للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

للغزو، ووجه التذكير في (كان) باعتبار السفر، ويجوز أن يرجع الضمير فيه للنبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، قاله إمامنا الشَّارح، وما شرحنا عليه هو رواية الأصيلي وأبي ذر عن الحموي والمستملي، (غزوة وكان) بالتَّاء والواو، وعليها شرح إمام الشَّارحين، (أو حج أو عمرة هبط من بطن واد) هو وادي العقيق، وسقط كلمة (من) لأبوي ذر والوقت، وعند ابن عساكر: (هبط من ظهر واد)، والهبوط: النزول من الأعلى إلى الأسفل، وإنَّما لم يؤخر لفظ: (كان) في تلك الطريق عن الحج والعمرة؛ لأنَّهما لم يكونا إلا من تلك الطريق، (فإذا ظهر من بطن واد)؛ أي: علا في أعلاه وارتفع في وادي العقيق المذكور؛ (أناخ)؛ أي: أقعد راحلته، وهو جواب (إذا) (بالبطحاء) هو تراب لين السيول، والجمع: بطحاوات وبطاح، فإن اتسع وعرض؛ فهو الأبطح، والجمع: الأباطح، كما في «المحكم»، وقال بعضهم: الأبطح: لا ينبت (١) شيئًا، إنَّما هو بطن الوادي، وفي «الجامع» : (الأبطح والبطحاء والبطاح: الرمل المنبسط على وجه الأرض)، وفي «الواعي» : (البطحاء: حصى ورمل ينقل من مسيل الماء)، وقال النَّضر بن شميل: (بطحاء الوادي وأبطحه: حصاة اللين)، وقال أبو سليمان: (هي حجارة ورمل)، وقال الدَّاودي: (البطحاء: كل أرض منحدرة)، وفي «المنتهى» : (الأبطح: مسيل واسع، فيها دقاق الحصى، والجمع: الأباطح، وكذلك البطحاء)، وفي «الصِّحاح» : البطاح: على غير قياس، والبطيحة؛ مثل: الأبطح، كذا في «عمدة القاري».

(التي على شَفير الوادي)؛ بفتح الشين المعجمة؛ أي: طرفه، وقال ابن سيده: (شفير الوادي وشفره: ناحيته من أعلاه) (الشرقيةِ) بالجر: صفة (البطحاء)، (فعرَّس)؛ بتشديد الرَّاء، قال الأصمعي: (عرَّس المسافرون تعريسًا؛ إذا نزلوا نزلة في وجه السحر، وأناخوا إبلهم فروحوها ساعة حتى يرجع إليها أنفسها)، وعن أبي زيد: (عرَّس القوم تعريسًا في المنزل حيث نزلوا بأيِّ حينٍ كان من ليل أو نهار)، وفي «المحكم» : (المعرس: الذي يسير نهاره، ويعرِّس؛ أي: ينزل أول الليل)، وفي «الصِّحاح» : (أعرسوا لغة فيه قليلة، والموضع: مِعرس ومَعرس)، وفي «الغريبين» (٢) : (التعريس: نومة المسافر بعد إدلاج الليل)، وفي «المغيث» : (عرَّس؛ أي: نزل للنوم والاستراحة، والتعريس: النزول لغير إقامة)، أفاده إمام الشَّارحين.

قلت: وحاصله: أنَّ التعريس: نزول استراحة، وأكثره في آخر الليل، وخصَّه الأصمعي: بآخر الليل، وأطلق فيه أبو زيد؛ فليحفظ.

(ثَمَّ)؛ بفتح المثلَّثة، وتشديد الميم: اسم إشارة للمكان البعيد؛ أي: هنالك (حتى يُصبح)؛ بِضَمِّ المثناة التحتية؛ أي: يدخل في الصباح، وهي تامة لا تحتاج إلى الخبر، واستغنت بمرفوعها (ليس عند المسجد الذي بحجارةٍ، ولا على الأكَمة)؛ بفتح الهمزة والكاف: هي التل من القف من حجارة واحدة، قاله ابن سيده، وقيل: هي دون الجبال، وقيل: هي الموضع الذي قد اشتد ارتفاعًا مما حوله، وهو غليظ لا يبلغ أن يكون حجرًا، والجمع: أَكَم، وأُكُم، وأُكْم، وإكام، وآكام، وآكُم؛ كأَفْلُس، الأخيرة عن ابن جني، وفي «الواعي» : (الآكام: دون الضراب)، وفي «الصِّحاح» : (والجمع: أكمات، وجمع الأكم: آكام؛ مثل: عنق وأعناق) انتهى.

والحاصل: أنَّه يجمع على (أَكَم)؛ بفتحات؛ وهو على (إِكام)؛ بكسر الهمزة -كجبل وجبال (٣) -؛ وهو على (أُكُم)؛ بضمتين -نحو: كِتَاب وكُتُب-؛ وهو على (آكام)؛ كعُنُق وأعناق؛ فافهم.

