للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أمرهم بربطه كما صرح به إمام الشَّارحين، وابن حجر، والقسطلاني، وغيرهم، فما نقله العجلوني غير صحيح؛ فليحفظ.

(فخرج النَّبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم)؛ أي: من حجرته بعدما أمرهم بربطه، ودخل حجرته (فقال)؛ أي: النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم لأصحابه، أو للذين ربطوه، وذلك في اليوم الثالث لما تقدم أنَّ الحديث أخرجه المؤلف في «المغازي»، وفيه أنَّه عليه السَّلام مرَّ على ثمامة ثلاث مرات، وهو مربوط في المسجد، ففي المرة الثالثة قال لهم: (أطلقوا) بفتح الهمزة، وهي همزة قطع (ثمامة)؛ أي: من القيد، إنَّما أمرهم بإطلاقه؛ منًّا عليه؛ إما للتآلف، وإما لأنَّه أسلم لمَّا مر عليه النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، كما رواه ابني خزيمة وحبان من حديث أبي هريرة.

وقال الكرماني: (يحتمل أنَّه عليه السَّلام أطلقه لما علم أنَّه آمن بقلبه وسيظهره بكلمة الشهادة، وقال ابن الجوزي: لم يسلم تحت الأسر؛ لعزة نفسه، وكان عليه السَّلام أحس بذلك منه، فقال: «أطلقوه»، فلما أُطلق؛ أسلم) انتهى.

وردَّهما إمام الشَّارحين، فقال: (يرد هذا حديث أبي هريرة الذي رواه ابن خزيمة وابن حبان، وفيه: «فمرَّ صلى الله عليه وسلم عليه يومًا فأسلم فحلَّه»، فهذا يصرح بأنَّ إسلامه كان قبل إطلاقه، فيُعذر الكرماني في هذا؛ لأنَّه قال بالاحتمال، ولم يقف على حديث أبي هريرة، وأمَّا ابن الجوزي؛ فكيف غفل عن ذلك مع كثرة اطلاعه في الحديث؟!) انتهى.

قلت: أي: في الموضوع لا الصَّحيح حتى أفرط في أحاديث صحاح، وحكم عليها بالوضع، وقد قال الحفاظ: لا عبرة بوضع ابن الجوزي ورفع الحاكم، فيحتمل أنَّه لم يطلع على حديث أبي هريرة، لا يقال: يمكن حمل كلامهما -كما زعمه العجلوني- على أنْ يريد بقوله سيظهره بعد إطلاقه بين جمع الصَّحابة؛ لأنَّا نقول: صريح حديث أبي هريرة: أنَّه أسلم حين مرَّ عليه النَّبي عليه السَّلام، وكان بين جمع الصَّحابة، فأمرهم عليه السَّلام بإطلاقه؛ لإسلامه صريحًا بين الصَّحابة، فإسلامه كان بعد إطلاقه؛ فليحفظ.

(فانطلق) وفي رواية: (فذهب)؛ أي: ثمامة، وهذا تفريع على قوله: (فأطلقوه) يعني: فأطلقوه، فانطلق (إلى نَجْلٍ) بفتح النُّون، وسكون الجيم، آخره لام، وهو الماء النابع من الأرض، وقال الجوهري: (استنجل الموضع؛ أي: كثر به النجل، وهو الماء يظهر من الأرض)، وهكذا وقع في النُّسخة المقروءة على أبي الوقت، وكذا زعم ابن دريد.

وفي أكثر الروايات: (إلى نخل)؛ بالخاء المعجمة، وكذا في رواية مسلم، ويؤيد هذا ما رواه ابن خزيمة في «صحيحه» من حديث أبي هريرة: (أنَّ ثمامة أُسِر، فكان النَّبي صلى الله عليه وسلم يغدو إليه فيقول: «ما عندك يا ثمامة؟» فيقول: إن تقتل؛ تقتل ذا دم، وإن تمنَّ؛ تمنَّ على شاكر، وإن تُرِد المال؛ نعطك منه ما شئت، وكان أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم يحبون الفداء، ويقولون: ما نصنع بقتل هذا؟ فمرَّ عليه النَّبي صلى الله عليه وسلم يومًا، فأسلم، فحله، وبعث به إلى حائط أبي طلحة، فأمره أن يغتسل، فاغتسل وصلى ركعتين، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «لقد حسن إسلام أخيكم»)، وبهذا اللَّفظ أيضًا خرَّجه ابن حبان في «صحيحه».

وأخرجه البزار أيضًا بهذا الطريق وفيه: (فأمره النَّبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر)، وفي بعض الروايات: (أنَّ ثمامة ذهب إلى المصانع، فغسل ثيابه واغتسل)، وفي «تاريخ البرقي» : (فأمره أن يقوم بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما)، قاله إمام الشَّارحين.

قلت: وهذا كله يؤيد الرواية بالخاء المعجمة؛ لأنَّ (الحائط) البستان، والغالب فيه الماء.

