للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الماء، وإنما أزالت الدم بريقها؛ ليذهب أثره، ولم تقصد تطهيره) انتهى.

قلت: وهذا فاسد وكلام بارد؛ لأنَّ قوله: (إن الحديث ليس مخالفًا لما تقدم...) إلخ ممنوع؛ لأنَّه لا حاجة إلى هذا الحمل، وليس فيه حمل المطلق على المقيد، بل هذا الحديث صريحه في هذه الحادثة فقط، وما تقدم في حادثة أخرى؛ فالحمل غير صحيح، وقوله: (أو لأنَّ هذا الدم...) إلخ فاسد؛ فإن إمامهم الشافعي لم ير العفو في شيء من النجاسات حتى قال: يجب غسل ما يراه الطرف من النجاسة، فكيف يقول بالعفو؟! فالحديث حجة عليه قطعًا، وقوله: (فلذا لم يذكر أنها غسلته...) إلخ هذا اعتراف منه بأن الغسل لم يصح عنها؛ فانظر إلى هذا الاضطراب في كلامه، وقوله: (وأما الكثير...) إلخ قد علمت أن مذهبهم عدم الفرق بين القليل والكثير، وقوله: (فصح عنها...) إلخ فاسد؛ لأنَّه لم يصح عنها ذلك أصلًا، وإنما هو من قول البيهقي، قاله ترويجًا لما ذهب إليه إمامه، ولأنَّه لو كان صحيحًا؛ لذكرته عائشة هنا، فعدم ذكرها دليل على الاكتفاء بالريق للتطهير، وأنه مطهر ولا خصوصية للماء في التطهير؛ لأنَّ المقصود الإزالة، وقد حصلت، وقوله: (لكن يبقى النظر...) إلخ هذا هو عين ما قدمه، وقد اعترف بعدم العفو عنه؛ فانظر إلى هذا الكلام المتناقض، وقوله: (وليس فيه أنها صلت...) إلخ فاسد وممنوع، فقد كانت تصلي في هذا الثوب الذي مصعته بريقها، وتعتكف فيه، يدل عليه قول عائشة: (ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه) فهو يعين عدم التعدد في الثوب؛ يعني: ليس لكل واحدة منهن إلا ثوب واحد للحيض والطهر، والحديث الثاني الذي ساقه المؤلف صريح أنها كانت تصلي فيه؛ لأنَّه قالت عائشة: (اعتكفت مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم امرأة من أزواجه...) إلى أن قالت: (وهي تصلي) فهو صريح في أنها كانت تصلي في هذا الثوب؛ لأنَّه لم يكن لها غيره، كما قالت عائشة، والأحاديث يفسر بعضها بعضًا، ويدل لذلك أن القصة واحدة، ولهذا ذكر المؤلف هذه الأحاديث في باب واحد وفرقها وإن كانت القصة واحدة؛ لما عليه من العادة التي اتبعها من أنه يذكر ما سمعه من أشياخه، فكم رأيت حديثًا واحدًا يذكره كثيرًا في مواضع متعددة! وليس له فائدة سوى تعدد أشياخه، فالحديث المذكور حجة قوية، ومحجة مستقيمة لمن قال: إن إزالة النجاسة تجوز بغير الماء من كل مائع طاهر قالع، وهو قول الإمام الأعظم رئيس المجتهدين وسيدهم صاحب المذهب المعظم رضي الله عنه، وقوله: (وإنما أزالت الدم...) إلخ ممنوع؛ فإنما فعلت بريقها لأجل تطهيره وهو قصدها؛ لأنَّها لو لم يكن قصدها ذلك؛ لما كان يلزم لها الريق، فقد كانت تحتُّه بظفرها بدون الريق لو كان مرادها ذهاب أثره، فإجراء الريق عليه دليل على أن مرادها التطهير من النجاسة، كما لا يخفى.

وفي الحديث دليل على أن إزالة النجاسة لا يشترط فيها العدد، بل المراد: الإنقاء.

وفيه دليل على جواز إزالة النجاسة بغير الماء، وفيه أن الدم نجس، وهو إجماع.

وفيه دليل على أن قدر الدرهم من النجاسة معفو عنه، وتصح معه الصَّلاة.

وفيه دليل على أن النجاسة إذا كانت كثيرة في ثوبه أو بدنه؛ يجب عليه تقليلها بالأحجار ونحوها إن لم يجد ما يزيلها حتى تصير بمقدار المعفو عنه، والله تعالى أعلم.