(التي عليها المسجد، كان ثَمَّ)؛ بفتح المثلَّثة، وتشديد الميم: اسم إشارة للمكان البعيد؛ أي: هنالك (خَلِيج)؛ بفتح الخاء المعجمة، وكسر اللَّام، آخره جيم: واد عميق ينشق من آخر أعظم منه، قاله ابن التِّين، وفي «المنتهى» : (هو شرم من البحر اختلج منه، والخليج (٤) : النهر العظيم، والجمع: خلجان، وربما قيل للنهر الصغير يخلج من النهر الكبير: خليج)، وفي «المحكم» : الخليج: ما انقطع من معظم الماء؛ لأنَّه يجبذ منه، وقد اختلج، وقيل: الخليج: شعبة تتشعب من الوادي تعير بعض مائه إلى مكان آخر، والجمع: خلج وخلجان، وقال الإمام الزمخشري: (جبل خليج: أحد جبال مكة) انتهى، (يصلِّي)؛ بتحتية أوله، وفي رواية: (فصلى) (عبد الله) أي: ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (عنده) أي: عند الخليج المذكور (في بطنه) أي: وسطه (كُثُب)؛ بِضَمِّ الكاف وضم الثَّاء المثلَّثة، جمع كثيب؛ هو رمل اجتمع وكل ما اجتمع من شيء وانهار؛ فقد انكثب فيه، ومنه اشتق: الكثيب من الرمل؛ في معنى: مكثوب؛ لأنَّه انصب في مكان واجتمع فيه، والجمع: كثبان؛ وهي تلال من رمل، قاله أبو المعالي، وفي «المحكم» : (الكثيب من الرمل: القطعة تبقى محدودبة، وقيل: هو ما اجتمع واحدودب، والجمع: أكثبة وكثب)، وفي «الجامع» : (إنَّما سمي كثيبًا؛ لأنَّ ترابه دقاق كأنَّه مكثوب؛ أي: منثور بعضه على بعض؛ لرخاوته)، كذا في «عمدة القاري».

(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقوله: (ثَمَّ)؛ بفتح المثلَّثة؛ أي: هنالك، متعلق بقوله: (يصلِّي)، وهذا مرسل من نافع، كما قاله إمام الشَّارحين وغيره، (فدحا) : الفاء للعطف، و (دحا)؛ بالدَّال والحاء المهملتين، مبنيًّا للفاعل، من الدحو؛ وهو البسط، يقال: دحا يدحوويدحى دحوًا، قاله ابن سيده، وفي «الغريبين» : كل شيء بسطته ووسعته؛ فقد دحوته، ومنه قوله تعالى: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: ٣٠]؛ أي: بسطها ووسعها؛ للوقوف بها عند فصل القضاء، وبهذا تعلم فساد تفسير العجلوني: الدحي: بالرفع، فإنَّه غير موافق للُّغة ولا للقرآن العظيم؛ فافهم، بل هو تفسير من عنده، وهو غير مقبول، (السيل)؛ أي: المطر النازل من الجبال (فيه)، ولأبي ذر: (فدحا فيه السيل) (بالبطحاء) : متعلق بـ (دحا)، وفي رواية الإسماعيلي: (فدخل)؛ بالخاء المعجمة واللَّام، وفي رواية: (قد جاء)؛ بكلمة (قد) للتحقيق، وكلمة (جاء) من المجيء فهما كلمتان؛ فليحفظ، (حتى دَفن)؛ بالبناء للفاعل؛ أي: السيل، قيل: وفي رواية: بالبناء للمفعول، فنائبه قوله: (ذلك المكان الذي كان عبد الله) أي: ابن عمر (يصلِّي فيه)؛ أي: غيَّبه وغيَّر صفته، فلم يظهر بعد ذلك.

(وأنَّ)؛ بفتح الهمزة، معطوف على قوله: (أنَّ عبد الله أخبره) (عبد الله بن عمر)؛ أي: ابن الخطاب (حدَّثه)؛ أي: حدَّث نافعًا مولاه، وهو من قول موسى بن عقبة، فهو موصول بالإسناد السَّابق، وهذا يجري في نظائره، وقال الكرماني: إنَّما قال في الأول: «أنَّ عبد الله أخبره»، وفي المرات الآتية: «أنَّ عبد الله حدَّثه»؛ للفرق عند بعضهم بأنَّ الإخبار: القراءة على الشيخ، والتحديث: قراءة الشيخ.

واعترضه العجلوني بأنَّ الظَّاهر أنَّهما بمعنًى، انتهى.

قلت: قد سبق ذلك في باب (العلم)، وأنَّ مذهب الجمهور -ومنهم المؤلف- على أنَّه لا فرق بين (حدثنا)، و (أخبرنا)، و (أنبأنا)، وأنَّها بمعنًى، وبه قال ابن عيينة، والأئمة الكوفيون، ومالك، والحسن البصري، ويحيى القطان، وأهل الحجاز، فإذا كان هذا مذهب الجمهور؛ فكيف يدعي أنَّه الظَّاهر، فإنَّ الظَّاهر يقال


(١) في الأصل: (يثبت)، ولعله تحريف.
(٢) في الأصل: (العربيين)، وهو تصحيف.
(٣) في الأصل: (وإجبال)، وليس بصحيح.
(٤) في الأصل: (والخلج)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>