وذكر ابن حجر حديث أبي هريرة وأيد به رواية الخاء المعجمة.

واعترضه العجلوني بأنّه لا تأييد فيه؛ لأنَّه يجوز أن يكون انطلاقه إلى حائط أبي طلحة إلى حاجة، فرأى فيه النجل الذي هو الماء، انتهى.

قلت: واعتراضه مردود عليه، بل فيه تأييد ظاهر؛ لأنَّ (الحائط) البستان الذي فيه الماء، والنجل؛ بالجيم: موضع الماء النابع.

وكون ثمامة انطلق لحاجة في حائط أبي طلحة فرأى فيه الماء؛ يحتاج إلى دليل، بل إنَّما ذهب لحائطه؛ لأنَّ النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم بعث به إليه، وأمره أن يغتسل فيه، كما تقدم في حديث أبي هريرة قريبًا.

وعند البزار: (فأمره عليه السَّلام أن يغتسل بماء وسدر)، فهذا دليل على أنَّ ثمامة إنَّما ذهب لأجل الاغتسال، كما هو صريح الحديث، وإنَّما أمره عليه السَّلام وبعث به إلى الحائط؛ لأجل الاغتسال، ولا حاجة لثمامة غير الاغتسال وغسل الثياب، ولا يمكن من ثمامة قضاء حاجة غير الاغتسال؛ لأنَّ النَّبيَّ الأعظم صلى الله عليه وسلم بعث به إلى حائط أبي طلحة، فأمره أن يغتسل، كما في حديث أبي هريرة، وهو ظاهر في أنَّه عليه السَّلام بعث [معه] بعضًا من الصَّحابة حتى لا يهرب إلى أهله، ومعلوم أنَّ الأسير يكون بيد الناظر عليه كالطير في القفص، وأصحابه عليه السَّلام لا يخالفون أمره عليه السَّلام، فلا يمكن منهم ذلك كما لا يخفى؛ فافهم.

(فاغتسل)؛ أي: ثمامة، وفي رواية البزار: (أنَّه عليه السَّلام أمره أن يغتسل بماء وسدر)، وفي بعض الروايات: (فغسل ثيابه واغتسل)، وفي «تاريخ البرقي» : (فأمره أن يقوم بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما)، والظَّاهر أنَّه لأجل أن يعلِّموه كيفية الاغتسال، وغسل الثياب، والطهارة وغير ذلك من فروع الإيمان، وفي رواية أبي هريرة في «صحيحي ابني (١) خزيمة وحبان» : (أنه اغتسل وصلى ركعتين) (ثم دخل المسجد)؛ أي: النَّبويَّ، فاللَّام فيه للعهد، وفيه النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، (فقال)؛ أي: ثمامة (أشهد)؛ أي: أقر وأذعن بقلبي، وأصدق بلساني: (أن لا إله إلا الله) وإنَّما قدَّم النَّفي على الإثبات، ولم يقل: الله لا إله إلا هو؛ بتقديم الإثبات على النَّفي؛ لأنَّه إذا نفى أن يكون هناك إله غير الله؛ فقد فرغ قلبه مما سوى الله بلسانه ليواطئ القلب وليس مشغولًا بشيء سوى الله تعالى، فيكون نفي الشريك عن الله بالجوارح الظَّاهرة والباطنة؛ فافهم.

(وأنَّ محمَّدًا رسول الله)؛ أي: وأشهد أنَّه رسول الله؛ لأنَّ المراد بالشهادة: تصديق الرسول فيما جاء به، فيستلزم جميع ما ذكره من الاعتقادات، ولهذا قال في «الأشباه» : الإيمان: تصديق محمَّد صلى الله عليه وسلم في جميع ما جاء به من الدين ضرورة، والكفر: تكذيبه عليه السَّلام فيما جاء به من الدين ضرورة، انتهى.

قلت: وعلى هذا فلا بدَّ من إعادة (أشهد) في صحة الإسلام عند الحنفية، وهو المرجح عند الشَّافعية؛ فيراجع.

قال العجلوني: (ولم نرَ من ذكر من الشراح أنَّ هذا الحديث من مراسيل أبي هريرة مع أنَّ إسلامه سنة سبع، وهذه القضية وقعت قبل، كما تقدم، لكنَّ مرسل الصَّحابي حكمه الوصل على الصَّواب؛ فليعرف) انتهى.

قلت: ولكون حكم مرسل الصَّحابة الوصل؛ لم يتعرض أحد من الشراح لذلك؛ لكونه معلومًا ضرورة؛ فليحفظ.

قال إمام الشَّارحين: (ومطابقة هذا الحديث للجزء الثاني من التَّرجمة ظاهرة، كما في الأثر المذكور) انتهى.

قلت: بقي على المؤلف أنَّه لم يذكر حديثًا يطابق الجزء الأول من التَّرجمة؛ لأنَّ من المعيب على كلِّ مصنف أن يترجم لشيء ولم يتعرض له


(١) في الأصل: (ابن)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>