للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

المفتاح صرح به الكرماني، والعيني، وغيرهما، وكأنَّه أثبته باعتبار أنَّه آلة الفتح، ولا يمتنع رجوعه إلى السدانة؛ فتأمل) انتهى.

قلت: ويحتمل أنَّه أراد بقوله: «خذوها»؛ أي: الكعبة، وأخذ المفتاح قرينة إلى أنَّها تكون بأيديهم ولا تنزع منهم؛ فتأمل.

وكون الإمام العيني صرح به؛ ممنوع، بل نقل عبارة الكرماني وظاهره التبري منها، حيث لم يتعرض لمرجع الضمير، وانظر ما معنى السدانة التي (١) ذكرها العجلوني.

وفي «مختصر الصِّحاح» : (السادن: خادم الكعبة وبيت الأصنام، والجمع: السدنة) انتهى، وعلى هذا فالضمير يرجع إلى الكعبة؛ لأنَّها كانت بيت الأصنام.

وفي «القاموس» : (السدانة: خدم الكعبة، وسَدَنَ ثوبه: أرسله) انتهى، وعلى هذا فيكون السدانة: ثياب الكعبة، ومرجع الضمير إليها ظاهر؛ فتأمل مع ما سبق.

(ففَتَحَ البابَ)؛ أي: باب الكعبة، وظاهر كلام الشراح أنَّ الرواية بالبناء للفاعل؛ أي: أنَّه عليه السَّلام فتح الباب، وهو منصوب، ويحتمل أن يكون مبنيًا للمفعول؛ لأنَّه عليه السَّلام قد سلَّم المفتاح إلى آل أبي طلحة، فيحتمل أنَّ الفاتح عثمان أو غيره؛ فافهم، (فدخل النَّبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم) أي: في الكعبة (وبلال) عطف على قوله: (النَّبي)؛ أي: ودخل بلال أيضًا مع النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، وهو المؤذن، ابن رباح مولى الصديق الأكبر رضي الله عنهما، واسم أمه: حمامة، أسلم قديمًا، فعذبه قومه، وجعلوا يقولون له: ربك اللات والعزى، وهو يقول: أَحدٌ أَحد، فأتى عليه الصديق فاشتراه بسبع أواق، وأعتقه، فشهد بدرًا، والحديبية، والمشاهد كلها مع رسول الله عليه السَّلام، وهو أول من أذَّن لرسول الله، وكان يؤذن له سفرًا وحضرًا، توفي بالشام سنة عشرين، عن بضع وستين سنة، وقبره بمقبرة باب الصغير، عليه قبة عظيمة، يزار ويتبرك به، وغير ذلك فيه نظر؛ فافهم، (وأُسَامة بن زيد)؛ بِضَمِّ الهمزة، وفتح السين المهملة: حِبُّ رسول الله عليه السَّلام الذي ولاه عليه السَّلام وكان صغيرًا، (وعثمان بن طلحة) هو العبدري الحجبي، المار آنفًا، قال إمام الشَّارحين: (وإدخاله عليه السَّلام هؤلاء الثلاثة معه لِمعَانٍ تخص كل واحد منهم، فأمَّا دخول بلال؛ فلكونه مؤذنه وخادم أمر صلاته، وأمَّا أسامة؛ فلأنه كان يتولى خدمة ما يحتاج إليه، وأمَّا عثمان؛ فلئلا يتوهم الناس أنَّه عليه السَّلام عزله عن ولايته، ولأنَّه كان يقوم بفتح الباب وإغلاقه) انتهى.

(ثم أُغلِق البابَ)؛ بِضَمِّ الهمزة، وكسر اللَّام، مبنيًا للمفعول، كذا في رواية الأكثرين، وفي روايةٍ-كما في القسطلاني من غير عَزوٍ-: (ثم أَغلَق) بفتح الهمزة واللَّام، مبنيًا للفاعل، و (البابَ) منصوب على المفعولية، وعليها فيكون الفاعل النَّبيَّ الأعظم صلى الله عليه وسلم، وعلى الأولى يكون واحدًا من هؤلاء الثلاثة؛ فافهم.

والحكمة في غلق الباب ما قاله الخطابي وابن بطال: إنَّ إغلاق باب الكعبة كان لئلا يَكْثُر الناس عليه، فيصلُّون بصلاته عليه السَّلام، ويكون ذلك عندهم من المناسك، كما فعل في صلاة الليل حين لم يخرج إليهم؛ خشية أن يكتب عليهم.

وقيل: إنَّما كان ذلك لئلا يزدحموا عليه؛ لتوفر دواعيهم على مراعاة أفعاله ليأخذوها عنه.

وقيل: ليكون ذلك أسكن لقلبه، وأجمع لخشوعه، كذا في «عمدة القاري».

وفي العجلوني: (وقيل: للتمكن من الصلاة في جميع جهاتها؛ لأنَّ الصلاة إلى الباب لا تصح إذا كان مفتوحًا من غير شاخص مرتفع) انتهى.

