للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (أربعة) وهو منصوب على الظرفية، كذا في «عمدة القاري»، وقال المبرد: إنما أنث العشر؛ لأنَّ المراد به: المدة المعينة، وعشر: مدة، وكل مدة من يوم وليلة، فالليلة مع يومها مدة معلومة من الدهر، وقيل: لم يقل: عشرة؛ تغليبًا لحكم الليالي؛ لأنَّ الليلة أسبق من اليوم والأيام في ضمنها، و (عشرًا) أخف في اللفظ؛ فتغلب الليالي على الأيام إذا اجتمعت في التاريخ؛ لأنَّ ابتداء الشهور بالليل عند الاستهلال، فلما كان أول الشهر الليلة؛ غلب الليلة، تقول: صمنا خمسًا من الشهر، فتغلب الليالي وإن كان الصوم بالنهار، وقيل: تأنيث العشر بدون التاء؛ اعتبارًا بكون معدودها الليالي، والليالي مؤنث، قال تعالى: {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} [الحاقة: ٧]، والوجه في اعتبار الليالي وجعلها مبدأ للتأريخ أن شهور العرب قمرية، وابتداؤها من طلوع الهلال وهو في الليل؛ فيكون الليل في تاريخهم سابقًا على النهار؛ فلهذا خصوا تاريخهم بالليالي دون الأيام حتى قالوا: صمنا عشر ليالٍ، والصوم إنَّما يكون في الأيام، وتذكير المعدود يقتضي زيادة التاء في اسم العدد من الثلاثة إلى العشرة، وإنما قدرت هذه المدة؛ لأنَّ الجنين في غالب الأحوال يتحرك لثلاثة أشهر إن كان ذكرًا، ولأربعة إن كان أنثى؛ فاعتبر أقصى الأجلين، وزيد عليه العشر استعانة بتلك الزيادة على العلم ببراءة الرحم؛ إذ ربما تضعف حركته في المبادئ فلا يحس بها، وقيل: إنَّما قدرت بذلك؛ لأنَّ الولد يكون أربعين يومًا نطفة، وأربعين يومًا علقة، ووأربعين يومًا مضغة، ثم ينفخ فيه الروح في العشر، فلما كان الأمر كذلك؛ أمرت بتربص أربعة أشهر وعشر؛ ليتبين الحمل إن كان بها؛ فافهم، (ولا نكتحل) بالرفع في أكثر الروايات، ويروى بالنصب، فتوجيهه أن تكون «لا» زائدة، أو توكيدًا، فإن قلت: لا يؤكد إلا إذا تقدم النفي عليه؛ قلت: قد تقدم معنى النفي: وهو النهي، كذا قاله إمام الشارحين في «عمدة القاري»؛ يعني: أنه على رواية النصب معطوف على المنصوب السابق، وما قاله إمام الشارحين قد ارتضاه الدماميني، وتبعه القسطلاني وغيره.

(ولا نتطيب) بالنون فيهما، (ولا نلبس ثوبًا مصبوغًا) سواء كان بزعفران أو بعصفر، أو بمفرة (إلا ثوب عَصْب)؛ بفتح العين، وسكون الصاد المهملتين، آخره موحدة، هو من برود اليمن يصبغ غزلها ثم ينسج، وفي «المحكم» : (هو ضرب من برود اليمن يعصب غزله)؛ أي: يجتمع ثم ينسج، ثم يصبغ، وقيل: هي برود مخططة، وفي «المنتهى» : (العصب في اللغة: إحكام القتل (١) والطي، وشدة الجمع واللي، وكل شيء أحكمته فقد عصبته، ومنه أخذ (٢) عصب اليمن؛ وهو المفتول من برودها، والعصب: الخيار)، وفي «المحكم» : (وليس من برود الرقم ولا يجمع، وإنما يقال: برود عصب، وبرود عصب، وربما اكتفوا بأن يقولوا عليه المعصب، لا البرد عرف بذلك)، زاد في «المخصص» : (لا يُثنَّى ولا يجمع؛ لأنَّه أضيف إلى الفعل، وإنما العلة فيه الإضافة إلى الجنس)، قال الجوهري: (ومنه قيل للسحاب كاللطخ: عصب)، قال القزاز: (وكان الملوك تلبسها)، وروي عن عمر رضي الله عنه: أنه أراد أن ينهى عن عصب اليمن، وقال: (نبت يصبغ بالبول)، ثم قال: (نهينا عن التعمق)، وفي حديث ثوبان: «اشتر لفاطمة قلادة من عصب»، قال الخطابي: (إن لم يكن الثياب اليمانية؛ فلا أدري، وما أدري أن القلادة تكون منها)، وقال أبو موسى: (ذكر لي بعض أهل اليمن أنه: سن دابة مجرية تسمى: فرس فرعون يتخذ منها الخرز، ويكون أبيض)، كذا في «عمدة القاري»، (وقد رخص لنا) أي: رخص النَّبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم التطيب بالتبخير لهن، فهو في حكم المرفوع، كما سبق (عند الطهر) أي: من الحيض والنفاس (إذا اغتسلت إحدانا من محيضها) ونفاسها لإزالة الرائحة الكريهة عنها؛ لما يستقبله من الصَّلاة ومجالسة الملائكة؛ لئلا تؤذيهم برائحة الدم، (في نبْذة)؛ بضمِّ النون وفتحها، وسكون الموحدة، وبالذال المعجمة، وهو الشيء اليسير، والمراد به: القطعة، والجمع أنباذ، كذا في «عمدة القاري»؛ أي: في قطعة يسيرة (من كُسْت ظفار) بضمِّ الكاف، وسكون السين المهملة، كذا هو في هذه الرواية، و (ظَفارِ)؛ بفتح أوله، آخره راء مكسورة، مبني على الكسر، مدينة باليمن وبها قصر الملكة يقال: إن الجن بنتها، وفي أثبت الروايات: (من جزع ظفار)، وفي رواية أخرى: (ظفارى)، وقال ابن التين: (صوابه: قسط ظفار، منسوب إلى ظفار؛ وهي بساحل من سواحل عدن)، وقال القرطبي: هي مدينة باليمن، والذي في «مسلم» : (قسط وظفار) بالواو، وهو الأحسن؛ فإنهما نوعان؛ قيل: هو شيء من العطر أسود، والقطعة منه شبيهة بالظفر، وهو بخور رخص فيه للمغتسلة من الحيض؛ لإزالة الرائحة الكريهة.

