للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والقاسم، وسالم، وعن الحسن: (لا بأس أن يستتر بالبعير)، وقال ابن عبد البر في «الاستذكار» : (لا أعلم فيه- أي: في الاستتار بالراحلة- خلافًا)، وقال ابن حزم: (من منع الصلاة إلى البعير؛ فهو مبطل) انتهى.

قال إمام الشَّارحين: (وهذا الحديث يخبر أنَّه عليه السَّلام صلى إلى البعير لا في موضعه، فلا يطابق للترجمة)، وعن هذا قال الإسماعيلي: (ليس في هذا الحديث بيان أنَّه صلى في مواضع الإبل، وإنما صلى إلى البعير لا في موضعه، وليس إذا أنيخ بعير في موضع؛ صار ذلك الموضع عطنًا، أو مأوًى للإبل) انتهى.

وعلله إمام الشَّارحين بأنَّ (العطن) : اسم لمبرك الإبل عند الماء؛ لتشرب عللًا بعد نهل، فإذا استوفت؛ رُدَّت إلى المراعي، انتهى.

وقد انتهت الجهالة إلى ابن حجر، فأجاب بأنَّ المؤلف يشير إلى أنَّ الأحاديث الواردة في التفرقة بين الإبل والغنم ليست على شرطه، لكن لها طرق قوية؛ منها: حديث جابر بن سمرة عند مسلم، وحديث البراء بن عازب عند أبي داود، وحديث أبي هريرة عند الترمذي، وحديث عبد الله بن مغفل عند النسائي، وحديث سبرة بن معبد عند ابن ماجه، وفيها كلها التعبير بمعاطن الإبل، فمراد المؤلف: الإشارة إلى ما ذكر من علة النهي عن ذلك؛ وهي كونها من الشياطين، كأنه يقول: لو كان ذلك مانعًا من صحَّة الصلاة؛ لامتنع مثله في جعلها أمام المصلي، وكذلك صلاة راكبها، وقد ثبت أنَّه عليه السَّلام كان يصلي النافلة وهو على بعيره، انتهى كلامه

وقد ردَّه إمام الشَّارحين فقال: (وقوله: «إن المؤلف يشير إلى أنَّ الأحاديث...» إلى آخره - ليت شعري- ما وجه هذه الإشارة؟! وبم دلَّ على ما ذكره؟

وقوله: «وفيها كلها التعبير بمعاطن الإبل» ليس كذلك، فإنَّ المذكور في حديث جابر بن سمرة عند مسلم، وحديث البراء بن عازب عند أبي داود: «مبارك الإبل»، والمبارك غير المعاطن؛ لأنَّ المبرك أعمُّ؛ فافهم

وقوله: «فمراد المؤلف: الإشارة إلى ما ذكر من علة النهي...» : إلى آخره ممنوع، وسبحان الله! ما أبعد هذا الجواب عن موقع الخطاب! فإنَّه متى ذكر علَّة النهي عن الصلاة في معاطن الإبل حتى يشير إليه؟! ولم يذكر شيئًا في كتابه من أحاديث النهي في ذلك، وإنما ذكره غيره:

فمسلم في «صحيحه» ذكر حديث جابر بن سمرة من رواية جعفر بن أبي ثور عنه: أن رجلًا سأل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أَأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: «إن شئت؛ توضأ، وإن شئت؛ فلا تتوضأ»، قال: أأتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: «فتوضأ من لحوم الإبل»، قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: «نعم»، قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: «لا».

وأبو داود ذكر حديث البراء من رواية ابن أبي ليلى وفيه: سئل عن الصلاة في مبارك الإبل، قال: «لا تصلوا في مبارك الإبل، فإنَّها من الشياطين».

والترمذي ذكر حديث أبي هريرة من حديث ابن سيرين عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «صلُّوا في مرابض الغنم، ولا تصلُّوا في أعطان الإبل».

