للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الشراح، والباء الموحدة مضمومة في اللغات الثلاث؛ فليحفظ، (والمُخاطِ)؛ بالجر عطف على (البصاق)، وهو بضمِّ الميم: ما يسيل من الأنف سواء كان ثخينًا أو رقيقًا، (ونحوِه)؛ بالجر عطف على ما قبله.

فإن قلت: كان ينبغي أن يقول: ونحوهما؛ لأنَّ المذكور شيئان؟

قلت: تقديره: ونحو كل واحد منهما، قاله إمام الشارحين؛ أي: أو نحو المذكور، وذلك كالعرق والبلغم، وهو ما يخرج من الصدر.

وقوله: (في الثوب) : يتعلق بمحذوف؛ أي: الكائن أو كائنًا، ومثل الثوب: البدن والمكان للمصلِّي هل يضرُّ أم لا؟ ويجوز أن يكون (باب) : مبتدأ يحتاج إلى خبر، فيكون تقديره: باب البصاق... إلخ لا يضرُّ المصلي، ففيه وجهان، كذا اختاره إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري». وقد حاول العجلوني العبارة، فزعم أن قوله: (في الثوب) متعلق بما أضيف إليه الباب، أو بمحذوف صفة، أو حال مما قبله، أو يضاف الـ (باب)، فـ (البزاق)، وما عطف عليه مبتدأ والخبر محذوف؛ أي: لا يضرُّ المصلي ولا غيره.

قلت: وهذه التقديرات غير ظاهرة مع ما فيها من التكلفات التي لا احتياج إليها، كما لا يخفى.

قال صاحب «عمدة القاري» : (وعَرَقُ كل حيوان يعتبر بسؤره الذي يمتزج بلعابه، ويستثنى منه الحمار على ما عرف في الفقه) انتهى.

قلت: أي: فإنه طاهر؛ لما في «شرح الكنز» لابن الحلبي: (وعَرَق كل شيء كسُؤْرِه إلا عَرَق الحمار؛ فإنه طاهر في ظاهر الرواية عن الإمام الأعظم) انتهى.

ونقل حافظ الدين الأتقاني الإجماع على طهارة عرقه، انتهى.

وقال صاحب «المنية» : (وعرق كل شيء معتبر بسؤره، إلا أن عرق الحمار والبغل طاهر عند الإمام الأعظم في الروايات المشهورة، كذا ذكره الإمام القدوري) انتهى، قال شارحها البرهان الحلبي: وهذا الاستثناء إنَّما يصحُّ على القول بأنَّ الشك في الطهارة، فإذا قيل: إن سؤر الحمار مشكوك في طهارته ونجاسته، وعرق كل شيء كسؤره؛ صحَّ أن يقال: إلا أن عرق الحمار طاهر؛ أي: من غير شك؛ لأنَّ النبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم ركب الحمار معروريًا في حرِّ الحجاز، والغالب أنه يَعْرَق، ولم يُنْقَلْ عنه عليه السَّلام أنه غسل بدنه أو ثوبه منه، انتهى.

قال في «منهل الطلاب» : وعرق كل حيوان حكمه كسؤره؛ لتولُّد كلٍّ منهما من اللحم، كذا في كثير من كتب المذهب، ولا خفاء أن المتولد هو اللعاب؛ أي: لا السؤر، لكن أطلق عليه؛ للمجاورة، كما في «النهر»، فما كان سؤره طاهرًا؛ فعرقه طاهر؛ كالآدمي مطلقًا، والفرس في الأصحِّ، وكل ما يؤكل لحمه، وما كان سؤره نجس؛ فعرقه نجس؛ كالخنزير، والكلب، وسباع البهائم؛ كالأسد، والذئب، والفهد، والنمر، والثعلب، والفيل، والضبع، ونحوها، وما كان سؤره مكروهًا؛ فعَرَقه مكروه؛ كالهرة الأهلية، والدجاجة المخلاة، والإبل، والبقر، والغنم الجلَّالة، وسباع الطير؛ كالصقر، والغراب، والشاهين، والحدأة، والرخم، ونحوها مما لا يؤكل لحمه، وكل ما يسكن في البيوت مما له دم سائل؛ كالحية ولو كانت بريَّة، والفأرة، والوزغة، وما كان سؤره مشكوكًا؛ فعَرَقه مشكوك؛ كالحمار الأهلي لا فرق فيه بين الذكر والأنثى في الأصح، كما في «الدرين»، ومشى عليه الإمام الجليل قاضيخان، والبغل التي أمُّه حمارة؛ لأنَّ العبرة للأم، كما في الشروح، هذا التفصيل هو المعتمد في المذهب، وإلى غيره لا يذهب.

ففي «المستصفى» : (وعرق الحمار إذا وقع في الماء؛ صار مشكلًا على المذهب) انتهى؛ يعني: صار الماء به مشكلًا؛ أي: في الطهورية، فيجمع بينه وبين التيمم كما في لعابه، ويجوز شربه من ذلك الماء، كذا في «السراج» وغيره، وعليه الفتوى، كما في «الدر المنتقى»، واختلف في النية، والأحوط أن ينوي، كما في «النهر» عن «فتح القدير»؛ أي: الأحوط القول بوجوب النية، وأنها شرط فيه، وفي نبيذ التمر، كما في «البحر» عن شرحي «النقاية» و «المجمع»، وأيهما؛ أي: من الوضوء والتيمم قدَّمه على الآخر؛ صحَّ، وهو الأصحُّ، كما في «الدر المختار».

