للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الفخذ منه لفخذه عليه السَّلام لا يمكن كما يشاهد في حال الراكبين، ولو كان النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم على حمار؛ لما أمكن مس ركبة أنس فخذه عليه السَّلام؛ لأنَّ الفرس أعلى من الحمار، فتعين أنه عليه السَّلام كان يوم خيبر راكبًا (١) على فرس، وأن أبا طلحة كذلك؛ فليحفظ.

(ثم حُسِر)؛ بضم الحاء، وكسر السين المهملتين على صيغة المجهول؛ أي: كشف (الإزار) بالرفع نائب فاعل (عن فخذه) متعلق بقوله: (حسر)، وذلك بسبب قوة جريه عليه السَّلام، أو بسبب كثرة الزحام، أو بسبب الريح، أو غير ذلك.

وزعم الكرماني أن في بعض الروايات: (على فخذه)؛ أي: الإزار الكائن على فخذه، فلا يتعلق بـ (حسر)، إلا أن يقال: حروف الجر يقام بعضها مقام الآخر، قال إمام الشَّارحين: إن صحت الرواية هذه؛ يكون متعلق (على) محذوفًا كما قاله؛ لأنَّه حينئذ لا يجوز أن يتعلق (على) بقوله: (حسر)؛ لفساد المعنى، ويجوز أن تكون (على) بمعنى (من)، كما في قوله تعالى: {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ} [المطففين: ٢]؛ أي: من الناس؛ لأنَّ (على) تأتي لتسعة معان (٢)؛ منها: أن تكون بمعنى (من)، انتهى.

(حتى إني أنظر) : وفي رواية الكشميهني: (حتى إني لأنظر)؛ بزيادة لام التأكيد (إلى بياض فخذ نبيِّ الله صلَّى الله عليه وسلَّم) : وقد علمت أن لفظة (حُسِر) بالبناء للمجهول، وهو ثابت في أكثر الروايات، واعتمده إمام الشَّارحين قال: والدليل على صحة هذا ما وقع في رواية أحمد في «مسنده» من رواية إسماعيل ابن علية: (فانحسر)، وكذا وقع في رواية مسلم، وكذا رواه الطبري عن يعقوب بن إبراهيم شيخ البخاري في هذا الموضع، وروى الإسماعيلي هذا الحديث عن القاسم بن زكريا، عن يعقوب بن إبراهيم، ولفظه: (وأجرى نبي الله صلَّى الله عليه وسلَّم في زقاق خيبر؛ إذ خر الإزار)، قال: ولا شك أن الخرور هنا بمعنى: الوقوع، فيكون لازمًا، وكذلك الانحسار في رواية مسلم، وهذا هو الأصوب؛ لأنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم لم يكشف إزاره عن فخذه قصدًا، وإنما انكشف عن فخذه؛ لأجل الزحام، أو كان ذلك من قوة إجرائه صلَّى الله عليه وسلَّم، انتهى.

وفي رواية «الفرع» : (حَسر)؛ بفتح الحاء والسين المهملتين مبنيًّا للفاعل؛ أي: كشف الإزار، وزعم ابن حجر أنَّ هذا المعنى هو الصواب (٣)؛ لقول أنس في أول الباب: (حسر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن فخذه)، ولا يلزم من وقوعه، كذلك في رواية مسلم ألَّا يقع عند البخاري على خلافه، انتهى.

ورده إمام الشَّارحين فقال: اللائق بحاله الكريمة صلَّى الله عليه وسلَّم ألَّا يثبت إليه كشف فخذه قصدًا مع ثبوت قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «الفخذ عورة» على ما تقدم.

وقوله: (لا يلزم من وقوعه...) إلى آخره: منع هذه الملازمة ممنوعة، ولئن سلمنا؛ فيحتمل أن أنسًا رضي الله عنه لما رأى فخذه عليه السَّلام مكشوفًا؛ ظن أنه عليه السَّلام كشفه، فأسند الفعل إليه، وفي نفس الأمر لم يكن ذلك إلا من أجل الزحام أو من قوة الجري على ما ذكرنا، انتهى.

قلت: على أن (حَسر) بالبناء للفاعل غير ظاهر الثبوت في الرواية، وإنما هو ظن وتخمين من ابن حجر أنه الصواب وليس بصواب كما ظن، فإن استدلاله بقول أنس أول الباب فاسد؛ لأنَّ البخاري علقه بذكر هذه القطعة من هذا الحديث، وذكره بالمعنى لا باللفظ، وأراد به الإشارة إلى أن الفخذ عورة أم لا؟ على أنه يحتمل معناه: حسر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن فخذه؛ أي: الإزار بسبب أنه تعلق مع غيره من الركاب، فأراد تخليصه من فرس الراكب، فانحسر عن فخذه بغير قصد منه، ويحتمل غير ذلك، فلا دلالة في ذلك على ما ادعاه.

