للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(أجمعوا على أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء)، وقال ابن إسحاق: (ثم إن جبريل عليه السَّلام أتى الوادي، فهمز بعقبه في ناحية الوادي، فانفجرت فيه عين ماء مزن، فتوضأ جبريل عليه السَّلام، ومحمد عليه السَّلام ينظر إليه، فرجع النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، فأخذ بيد خديجة رضي الله عنها، ثم أتى بها إلى العين، فتوضأ كما توضأ جبريل عليه السَّلام، ثم صلى هو وخديجة ركعتين كما صلى جبريل عليه السَّلام).

وقال نافع بن جبير: (أصبح النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم ليلة الإسراء، فنزل جبريل عليه السَّلام حين زاغت الشمس، فصلى به).

وقال جماعة: لم يكن صلاة مفروضة قبلها إلا ما كان أمر به من قيام الليل من غير تحديد ركعات، ووقت حضور، وكان يقوم أدنى من ثلثيه ونصفه وثلثه.

الثاني عشر: فيه أن أرواح المؤمنين يصعد بها إلى السماء.

الثالث عشر: فيه أن أعمال بني آدم الصالحة تسر آدم، وأعمالهم السيئة تسوءه.

الرابع عشر: فيه أنه يجب أن يرحب بكل أحد من الناس في حسن لقائه بإكرام النازل أن يلاقيه بأحسن صفاته وأعمها بجميل الثناء عليه.

الخامس عشر: فيه أن أوامر الله تعالى تكتب بأقلام شتى، وأن العلم ينبغي أن يكتب بأقلام كثيرة، تلك سنة الله في سماواته، فكيف بأرضه؟

السادس عشر: فيه أن ما قضاه وأحكمه (١) من آثار معلومة، وآجال مكتوبة، وشبه ذلك مما لا يبدل لديه، وأما ما نسخه رفقًا بعباده؛ فهو الذي قال فيه: {يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ} [الرعد: ٣٩]، وقال إمام الشَّارحين:

فإن قلت: إنه عليه السَّلام عرج به على دابة يقال لها: البراق، وثبت ذلك بالتواتر، فما الحكمة في ذلك، وكان الله تعالى قادرًا (٢) على رفعه في طرفة عين بلا براق؟

قلت: إنَّما كان ذلك للتأنيس بالمعتاد، والقلب إلى ذلك أميل، وعرج به؛ لكرامة الراكب على غيره، ولذلك لم ينزل عنه على ما جاء في حديث حذيفة: (ما زال ظهر البراق حتى رجع)، وإنما لم يذكر في الرجوع؛ للعلم به؛ لقرينة الصعود، وسمي براقًا؛ لسرعته تشبيهًا ببرق السحاب، وكانت بغلته عليه السَّلام بيضاء؛ أي: شهباء، فكذلك كان البراق، وفيه أسئلة:

الأول: كون البراق على شكل البغل دون الخيل مع أن الخيل أفضل وأحسن؟

والجواب: كان الركوب في السلم والأمن لا في الخوف والحرب؛ ولإسراعهِ عادة، ولتحقيق ثباته وصبره؛ فلهذا كان عليه السَّلام يركب بغلته في الحرب في قصة حنين؛ لتحقيق ثباته في مواطن الحرب، وأما ركوب الملائكة الخيل؛ فلأنه المعهود بالخيل في الحروب، وما لطف من البغال واستدار أحسن من الخيل في الوجوه التي ذكرناها.

الثاني: استصحاب البراق لماذا كان؟

والجواب: إنه كان تيهًا وزهوًّا لركوبه عليه السَّلام، وقول جبريل عليه السَّلام: أبمحمد (٣) تستصعب تحقيق الحال، وقد ارفضَّ عرقًا من تيه الجمال؟ وقد قيل: إنه ركبه الأنبياء قبله أيضًا، وقيل: إن جبريل ركب معه؛ لبعد عهده بالأنبياء عليهم السلام، وطول الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام، وقيل: إن جبريل قال لمحمد عليهما السلام حين شمس به البراق: لعلك يا محمد مسست الصفراء اليوم -يعني: الذهب- فأخبره النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم أنه ما مسها إلَّا أنه مر بها، فقال: «تبًّا لمن يعبدك من دون الله»، وما شمس إلَّا لذلك، ذكره السهيلي، وسمعت من بعض أستاذتي الكبار: أنه إنَّما شمس؛ ليعد له النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم بالركوب عليه أولًا يوم القيامة، فلما وعد له؛ قر) انتهى كلام إمام الشَّارحين رضي الله عنه وأرضاه، وجعل الجنة متقلبه ومثواه، آمين.

