للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

في أحد قولين مرجحين، بل في قول قوي وقول ضعيف؛ لأنَّ الفرق قول ضعيف عند أهل النَّظر، وأمَّا المؤلف ههنا؛ فلم ينظر لهذا حتى زعم الكرماني ما زعم، بل إمَّا للتفنن في العبارة، أو ساق اللَّفظ بعينه، وإنَّما مذهبه عدم الفرق، كما ترجم به بباب مستقل؛ فافهم ولا تكن من الغافلين.

(أنَّ النَّبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم صلى) أي: الفرض والنفل جميعًا (حيث) بالمهملة والمثلَّثة (المسجد الصغير) : نعت لـ (المسجد)، وفي رواية: (صلى جَنْب)؛ بالجيم والنُّون والموحَّدة، وعلى الأولى؛ (المسجدُ) : مرفوع خبر مبتدأ محذوف، و (الصغيرُ) : مرفوع نعت له؛ لأنَّ (حيث) لا تضاف إلا إلى الجملة على الأصح؛ وتقديره: حيث هو بالمسجد ونحوه، وعلى الثانية؛ مجرور بالإضافة، و (الصغير) : نعت له مجرور، أفاده الشَّارح.

(الذي دون المسجد)؛ أي: أنزل من المسجد (الذي بشرف) أي: أعلى (الروحاء)؛ بالمد: قرية جامعة على ليلتين من المدينة، وهي آخر السيالة للمتوجه إلى مكة والمسجد الأوسط في الوادي المعروف الآن بوادي بني سالم، (وقد كان عبد الله) أي: ابن عمر بن الخطاب (يُعلِّم)؛ بِضَمِّ التحتية أوله، من (أعلم) من العلامة في رواية أبوي ذر والوقت، وفي رواية غيرهما: (يَعلم)؛ بفتح التحتية من العِلْم، وفي رواية: (تَعلَّم)؛ بفتح الفوقية، وتشديد اللَّام المفتوحة (المكان الذي كان) وسقطت (كان) لابن عساكر (صلى فيه النَّبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم)؛ أي: صلاته الفرض والنفل جميعًا بمحضر من ابن عمر وغيره من الصَّحابة رضي الله عنهم أجمعين (يقول) أي: ابن عمر: (ثَمَّ)؛ بفتح المثلَّثة؛ أي: هنالك (عن يمينك حين تقوم في المسجد تصلي، وذلك المسجد على حافَة)؛ بتخفيف الفاء؛ أي: على جانب (الطريق)؛ أي: الشَّارع، وحافتا الوادي: جانباه (اليمنى) : صفة لـ (حافَة)؛ أي: لا اليسرى، وقوله: (وأنت ذاهب إلى مكة) : صفة لقوله: (حافَة) (بينه) أي: بين هذا المسجد (وبين المسجد الأكبر رمية حجر أو نحو ذلك)؛ أي: مقدار مسافة ذلك.