قلت: وفيه نظر؛ لأنَّ فتح الباب غير مانع للصلاة، فإن شرط صحة الصلاة: استقبال جزء من بقعة الكعبة أو هوائها، فإن القبلة اسم لبقعة الكعبة المحدودة وهوائها إلى عنان السَّماء، وليس بناؤها قبلة، ولهذا حين أزيل البناء زمن عبد الله بن الزُّبير رضي الله عنه؛ صلى الصَّحابة رضي الله عنهم إلى البقعة أو هوائها دون البناء وإن كان البناء المرتفع يسمى كعبة؛ لأنَّه مأخوذ من الارتفاع، ومنه: الكاعب، فكان هذا إجماع من الصَّحابة على ذلك، فهذه العلة غير ظاهرة، وما قدمناه آنفًا أولى بالصَّواب؛ فافهم.

(فلبث)؛ بالمثلَّثة، من اللبث؛ وهو المكث؛ أي: مكث (فيه)؛ أي: في البيت العتيق النَّبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم ومن كان معه ممن سبق (ساعة)؛ أي: مقدار ساعة زمانية، وهي خمس عشرة درجة، وهي المعروفة بستين دقيقة؛ لأنَّ هذا المقدار من الزمن هو الذي يسع الصلاة، والدعاء، ونحوهما.

وقول العجلوني: (أي: لغوية)؛ ممنوع؛ لأنَّها حصة من الزمن ولو لحظة، وهي لا تسع الصلاة والدعاء ونحوها؛ فافهم.

(ثم خرجوا)؛ أي: النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم ومن دخل معه ممن (٢) سبق، وأتى بـ (ثم) المفيدة للتراخي؛ لأنَّه كان لبثهم ساعة زمانية كما ذكرنا، وهو يؤيد ما قلناه؛ فافهم.

قال العجلوني: (وفي نسخة: «ثم خرج») انتهى.

قلت: الله أعلم بصحتها، وليس المعنى عليها بظاهر؛ لأنَّ الذي خرج ليس فردًا بل جمعًا؛ فليحفظ.

(قال ابن عمر) هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: (فبَدَرتُ)؛ بفتح الموحَّدة والدَّال المهملة؛ أي: أسرعت؛ يعني: أنَّ ابن عمر لما رآهم خرجوا من البيت؛ بادر للسؤال عن صلاة النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، (فسألت بلالًا)؛ أي: قلت له: هل صلى النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم في البيت أم لا؟ (فقال) أي: بلال: (صلى فيه) أي: صلى النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم في البيت المعظم، (فقلت: في أيٍّ؟) بتنوين (أيٍّ)؛ يعني: في أيِّ نواحيه؟ كما ثبت في بعض النُّسخ، (قال) أي: بلال: (بين الأسطوانتين) تثنية الأُسطوانة؛ بِضَمِّ الهمزة، ووزنها: أفعوانة، وقيل: فعلوانة، قاله إمامنا الشَّارح، زاد الكرماني: (وقيل: أفعلانة).

وفي «عمدة القاري» : (وسيجيء في كتاب «الحج» عن ابن عمر: «أنَّه سأل بلالًا: هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم؛ بين العمودين -وكان البيت يومئذٍ على ستة أعمدة- ثم صلى»، وفي لفظ: «فمكث في البيت نهارًا طويلًا، ثم خرج فابتدر الناس الدخول، فسبقتهم فوجدت بلالًا قائمًا وراء الباب، فقلت له: أين صلى؟ فقال: بين ذينك العمودين المقدمين، قال: ونسيت أن أسأله كم صلى؟ وعند المكان الذي صلى فيه مرمرة حمراء») انتهى.

قلت: وهذان العامودان هما المعبَّر عنهما ههنا بـ (الأسطوانتين)؛ فافهم.

(قال ابن عمر: فذهب عليَّ) بفتح ياء المتكلم؛ أي: أُنْسِيت (أَن أَسأله) بفتح همزة (أَن) المصدرية، وهي في محل رفع فاعل (ذهب)؛ أي: ذهب عليَّ سؤال بلال: (كم صلى) النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم في البيت؟ أي: فاتني أن أسأله عن مقدار ما صلى؛ لأنَّ (كم) الاستفهامية للسؤال عن الكمية.

وفي «عمدة القاري» : (وروى أحمد من حديث عثمان بن طلحة بسند صالح: «أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم دخل البيت فصلى فيه ركعتين بين الساريتين (٣)».

وفي «فوائد سمويه» : «أنَّ عبد الرحمن بن الوضاح قال: قلت لشيبة: زعموا أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فلم يصلِّ فيها، قال: كذبوا،


(١) في الأصل: (الذي)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (مما)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٣) في الأصل: (السائريتين)، وهو تحريف.

<<  <   >  >>