للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

عِمْران) بكسر العين المهملة، وسكون الميم (بن حُصَين) بضمِّ الحاء المهملة، وفتح الصاد المهملة (الخِزاعي) بكسر الخاء المعجمة، قاضي البصرة رضي الله عنه قال: (أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم) كان في سفر وكنا معه، وإنا أسرينا حتى كنا في أواخر الليل وقعنا وقعة ولا وقعة عند المسافر أحلى منها فما أيقظنا إلا حر الشمس، وكان أول من استيقظ فلان، ثم فلان، ثم فلان يسميهم أبو رجاء، فنسي عوف، ثم عمر بن الخطاب الرابع، وكان النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم إذا نام لم نوقظه حتى يكون هو مستيقظ؛ لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه، فلما استيقظ عمر ورأى ما أصاب الناس -وكان رجلًا جليدًا-؛ فكبَّر ورفع صوته بالتكبير، فما زال يكبر ويرفع صوته حتى استيقظ لصوته النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، فلما استيقظ؛ شكوا إليه الذي أصابهم، قال: «لا ضير ولا يضير ارتحلوا»، فارتحلوا، فسار غير بعيد، ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ، ونودي بالصَّلاة، فصلى الناس، فلما انفتل من صلاته؛ (رأى)؛ أي: أبصر (رجلًا) لم يعلم اسمه، وقيل: هو خلاد بن رافع بن مالك الأنصاري (معتزلًا)؛ أي: منفردًا عن الناس (لم يصل مع القوم) صلاة الصبح الفائتة، (فقال) أي: النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم له: (يا فلان) : هو كناية عن علم المذكر المبهم الاسم، وزعم القسطلاني أنَّه يحتمل أن يكون عليه السلام خاطبه باسمه، وكنَّى عنه الراوي لنسيان اسمه، أو لغير ذلك.

قلت: لو كان كما قال؛ لم يقل الراوي: فقال عليه السلام: «يا فلان»؛ لأنَّ فيه مخالفة لما قاله النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، بل الظاهر: أنه عليه السلام ناداه بـ (يا فلان)، كما هو ظاهر اللفظ؛ (ما منعك)، وفي رواية ابن عساكر: (ما يمنعك) (أن تصلي في القوم؟) أي: معهم، وهو مفعول ثان لـ (منع)، أو على إسقاط الخافض؛ أي: من أن تصلي، ففي محله المذهبان المشهوران: هل هو نصب أو جر؛ فافهم.

(فقال) أي: الرجل: (يا رسول الله؛ أصابتني جنابة) أي: صرت جنبًا، (ولا ماء)؛ بالرفع أي: ليس ماء عندي كما مر؛ لأنَّه يحتمل وجود الماء عند غيره من أصحاب القافلة، فنفي الماء على العموم باطل؛ لأنَّه غير ممكن؛ لأنَّ القافلة تحتاج إلى الماء لشرابهم، ودوابهم، وغير ذلك، غير أنَّه لم يسأل أحدًا عن الماء فقصر في ذلك، لكنَّه اجتهد في أنَّه إن طلبه من أحد؛ لا يعيطه؛ لاحتياجه له للشرب، أو غير ذلك مما قدمناه؛ فافهم.

(قال) أي: النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم للذي أجنب ولم يجد الماء: (عليك بالصعيد) أي: المذكور في قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: ٤٣]، والمراد به: وجه الأرض؛ كحجر، ومدر، وحصى، ورمل، وغيرها، وهذا قول أهل التفسير، وهو قول اللغويين، وقال الزجاج: (لا أعلم خلافًا فيه، ولهذا لو تيمم على حجر أملس؛ جاز، ويدل عليه: أنَّه عليه السلام تيمم على جدار)، كما ذكره المؤلف فيما سبق، وجدران المدينة كلها حجر أسود، ولا يخفى أنَّها لا تحمل شيئًا من الغبار أصلًا، فلا خصوصية للتراب، خلافًا لمن زعمه متعلقًا بما روي عن ابن عباس: أنَّ الصعيد: هو التراب، ولا حجة له فيه، فإنَّ ما روي عن ابن عباس ليس كذلك، بل المروي عنه أنَّه قال: الصعيد: حرث الأرض، فهو يشترط الإنبات، فمن خصَّ التراب لا يشترط الإنبات، فهو تناقض لا يثبت به الحكم، على أنَّ ما روي عنه هو أثر، والآية مطلقة، فلا يجوز تخصيص المطلق بالحديث، فكيف بالأثر من باب أولى؟ وقد أشبعنا الكلام فيه فيما سبق، (فإنه يكفيك) أي: لطهارتك من الحدثين، ويكيفك أيضًا في كل الصلوات؛ فرضها وواجبها ونفلها ما لم تحدث، فالتيمم الواحد يكفي لصلوات متعددة الفروض، وكذا النوافل ما لم يحدث، ثم سار النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، فاشتكى الناس إليه العطش، فنزل فدعا فلانًا -كان يسميه أبو رجاء، فنسي عوف- ودعا عليًّا قال: «اذهبا فابتغيا الماء»، فانطلقا فلقيا امرأة بين مزادتين من ماء على بعير لها، فقالا لها: أين الماء؟ فقالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة، ونفرنا خلوف، قالا لها: انطلقي إذًا، قالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، قالت: الذي يقال له: الصابئ، قالا: هو الذي تعنين، فانطلقي، فجاءا بها إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وحدثاه الحديث، قال: فاستنزلوها عن بعيرها، ودعا النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم بإناء ففرغ فيه من أفواه المزادتين، وأؤكأ أفواههما، وأطلق العزالي، ونودي في الناس: اسقوا واستقوا، فسقى من شاء، واستقى من شاء، وكان آخر ذلك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء، قال: «اذهب فأفرغه عليك»، وهي قائمة تنظر ما يفعل بمائها، وايم الله؛ لقد أقلع عنها وإنَّه ليخيل إلينا أنها أشد ملأة حين ابتدأ فيها، فقال النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم: «اجمعوا لها»، فجمعوا لها ما بين عجوة، ودقيقة، وسويقة حتى جمعوا لها طعامًا، فجعلوها في ثوب، وحملوه على بعيرها، ووضعوا الثوب بين يديها، قال لها: تعلمين ما رزئنا من مائك شيئًا، ولكنَّ الله هو الذي أسقانا، فأتت أهلها، وقد احتبست عنهم، فقالوا: ما حبسك يا فلانة؟ قالت: العجب! لقيني رجلان فذهبا بي إلى هذا الرجل الذي يقال له: الصابئ، ففعل كذا وكذا، فوالله إنَّه لأسخى الناس من بين هذه وهذه، وقالت بإصبعها السبابة والوسطى، فرفعتهما -تعني: السماء والأرض- أو إنَّه لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حقًّا، فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون على من حولها من المشركين، ولا يصيبون القوم الذي هي منهم، فقالت يومًا لقومها: ما أرى أنَّ هؤلاء القوم يدعونكم عمدًا، فهل لكم في الإسلام؟ فأطاعوها فدخلوا في الإسلام، فهذا الحديث المذكور في هذا الباب هو مختصر من الحديث الطويل الذي في باب (الصعيد)، كما ذكرناه.

فإن قلت: هذا الحديث لا يطابق الترجمة؛ لأنَّه ليس فيه التصريح بكون الضرب في التيمم

<<  <   >  >>