للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بذكر حديث يطابقه.

وقد يقال: إنَّ هذا الحديث مصرح به بالاغتسال، لكنَّه خارج، وظاهره أنَّه كان قبل إسلامه، لكن المراد أنَّه بعد إسلامه؛ لحديث أبي هريرة عند ابني حبان وخزيمة من التصريح بأنَّه بعد إسلامه، فيحتمل أنَّ المؤلف أراد حمل حديث الباب على هذا، ويحتمل أنَّه أراد أنَّ ثمامة أظهر إسلامه بين الصَّحابة، وإن كان أسلم قبلُ عند خروجه عليه السَّلام إليه في المرة الثالثة لكنه بعيد؛ لأنَّه عليه لا يكون الاغتسال وقع في المسجد، والتَّرجمة أنَّه كان في المسجد، فالصَّواب من القول: أنَّ لفظ (باب) مجردًا من غير ترجمة أحسن، ولا احتياج إلى التكلفات والتعسفات؛ فافهم.

قال إمام الشَّارحين: (وفي الحديث فوائد؛ الأولى: جواز دخول الكافر المسجد، وقال ابن التين: وعن مجاهد وابن محيريز: جواز دخول أهل الكتاب فيه، وقال عمر بن عبد العزيز وقتادة ومالك والمزني: لا يجوز، وقال الإمام الأعظم أبو حنيفة: يجوز للكتابي دخول المسجد دون غيره، واحتج بما رواه أحمد ابن حنبل في «مسنده» بسند جيد عن جابر رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل مسجدنا هذا بعد عامنا هذا مشرك إلا أهل العهد») انتهى.

قلت: وحديث الباب يدل لما قاله؛ فافهم.

واعترضه العجلوني بأنَّ المحفوظ عن الحنفية الجواز مطلقًا، ولعله قول للإمام، انتهى.

قلت: ما آن لهذا أن يحفظ مذهب الأئمة الحنفية فضلًا عن مذهبه، بل هذا الذي قاله إمام الشَّارحين هو مذهب الإمام الأعظم؛ لما في «الأشباه والنظائر» من أحكام الذمي: (ولا يمنع من دخول المسجد جنبًا بخلاف المسلم، ولا يتوقف جواز دخوله على إذن مسلم عندنا، ولو كان المسجد الحرام) انتهى.

فهذا هو المحفوظ، لا ما زعمه هذا القائل؛ فافهم.

وقال إمام الشَّارحين: (واحتج مالك بقوله تعالى: {إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ} [التوبة: ٢٨]، وبقوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: ٣٦]، ودخول الكفار فيها مناقض لرفعها، وبقوله عليه السَّلام: «إنَّ هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من البول والقذر»، والكافر لا يخلو عن ذلك، وبقوله عليه السَّلام: «لا أحلُّ المسجد لحائض ولا جنب» والكافر جنب) انتهى.

قلت: ولا حجة له في ذلك؛ لأنَّ قوله تعالى: {إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ} معناه كما قاله المفسرون: أنجاس في اعتقادهم، وأفعالهم، وأقوالهم؛ لأنَّهم يشركون بالله غيره، ويريدون بأعمالهم سواه، فالآية في دخولهم للحج؛ لأنَّهم كانوا يعملون في الحج أعمال المشركين، فأمر الله بتنزيه المسجد الحرام والحرم عن ذلك، فأمَّا نفس الدخول للمسجد ولو المسجد الحرام؛ فغير ممنوع؛ لأنَّ الجمهور اتفقوا على أنَّ الكفر لا يؤثر في نجاسة بدن الكافر نجاسة حقيقية، وإنَّما يؤثر في نجاسة باطنه، فكأنَّ صفة الكفر القائم بهم بمنزلة النَّجاسة الملتصقة بالشيء في باطنه، والنَّجاسة إذا كانت في معدنها لا تؤثر في الظَّاهر، ألا ترى أنَّ المسلم حاملٌ للنجاسة في باطنه، وهي غير مؤثرة في ظاهره، كما لا يخفى.

ولأنَّ قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ} معناه كما قاله المفسرون: ترفع بالصلوات وتلاوة القرآن، {وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} أي: الأذكار من تسبيح، وتهليل، وذكره تعالى وغير ذلك، هذا هو المراد برفعها، فلا تناقض بدخول الكفار المساجد لرفعها؛ لأنَّهم لا يؤثرون في الظَّاهر، ولا يلزم من دخولهم إبطال الصلوات والأذكار، فدخولهم ليس بممنوع، كما لا يخفى.

وقال مجاهد: {أَن تُرْفَعَ} معناه: تبنى، وعليه أيضًا فلا تناقض في ذلك، لأنَّ دخول الكافر لا ينافي عمارتها وبناءها، كما لا يخفى.