(١٢) [باب الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض]

هذا (باب) استحباب استعمال (الطيب للمرأة) غير المحرمة (عند غُسلها)؛ بضمِّ الغين المعجمة، أي: اغتسالها (من الحيض) ولابن عساكر: (من المحيض) بزيادة الميم، وكذا النفاس؛ لإزالة الرائحة الكريهة، وكذا الجنابة؛ لأنَّه أنشط للمعاودة، لكن الأول آكد في الاستحباب، قال في «عمدة القاري» : (وجه المناسبة بين البابين؛ من حيث إن في الباب الأول إزالة الدم من الثوب، وهو التنظيف والإنقاء، وفي هذا الباب التطيب، وهو زيادة التنظيف).

[حديث: كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث]

٣١٣ - وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب) هو أبو محمَّد الحجبي البصري، بالحاء المهملة، بعدها جيم، ثم موحدة (قال: حدثنا حمَّاد بن زيد) بفتح الحاء المهملة، وتشديد الميم، (عن أيُّوب) : هو السختياني، (عن حفصة) هي بنت سيرين الأنصارية أم الهذيل، زاد في رواية المستمليوكريمة: (قال أبو عبد الله أو هشام بن حسان، عن حفصة)، و (أبو عبد الله) هو المؤلف، و (حسان) بالصرف وعدمه؛ من الحس أو الحسن، فكأن المؤلف شك في شيخ حمَّاد أهو أيُّوب أو هشام؟ وليس ذلك عند بقية الرواة، ولا عند أصحاب الأطراف، وقد أورد المؤلف هذا الحديث في كتاب «الطلاق» بهذا الإسناد؛ فلم يذكر ذلك، كذا قاله إمام الشارحين في «عمدة القاري»، (عن أم عطية) هي نُسَيبة -بضمِّ النون، وفتح السين المهملة- بالتصغير، بنت الحارث، كانت تمرض المرضى، وتداوي الجرحى، وتغسل الموتى رضي الله عنها (قالت: كنا نُنهى)؛ بضمِّ النون الأولى على صيغة المفعول، والناهي هو: النَّبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، كما دلت عليه رواية هشام المعلقة المذكورة في آخر الحديث، وهذه الصيغة في حكم المرفوع، وكذلك كنا وكانوا، ونحو ذلك؛ لأنَّه وقع في زمن النَّبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، وقرَّرهم عليه، فهو مرفوعٌ معنًى، كذا قاله إمام الشارحين في «عمدة القاري» (أن نُحِد) بضمِّ النون، وكسر الحاء المهملة، وفي رواية: (تحد) بمثناة فوقية؛ أي: المرأة، من الإحداد؛ وهو الامتناع من الزينة، قال الجوهري: أحدَّت المرأة؛ أي: امتنعت من الزينة والخضاب بعد وفاة زوجها، وكذلك حدَّت تحُدُّ بالضم، وتحِدُّ بالكسر حدادًا، أو هي حاد، ولم يعرف الأصمعي إلا أحدت، فهي محدة، كذا في «المحكم»، وأصل هذه المادة: المنع، ومنه قيل للبواب: حدَّاد؛ لأنَّه يمنع الدخول والخروج، وأغرب بعضهم؛ فحكاه بالجيم، من جددت الشيء، فكأنها قد انقطعت عن الزينة، وعما كانت قبل ذلك، كذا في «عمدة القاري»، وكلمة «أن» مصدرية، والتقدير: كنا ننهى عن الإحداد (على ميْت)؛ بتخفيف التحتية: مَن حلَّ به الموت، وبتشديدها: من سيموت، قال الله عز وجل: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [الزمر: ٣٠]، وهذه التفرقة لجمهور العلماء، وبعضهم لم يفرق بينهما، فيقال لمن حل به الموت: بالتشديد، (فوق ثلاث) تعني به: الليالي مع أيامها، ولذلك أنث العدد (إلا على زوج) كذا في أكثر الروايات، وفي رواية المستملي، والحموي: (إلا على زوجها)، والأول موافق للفظ «نحد» بالنون، والثاني موافق للفظ «تحد» بالغيبة، وقال إمام الشارحين في «عمدة القاري» : ويقال في توجيه الثاني: إن الضمير يعود على الواحدة المندرجة في قولها: (كنا ننهى) أي: كل واحدة منهن، انتهى، وقد خبط وخلط الكرماني هنا؛ فاجتنبه، (أربعة أشهر وعشرًا) أي: عشر ليال، إذ لو أريد به الأيام؛ لقيل: عشرة بالتاء، قال إمام الصنعة العلامة الزمخشري في قوله تعالى: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤] : (لو قلت في مثله: «عشرة»؛ لخرجت عن كلام العرب، لا نراهم قط يستعملون التذكير فيه)، وقيل: الفرق بين المذكر والمؤنث في الأعداد إنَّما هو عند ذكر المميز، أما ما لم يذكر؛ جاز فيه التاء وعدمه مطلقًا، فإن قلت: و (عشرًا) منصوب بماذا؟ قلت: هو عطف على

<<  <   >  >>