[حديث: فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين]

٣٥٠ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) : هو التنيسي المنزل الدمشقي الأصل، المتوفى سنة ثمان عشرة ومئتين، وفي يوسف تثليث السين المهملة مع الهمز، وتركه؛ ومعناه بالعبرانية: جميل الوجه (قال: أخبرنا مالك) : هو ابن أنس الأصبحي المدني، (عن صالح بن كَيسان)؛ بفتح الكاف: هو المدني التابعي، المتوفى وهو ابن مئة سنة ونيف وستين سنة، (عن عُرْوة)؛ بضم العين، وسكون الراء المهملتين (بن الزبير)؛ بضم الزاي، وفتح الموحدة: هو ابن العوام، (عن عائشة أم المؤمنين) : هي الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما، قال تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: ٦]، وهو من باب التشبيه البليغ، حذفت منه أداة التشبيه للمبالغة، ووجه الشبه: وجوب تعظيمهن وحرمة نكاحهن، قال تعالى: {وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} [الأحزاب: ٥٣]، وهن فيما وراء ذلك كالأجانب، وليس المراد التشبيه في جميع أحكام الأمهات، ألا ترى أن النظر إليهن والخلوة بهن حرام، كما في الأجانب، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: ٥٣]، ولا يقال لبناتهنَّ: هن أخوات المؤمنين، ألا ترى أنه عليه السَّلام زوج بناته لعلي وذي النورين رضي الله عنهما، ولا يقال أيضًا لإخوتهنَّ وأخواتهن: أخوال المؤمنين وخالاتهم؛ لأنَّه قد تزوج الزبير أسماء بنت أبي بكر أخت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهنَّ، وهذا معنى ما روى مسروق: أن امرأة قالت لعائشة رضي الله عنها: يا أمه، فقالت: (لست لكِ بأمٍّ، إنَّما أنا أم رجالكنَّ)، فالمراد في معنى الآية: التشبيه في بعض الأحكام، وهو كونهن محرمات على الرجال؛ كحرمة أمهاتهم؛ يعني: حرمة مؤبدة.

(قالت) أي: عائشة: (فرض الله)؛ أي: قدر الله، والفرض في اللغة: التقدير، هكذا فسره أبو عمر (الصلاة)؛ أي: الرباعية، وذلك لأنَّ الثلاثية وتر صلاة النهار، وأشار إلى ذلك في رواية أحمد من حديث ابن إسحاق قال: حدثني صالح بن كيسان عن عروة... إلى آخره وفيه: (إلا المغرب، فإنها كانت ثلاثًا)، وذكر الداودي: (أن الصلوات زيدت ركعتان ركعتان، وزيدت في المغرب ركعة).

قلت: وفيه نظر؛ لما في رواية أحمد المذكورة آنفًا، فإنها صريحة في أن المغرب كانت ثلاثًا، ويدل عليه أيضًا ما في «سنن البيهقي» من حديث داود بن أبي هند، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة قالت: (إن أول ما فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فلما قدم النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم المدينة واطمأن؛ زاد ركعتين غير المغرب، فإنها وتر صلاة الغداة)، قالت: (وكان إذا سافر صلى الصلاة الأولى)، كذا في «عمدة القاري».

(حين فرضها) قال ابن إسحاق: ثم إن جبريل أتى الوادي، فهمز بعقبه في ناحيته، فانفجرت


(١) في الأصل: (ما قضا وأحكم)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (قادر)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٣) في الأصل: (ألمحمد)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>