وقال الحسن: معناه: تعظَّم، وعليه فدخوله لا ينافي تعظيمها، والجمهور على الأول؛ فافهم.

ولأنَّ قوله عليه السَّلام: «إنَّ هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من البول والقذر»؛ المراد به: حقيقة النَّجاسة، ولا شكَّ أنَّ المسجد يجب تنزيهه عنها، وأمَّا الكافر؛ فليس بنجس حقيقة ولا حكمًا.

وقوله: (والكافر لا يخلو عن ذلك) ممنوعٌ؛ لأنَّ هذا من الأمور الوهمية، والأحكام لا تبنى على الوهم؛ لأنَّه يجوز أن يكون الكافر نظيفًا ومغتسلًا من النَّجاسات ليس عليه شيء منها.

ولأنَّ قوله عليه السَّلام: «لا أحل المسجد لحائض ولا جنب» أي: حقيقة، وكون الكافر جنبًا أمر موهوم، والأحكام لا تبنى عليه، على أنَّ حديث الباب يدل صريحًا على جواز دخول الكافر المسجد؛ لأنَّ الصَّحابة لما جاؤوا بثمامة؛ أمرهم النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم أن يربطوه في المسجد، كما صرح به ابن إسحاق، وثمامة كان وقتئذٍ كافرًا، فلو كان الكافر نجسًا أو يناقض لرفع المسجد؛ لما أمرهم بربطه، وكون الكافر لا يخلو عن الأقذار والجنابة أمر موهوم فلم يلتفت إليه النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، وأمر به فربط في المسجد، وبقي على ذلك أيامًا.

والحاصل: أنَّ ما استدل به مالك من المنع غير ظاهر، ولا ينهض دليلًا لما قاله؛ فليحفظ.

وقال الشَّافعي وأحمد ابن حنبل: يجوز دخول الكافر سواء كان كتابيًا أو غيره المسجد لحاجة وإذن مسلم ولو حكمًا، إلا المسجد الحرام فلا يمكَّن الكافر منه؛ لحديث الباب، ولأنَّ ذات الكافر ليست بنجسة.

قلت: وحديث الباب يدل على جواز دخول الكافر المُعاهِد؛ لأنَّ ثمامة كان من خدمة أهل العهد، واشتراط الإذن من المسلم زائد على النص؛ لأنَّه غير مذكور في الحديث؛ لأنَّ ثمامة كان بأيديهم مغلولًا، وجاؤوا به وربطوه في المسجد، أمَّا لو جاء وحده ودخل بإذن منهم؛ ينبغي أن يكون دليلًا مع أنَّه غير مصرح به في الأحاديث، فهو شرط زائد على النص؛ فلا يقبل.

واستثناء المسجد الحرام ممنوع، ويرده قوله تعالى: {فَلَا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: ٢٨] والخطاب إنَّما كان للمشركين كما هو صدر الآية، فالمعاهد خارج عن الآية، فيجوز له الدخول في الحرم كما هو صريح الآية؛ فافهم.

وفي الحديث: طلب الاغتسال إذا أسلم الكافر، فإن أسلم طاهرًا؛ يندب له الاغتسال، وإن أسلم جنبًا؛ فُرض عليه الاغتسال، هذا مذهب الإمام الأعظم وأصحابه والجمهور؛ لأنَّ ثمامة يحتمل أن يكون طاهرًا أو جنبًا، فإن كان طاهرًا؛ فأمره عليه السَّلام له بالاغتسال محمولٌ على الندب؛ لأنَّه للتنظيف، يدل عليه ما رواه البزار وغيره من حديث أبي هريرة، وفيه: (فأمره عليه السَّلام أن يغتسل بماء وسدر)، فإنَّما كان السدر؛ لأجل النظافة، والاغتسال؛ لأجل أن يألف العبادات ويتعلمها، ويدل عليه أنَّ في بعض الروايات: (أمره أن يقوم بين أبي بكر وعمر)، وما ذاك إلا لأجل أن يتعلم ثمامة منهما كيفية الاغتسال، وإن كان جنبًا؛ فيحتمل أنَّه عليه السلام علم حاله فأمره بالاغتسال على سبيل الوجوب، ويدل عليه ما في «صحيح ابن حبان» أنَّه أمره أن يغتسل ويصلِّي ركعتين.

وقال ابن بطال: (أوجب أحمد الغسل على من أسلم مطلقًا).

قلت: الأمر عند الجمهور للندب، بل هو على التفصيل، فإن أسلم طاهرًا؛ يندب في حقه الاغتسال، وإن جنبًا؛ افترض عليه، فلو أسلم طاهرًا متوضئًا أو مغتسلًا حال الكفر وأراد الصلاة بعد الإسلام؛ جازت صلاته بذلك الوضوء أو الغسل؛ لأنَّ وضوء الكافر واغتساله صحيح، هذا مذهب

<<  <   >  >>