وقال الصغاني: (ظفار في اليمن أربعة مواضع؛ مدينتان وحصنان؛ أما المدينتان؛ فإحداهما: ظفار الجعل كان ينزلها المتبايعة، وهي على مرحلتين من صنعاء، وإليها ينسب الجزع، والأخرى: ظفار الساحل قرب سرباط، وإليها ينسب القسط يجلب إليها من الهند، والحصنان؛ أحدهما: في يمان صنعاء على مرحلتين، وتسمى: ظفار الواديين، والثاني: في بلاد همدان، وتسمى: ظفار الطاهر)، وفي «المحكم» : (الظفر: ضرب من العطر أسود مقلب من أصله على شكل ظفر الإنسان، موضع في الدخنة، والجمع أظفار، وأظافير)، وقال صاحب «المعين» : (لا واحد له، وظفر ثوبه؛ طيبه بالظفر)، وفي «الجامع» : (الأظفار: شيء من العطر شبيهة بالأظفار يتخذ منها، ولا يفرد واحدها، وإن أظفر؛ فهو إظفارة)، وفي كتاب «الطيب» للمفضل بن سَلَمَة: (القسط، والكشط، والكست؛ ثلاث لغات) قال: وهو من طيب الأعراب، وسماه ابن البيطار في كتاب «الجامع» : راسنا أيضًا، وقال الأزهري: (واحده ظفر)، وقال غيره: الأظفار: شيء من العطر، وقال الشيخ إسماعيل: (الأظفار: شيء يتداوى به؛ كأنه عود وكأنه يثقب ويجعل في القلادة)، كذا قرره إمام الشارحين في «عمدة القاري»؛ فافهم، والله الهادي، (وكنا نُنهى)؛ بضمِّ النون الأولى على صيغة المجهول، والناهي هو النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، وهذه الصيغة في حكم المرفوع، كما قدمناه، (عن اتباع الجنائز) والنهي للتحريم، ففي الحديث تحريم اتباع النساء الجنائز، كما يأتي في موضعه مفصلًا إن شاء الله تعالى، وفي الحديث دليل على وجوب الإحداد على المرأة الكبيرة الحرة سواء كانت مدخولًا بها أو غيرها، وسواء كانت بكرًا أو ثيبًا، أما الصغيرة الأمة؛ فلا إحداد عليها؛ وذلك لأنَّ الأحاديث الواردة في هذا الباب مطلقة؛ فتنصرف إلى الكامل، وهي البالغة الحرة، ولأن الصغيرة لا تحسن الإحداد، ولا يلزم أهلها أن يجنبوها ذلك، والأمة خارجة عن الإحداد؛ لأنَّ الأحاديث وقعت في الأحرار، وهي قرينة قوية على أنه لا إحداد عليهما؛ فالخطاب في وجوب الإحداد إنَّما كان لمعين وهو الحرة


(١) في الأصل: (الطفل)، ولعله تحريف.
(٢) في الأصل: (الحد)، وهو تحريف.

<<  <   >  >>