وابن ماجه ذكر حديث سبرة بن معبد من رواية عبد الملك بن الربيع بن سبرة بن معبد الجهني، أخبرني أبي عن أبيه: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «لا يصلَّى في أعطان الإبل، ويصلَّى في مراح الغنم».

وذكر ابن ماجه أيضًا حديث عبد الله بن مغفل من رواية الحسن عنه قال: قال النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم: «صلُّوا في مرابض الغنم، ولا تصلُّوا في أعطان الإبل؛ فإنَّها خلقت من الشياطين».

وذكر أيضًا حديث ابن عمر من حديث محارب بن دثار يقول: سمعت ابن عمر يقول: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «توضؤوا من لحوم الإبل...»؛ الحديث، وفيه: «ولا تصلوا في معاطن الإبل».

وذكر الطبراني في «الأوسط» حديث أسيد بن خضير قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «توضَّؤوا من لحوم الإبل، ولا تصلُّوا في مناخها».

وأخرج أيضًا في «الكبير» حديث سليك الغطفاني عن النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «توضَّؤوا من لحوم الإبل، ولا توضَّؤوا من لحوم الغنم، وصلُّوا في مرابض الغنم، ولا تصلُّوا في مبارك الإبل».

وذكر أحمد في «مسنده» حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: «أن النبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم كان يصلي في مرابد الغنم، ولا يصلي في مرابد الإبل والبقر».

وأخرجه الطبراني في «الكبير» أيضًا، ولفظه: «لا تصلوا في أعطان الإبل، وصلوا في مراح الغنم».

وذكر الطبراني أيضًا حديث عقبة بن عامر في «الكبير»، و «الأوسط» عن النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل ومبارك الإبل».

وذكر أحمد والطبراني أيضًا حديث يعيش الجهني، المعروف بذي الغرة من رواية ابن أبي ليلى عنه قال: «عرض أعرابي لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم...»؛ الحديث، وفيه: «تدركنا الصلاة ونحن في أعطان الإبل، فنصلِّي فيها؟ فقال عليه السَّلام: لا»، وأخرجه أحمد أيضًا.

فهذا كله كما رأيت وقع في موضع: «مبارك الإبل»، وفي موضع: «مناخ الإبل»، وفي مواضع: «مرابد الإبل»، ووقع عند الطحاوي في حديث جابر بن سمرة «أن رجلًا قال: يا رسول الله؛ أصلي في مباءة الإبل؟ قال: لا»، و «المباءة» : المنزل الذي تؤويإليه الإبل، و «الأعطان» : جمع عطن؛ وهو الموضع الذي يناخ فيه عند ورودها الماء، و «المبارك» : جمع مبرك، وهو موضع بروك الجمل في أي موضع كان، و «المُناخ»؛ بضمِّ الميم: المكان الذي تناخ فيه الإبل، و «المرابد»؛ بالمهملة: الأماكن التي تحبس فيها الإبل وغيرها من البقر والغنم، فكل عطن مبرك، وليس كل مبرك عطنًا؛ لأنَّ العطن الموضع الذي يناخ فيه عند ورودها الماء فقط، والمبرك أعم؛ لأنَّه الموضع المتخذ لها في كل حال، فإذا كان كذلك؛ فتكره الصلاة في مبارك الإبل ومواضعها، سواء كانت عطنًا، أو مناخًا، أو مباءة، أو مرابد، وغير ذلك.

فدلَّ هذا كله على أنَّ علة النهي فيه كونها خلقت من الشياطين، ولا سيَّما فإنَّه عليه السَّلام علل ذلك بقوله: «فإنَّها خلقت من الشياطين» وقد مرَّ في رواية أبي داود: «فإنَّها من الشياطين»، وفي رواية ابن ماجه: «فإنَّها خلقت من الشياطين» وهذا يدلُّ على أنَّ الإبل مخلوقة من الجن؛ لأنَّ الشياطين من الجن على الصحيح من الأقوال، وعن هذا قال يحيى بن آدم: «جاء النهي من قبل أنَّ الإبل يخاف وثوبها، فتعطب

<<  <   >  >>