحابة؟

قلت: الكذب يجيء بمعنى الخطأ؛ لأنَّه يشبهه في كونه ضد الصواب، كما أن الكذب ضد الصدق، افترقا من حيث النية والقصد؛ لأنَّ الكاذب يعلم أن الذي يقول كذب، والمخطئ لا يعلم، ولا يظن به أنَّه (٥) كان ينسب الصحابة إلى الكذب.

قال الحافظ الطحاوي: فلمَّا جاء هذا الاختلاف؛ بيَّن ابن عباس الوجه الذي جاء فيه الاختلاف كما ذكرنا، وتمامه في «عمدة القاري».

(٣١) [باب التيمن في الوضوء والغسل]

هذا (باب التيمن)؛ أي: استحباب الابتداء باليمين (في الوضوء والغُسل)؛ بضم الغين المعجمة، اسم للفعل، أوبفتحها مصدرًا على المشهور فيهما، وقيل: (الغُسل)؛ بالضم: الماء، وبالضم والفتح في المصدر، وقيل: المصدر بالفتح، والأغسال؛ كالجمعة؛ بالضم، أمَّا بالكسر؛ فما يغسل به؛ كالخطمي ونحوه.

[حديث: ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها]

١٦٧ - وبه قال: (حدثنا مسدد) : هو ابن مسرهد (قال: حدثنا إسماعيل) : هو ابن علية؛ بالتصغير (قال: حدثنا خالد)؛ أي: الحذاء؛ بالذال المعجمة، (عن حفصة بنت سيرين)، تكنى أم الهذيل الأنصارية البصرية الفقيهة أخت محمد بن سيرين، المتوفاة في حدود المئة عن سبعين سنة، (عن أم عطية) بنت كعب أو بنت الحارث، واسمها نُسَيبة؛ بضم النُّون، وفتح الموحدة، قبلها مثناة تحتية ساكنة، آخره هاء، وحكي: فتح النُّون مع كسر السين المهملة، ولها صحبة ورواية، تعد في أهل البصرة، وكانت تغسل الموتى، وتمرِّض المرضى، وتداوي الجرحى، وتغزو مع النبي الأعظم عليه السلام، غزت معه سبع غزوات، وشهدت خيبر، وكان علي رضي الله عنه يقيل عندها، وكانت تنتف إبطه بورسة (قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهن)؛ أي: لأم عطية ومن معها (في) صفة (غسل ابنته) زينب رضي الله عنها، كما في «مسلم»، ماتت في السنة الثانية، ونقل عياض أنَّها أم كلثوم زوج عثمان بن عفان، غسلتها أسماء بنت عميس وصفية بنت عبد المطلب، وشهدت أم عطية غسلها، قال: والصواب: أنَّها زينب، وقد يجمع بينهما بأنَّها غسلت زينب، وحضرت غسل أم كلثوم، وذكر المنذري: أنَّ أم كلثوم توفِّيت والنبي عليه السلام ببدر غائب، وقد غلط في ذلك فتلك رقيَّة، ولمَّا دفن أم كلثوم؛ قال عليه السلام: «دفن البنات من المكرمات»، كذا في «عمدة القاري»، والله تعالى أعلم.


(١) في الأصل: (أوجه)، وهو تحريف.
(٢) كذا في الأصل، ولعل المراد: (لا لفضل).
(٣) في الأصل: (بن)، وهو تحريف.
(٤) في الأصل: (ببيداء ولم).
(٥) في الأصل: (أن)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>