(وأنَّ) بفتح الهمزة معطوف على سابقه (ابن عمر)؛ أي: ابن الخطاب رضي الله عنهمابالإسناد المذكور، فهو من قول موسى بن عقبة (كان يصلِّي إلى العِرْق)؛ بكسر العين المهملة وسكون الرَّاء المهملة، وبالقاف؛ أي: عرق الظبية، وقال أبو منصور: (العِرْق: الجبل الصغير، ويقال أيضًا للأرض الملح التي لا تنبت)، وقال أبو عبيد: (هو واد معروف)، وقال ابن فارس: (ينبت الطرفاء، وقيل: ينبت الشجر)، وقال الخليل: (العِرْق: الجَبْل الرقيق من الرمل المستطيل مع الأرض)، وقال الدَّاودي: (هو المكان المرتفع)، أفاده في «عمدة القاري»، (الذي كان عند منصرَف الرَّوحاء)؛ بفتح الرَّاء المهملة فيهما مع [المد] في الثاني؛ وهي القرية الجامعة على ليلتين من المدينة؛ يعني: عند آخر الرَّوحاء (وذلك العِرْق انتهاء)؛ بالمد (طرفه (١) على حافَة)؛ أي: جانب (الطريق)، ولأبي ذر عن الكشميهني: (انتهى طرفه)؛ بالقصر، فعل وفاعل (دون المسجد الذي بينه وبين المنصرَف)؛ بفتح الرَّاء؛ أي: أنزل منه (وأنت ذاهب إلى مكة وقد ابتُني)؛ بِضَمِّ المثناة فوق على صيغة المجهول من الماضي (ثَمَّ)؛ بالمثلَّثة، متعلق به؛ أي: هنالك (مسجد) يحتمل أنَّ الباني له أحد من قريش من الجاهلية ممن يعبد الأصنام، ويشرك بالله غيره، ويدل على هذا قوله: (فلم يكن عبد الله) زاد الأصيلي: (ابن عمر) (يصلِّي في ذلك المسجد)؛ لعله لما فيه من الصور والأصنام كما ذكرنا، فلا وجه لقول العجلوني: (ولينظر من الباني له؟)؛ لأنَّه لا شك أنَّ الباني غير مسلم، بل مشرك أو منافق، ولهذا قال: (وكان) أي: ابن عمر، وللأصيلي: بإسقاط الواو (يتركه على يساره وورائه)؛ بالجر عطفًا على (يساره)، وبالنصب على الظرفية؛ بتقدير: (في) ظرفًا (يصلِّي) أي: ابن عمر (أمامه) أي: قدام المسجد (إلى العِرْق نفسه) أي: عرق الظبية، (وكان عبد الله) أي: ابن عمر (يروح) أي: يمر (من الرَّوحاء) بالمد (فلا يصلِّي الظُّهر حتى يأتي ذلك المكان فيصلِّي فيه الظُّهر) أي: اتباعًا حيث الوقت متسع، (وإذا أقبَل) بفتح الموحَّدة (من مكة فإن مرَّ) بتشديد الرَّاء (به) أي: بذلك المكان (قبْل) بسكون الموحَّدة (الصبح) أي: طلوع الفجر الصَّادق (بساعة) : يحتمل أنَّها اللحظة والحصة من الزمان، ويحتمل الساعة المعلومة، وهي خمس عشرة درجة، (أو من آخر السحر) : وهو عبارة عما بين الفجر الكاذب والصَّادق، والفرق بين العبارتين-أعني: قوله: (قبل الصبح بساعة)، وقوله: (آخر السحر) - هو أنَّه أراد بـ (آخر السحر) : أقل من ساعة، وأراد الإبهام؛ ليتناول قدر الساعة وأقل وأكثر منها، قاله الشَّارح في «عمدة القاري»، (عرَّس)؛ بتشديد الرَّاء، جواب (أنَّ)؛ أي: نزل للاستراحة في ذلك الوقت (حتى يصلِّي بها الصبح)؛ أي: بمكة؛ لفضل الصلاة فيها.

(وأنَّ) بفتح الهمزة، معطوف على سابقه (عبد الله) أي: ابن عمر (حدَّثه)؛ أي: حدَّث نافعًا بالإسناد المذكور، فهو موصول: (أنَّ النَّبي) الأعظم، ولابن عساكر: (رسول الله) (صلى الله عليه وسلم كان ينزل تحت سَرْحَة)؛ بفتح السين المهملة، وسكون الرَّاء، وفتح الحاء المهملة: وهو شجر عظام طوال (ضخمة)؛ أي: عظيمة، وقال أبو زيد: السَّرْح من العضاه، واحدته: سَرْحَة، والسَّرْح: طوال في السَّماء، وقد تكون السَّرْحة دوحة محلالًا (٢) واسعة، يحل تحتها الناس في الصيف، ويبنون تحتها البيوت، وقد تكون منه العشة القليلة الفروع والورق، وللسرح عنب يسمى آءُ، واحدته: آءة، يأكله الناس أبيض، ويرببون منه الرب، ورقته صغيرة عريضة، تأكله الماشية لو تقدر عليه ولكن لا تقدر؛ لطوله، ولا صمغ له، ولا منفعة فيه أكثر من هذا إلَّا أنَّ ظله صالح، ومن ذلك قال الشاعر:

فيا سَرْحَة الركبان ظلك بارد... وماؤك عذب لا يحل لشارب

وليس للسرح شوك، وقال أبو عمرو: السَّرْح يشبه الزيتون، وروى الفراء عن أبي الهيثم: أنَّ كل شجرة لا شوك فيها؛ فهي سَرْحَة، يقال: ذهب إلى السَّرْح؛ وهو السهل من كل شيء، وأخبرني أعرابي: أنَّ في السَّرْحة غبرة، وهي دون الأثل في الطول، وورقها صغار، وهي سبطة الأفنان (٣)، وهي مائلة النبتة أبدًا، وميلها من بين جميع الشجر في شق اليمين، ولم أبل عليه كذبًا، وزعم بعضهم أنَّ السَّرْح من نبات القف، وقيل: من نبات السهل، وهو قول الأصمعي، وفي «المطالع» : (قيل: هي الدِّفلى)، وقال أبو علي: (هو نبت، يقال لها: هدب، وليس لها ورق، وهو يشبه الصوف)، قاله إمام الشَّارحين.

(دون الرُّوَيْثَة)؛ أي: تحتها أو قريب منها، وهي بِضَمِّ الرَّاء، وفتح الواو، مع سكون التحتية، وفتح المثلَّثة


(١) في الأصل: (طرفة).
(٢) في الأصل: (مجلالًا)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٣) في الأصل: (الأقنان)، وهو تصحيف.

<<  <   >  >>