وقال الإمام زفر: يشترط تقديم التيمم على الوضوء أو الغسل، لكن الأفضل تقديم الوضوء أو الغسل على التيمم؛ خروجًا من خلافه، كذا في «البحر»، هذا مذهب رئيس المجتهدين وإمامهم الإمام الأعظم ومن قال بقوله.

وقال الإمام مالك: عرق سائر الحيوانات، وكذا سؤرها طاهر، ولو من غير مأكول اللحم، وكذا عند الشافعي إلا أنه استثنى الكلب، والخنزير، وما تولَّد منهما، أو من أحدهما؛ فإنه نجس؛ كالخارج منه.

وقال أحمد: هو مختصٌّ بالمأكول؛ يعني: أن عَرَقَ المأكول وسؤرَه طاهر بخلاف غير المأكول.

وقال إمام الشارحين: وجه المناسبة بين هذا الباب وبين الباب الذي قبله ظاهرة على وضع البخاري؛ لأنَّه وضع الباب الذي قبله فيما إذا أُلقي على ظهر المصلي قذر، ورأى به عدم بطلان الصَّلاة في مثل هذه الصورة، وحكم هذا الباب كذلك، ولا خلاف فيه.

وزعم ابن حجر أن دخول هذا الباب في أبواب الطهارة من جهة أنه لا يُفْسِدُ الماء.

وردَّه في «عمدة القاري» فقال: (قلت: حكم هذا الباب في البصاق الذي يصيب الثوب، وذكره عقيب الباب الذي قبله من هذه الجهة، ولا ذكر للماء في البابين، نعم؛ إذا كان حكم البصاق لا يفسد الثوب؛ يكون كذلك لا يفسد الماء) انتهى.

وزعم العجلوني أن ما قاله ابن حجر بيان لوجه إيراده في أبواب الطهارة، لا لبيان المناسبة بين البابين، فلا يردُّ ما قاله.

قلت: إذا كان كذلك؛ فكأنه لم تظهر له وجه المناسبة بين البابين، وهي ظاهرة لمن له أدنى ذوق في العلم على أنَّ مراد ابن حجر بقوله: (دخول هذا الباب...) إلخ بيان لوجه المناسبة بين البابين، فإنه لمَّا لم يجد مناسبة على حسب فهمه؛ تعلَّق بدخوله في أبواب الطهارة، ويدل لهذا قوله في «الانتقاض» : قد اعترف بما أنكر) انتهى.

فهو يدل على أنَّ مراده وجه المناسبة بين البابين، ولا يخفى أن إمام الشارحين لم يعترف بما أنكره، بل ذكر أن هذا الباب له وجه بدخوله في أبواب الطهارة من حيث إنَّ البصاق؛ كالماء لا يفسد الثوب، على أنه لا معنى لذكر هذه الجملة؛ لأنَّ المقصود هنا ذكر المناسبة التي بين البابين، ولكن لمَّا خفيت على ابن حجر، ولم يتعرَّض لها، وذكر هذه المناسبة البعيدة؛ التجأ إمام الشارحين أن يبيِّن وجه دخوله في أبواب الطهارة، ووجه المناسبة بين البابين، فلله درُّ هذا الإمام الذي يُطلق عليه أنه إمام الشارحين؛ فافهم.

(وقال عُرْوة)؛ بضمِّ العين المهملة، وسكون الرَّاء: هو ابن الزُّبير؛ بضمِّ الزاي، التابعي فقيه المدينة، مما وصله المؤلف في (صلح الحديبية)، و (الشروط) في (الجهاد)، وذكر هنا قطعة منه، وهو حديث طويل؛ لبيان مقصوده وما ترجم له، وذكر قطعة منه في باب (استعمال فضل وضوء الناس)؛ فافهم، (عن المِسْوَر)؛ بكسر الميم، وسكون السين المهملة، وفتح الواو، آخره راء: هو ابن مَخْرَمَة؛ بفتحات إلا أن الخاء المعجمة ساكنة، صحابي صغير (ومَرْوَان)؛ بفتح الميم، وسكون الرَّاء: هو ابن عبد الملك بن الحَكَم؛ بفتحتين، الأموي، ولد في حياة النبيِّ الأعظم عليه السَّلام ولم يَسْمَعْ منه؛ لأنَّه خرج طفلًا مع أبيه الحكم إلى الطائف لما نفاه عليه السَّلام إليها؛ لأنَّه كان يفشي سره فبقي معه حتى استخلف عثمان رضي الله عنه، فردَّهما إلى المدينة، وكان إسلام الحكم يوم فتح مكة، ومات في خلافة عثمان، وأمَّا ولده مروان؛ فإنه لمَّا توفي معاوية بن يزيد؛ بايعه بعض الناس في الشام بالخلافة، ومات بدمشق سنة خمس وستين، كذا قاله إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري»، وقال في «التقريب» : (ولِّي الخلافة في آخر سنة أربع وستين، ومات سنة خمسة في رمضان، وله ثلاثة، أو إحدى وستون سنة، لا تثبت له صحبة، بل هو من كبار التابعين) انتهى.

<<  <   >  >>