وقوله: (لا يلزم من وقوعه، كذلك في رواية مسلم...) إلى آخره: ممنوع، فإن الأحاديث تفسر بعضها بعضًا، لا سيما في حديث واحد وقصة واحدة، فإنه قد روي أيضًا هكذا عند أحمد في «مسنده»، وكذا رواه الطبري والإسماعيلي هكذا في هذا الحديث، فمنع الملازمة ممنوع، كما لا يخفى، وعليه؛ فيتعين أن يكون أنس رأى فخذه عليه السَّلام مكشوفًا، فظن أنه عليه السَّلام كشفه، فأسند الفعل إليه، والحال أنه لم يكن كذلك؛ بل من أجل الزحام، أو تعلقه بالغير من الركاب، أو غير ذلك، وهذا هو الصواب، كما لا يخفى على أولي الألباب.

(فلما دخل) أي: النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه (القرية)؛ أي: خيبر، وهذا مشعر بأن ذلك الزقاق كان خارج القرية، كذا في «عمدة القاري» (قال) عليه السَّلام: (الله أكبر خربت خيبر)؛ أي: صارت خرابًا، وهل كان ذلك على سبيل الخبرية؟ فيكون من باب الإخبار بالغيب، أو يكون ذلك على جهة الدعاء عليهم، أو على جهة التفاؤل بخرابها لما رآهم خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم، وذلك من آلات الحراث، ويجوز أن يكون أخذ من اسمها، وقيل: إن الله تعالى أعلمه بذلك، قاله إمام الشَّارحين.

(إنَّا) أصله: (إننا)، فحذفت نون الضمير تخفيفًا (إذا نزلنا بساحة قوم) : ساحة الدار: باحتها؛ بالحاء المهملة، والجمع: ساح وساحات، وسوح أيضًا؛ مثل: بدنة وبدن، وخشبة وخشب، كذا في «الصحاح»، قال إمام الشَّارحين: (وعلى هذا؛ فأصل «ساحة» : سوحة، قلبت الواو ألفًا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها، وأصل الساحة: الفضاء بين المنازل، وتطلق على الناحية، والجهة، والفناء) انتهى.

قلت: ويدل عليه قول القرطبي: ومعنى بساحتهم؛ أي: بدارهم، كذا عن السدي وغيره، والساحة والسحسة في اللغة: فناء الدار، وقال الفراء: (نزل بساحتهم، ونزل بهم سواء) انتهى.

({فَسَاءَ صَبَاحُ المُنذَرِينَ}) [الصافات: ١٧٧]؛ بفتح الذال المعجمة، (فساء) : فعل ذم بمعنى: بئس، وإن المخصوص بالذم محذوف، وهو صباحهم؛ يعني: فبئس صباح المنذرين صباحهم، واللام في (المنذرين) للجنس لا للعهد؛ ليحصل به التفسير بعد الإبهام، فلو حملت على العهد؛ لا يحصل ذلك، فإن أفعال المدح والذم موضوعة للمدح العام والذم العام؛ أي: لمدح المخصوص وذمه بجميع محاسن جنس الفاعل وقبائحه، وذلك إنَّما يكون بكون الفاعل معرفًا بلام الجنس أو مضافًا إلى المعرف بها؛ نحو: نعم صباح القوم زيد، والصباح مستعار من صباح الجيش الذين ساروا ليلًا نحو العدو، فوصلوا ديارهم ومنازلهم وقت الصباح، فأوقعوا بهم ما شاؤوا من النهب والغارة، فصباح الجيش المذكور وقت غارتهم، فإن عادة المغيرين أن يغيروا صباحًا، فسمى الغارة صباحًا وإن وقعت في وقت آخر تسمية للشيء باسم زمانه ومحله، وهذا يدل على أن معنى قوله تعالى: {فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ} [الصافات: ١٧٧]؛ يريد: النبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، وقيل: إن معناه: نزول العذاب، فيكون استعارة تمثيلية؛ حيث شبه حال العذاب النازل بهم بعد ما أنذروا به فأنكروه


(١) في الأصل: (راكب)، والمثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (معاني)، والمثبت هو الصواب.
(٣) تكرر في الأصل: (الصواب).

<<  <   >  >>