(هذا الحديث عندي خطأ)، وقال في «سننه الكبرى» : (إسناده جيد، إلا أنَّ جماعة من أصحاب ابن عمر خالفوا الأزدي فيه، فلم يذكروا فيه النهار)؛ منهم: سالم، ونافع، وطاووس، والحديث في «الصَّحيحين» من حديث جماعة عن ابن عمر، وليس فيه ذكر النهار، وروى الإمام أبو جعفر الطَّحاوي عن ابن عمر: (أنَّه كان يصلِّي بالليل ركعتين، وبالنهار أربعًا)، ثم قال: فمحال أن يروي ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا ثم يخالفه، فعلم بذلك أنَّه كان ما روي عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفًا أو كان موقوفًا غير مرفوع.
فإن قلت: روى أبو نعيم في «تاريخ أصفهان»، عن عروة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى»، وروى إبراهيم الحربي في «غريب الحديث» عنه عليه السَّلام قال: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى».
قلت: الذي رواه البخاري ومسلم أصح منهما، وأقوى، وأثبت، وعلى تقدير التسليم؛ فنقول: معناه: شفعًا لا وترًا من إطلاق الملزوم على اللازم مجازًا؛ جمعًا بين الدليلين، وفيه: فإنَّ قوله: (فإذا خشي الصبح؛ صلى واحدة) احتج به من يقول: إنَّ الوتر ركعة واحدة، وكذا بما رواه مسلم من حديث أبي مجلز قال: سمعت ابن عمر يحدث عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «الوتر ركعة من آخر الليل»، وإليه ذهب عطاء، وابن المسيب، ومالك، والشَّافعي، وأحمد، وأبو ثور، وإسحاق، وداود، وجعلوا هذا الحديث أصلًا في الإيتار بركعة، إلا أنَّ مالكًا قال: ولا بد أن يكون قبلها شفع؛ ليسلِّم بينهن في الحضر والسفر، وعنه: لا بأس أن يوتر المسافر بواحدة، وكذا فعله سحنون، وقال ابن العربي: (الركعة الواحدة لم تشرع إلا في الوتر)، وفعله أبو بكر، وعمر، وعثمان، وسعد، وابن عبَّاس، ومعاوية، وأبي موسى.
وقال الإمام الأعظم رأس المجتهدين، وسفيان الثَّوري، وأبو يوسف، ومحمَّد بن الحسن، وأحمد ابن حنبل في رواية، وعمر بن عبد العزيز، والحسن بن حي، وعبد الله بن المبارك، وغيرهم: الوتر ثلاث ركعات لا يُسلِّم إلا في آخرهن كصلاة المغرب.
وقال ابن عبد البر: يروى ذلك عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأُبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأنس بن مالك، وأبي أمامة، وحذيفة، والفقهاء السبعة، والعبادلة، وأبي هريرة رضي الله عنهم.
وأجابوا عما احتجت به أهل المقالة الأولى من الحديث ونحوه: بأنَّ قوله صلى الله عليه وسلم: «الوتر ركعة من آخر الليل» أن يكون ركعة مع شفع تقدمها، وذلك كله وتر، فتكون الركعة توتر الشفع المتقدم.
وقد بين ذلك آخر حديث الباب الذي احتج به هؤلاء، وهو قوله: «فأوترت له ما صلى»، وكذلك قوله عليه السَّلام في الحديث الثاني من هذا الباب: «فأوتر بواحدة توتر لك ما قد صليت»، وآخر حديثهم حجة عليهم.
وروى الترمذي في «جامعه» عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث...)؛ الحديث.
وروى الحاكم في «مستدركه» عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث، لا يقعد إلا في آخرهن).
وروى النسائي والبيهقي من رواية سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن زرارة، عن سعد بن هشام، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسلم في ركعتي الوتر).
وقال الحاكم: (لا يسلم في الركعتين الأوليين من الوتر)، وقال: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه).
وروى الإمام أحمد من حديث عمران بن حصين: (أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث...)؛ الحديث.
وروى مسلم وأبو داود من رواية علي بن عبد الله بن عبَّاس عن أبيه: (أنَّه رقد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم...)؛ فذكر الحديث، وفيه: (ثم أوتر بثلاث).
وروى النسائي من رواية يحيى بن الجزار عن ابن عبَّاس قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي من الليل ثمان ركعات، ويوتر بثلاث).
وروى أبو داود، والنسائي، وابن ماجه من رواية عبد الرحمن بن أبزى عن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث ركعات).
وروى ابن ماجه من رواية الشعبي قال: (سألت ابن عبَّاس وابن عمر رضي الله عنهم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقالا: ثلاث عشرة؛ منها ثمان بالليل، ويوتر بثلاث، وركعتين بعد الفجر).
وروى الدارقطني في «سننه» من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وتر الليل ثلاث كوتر النهار؛ صلاة المغرب».
وروى محمَّد بن نصر المروزي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث).
وروى ابن أبي شيبة في «مصنفه» عن الحسن البصري رضي الله عنه قال: (أجمع المسلمون على أنَّ الوتر ثلاث لا يسلم إلا في آخرهن).
فإن قلت: روي عن أبي هريرة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا توتروا بثلاث، وأوتروا بخمس أو بسبع، ولا تشبهوا بصلاة المغرب».
قلت: روي هذا موقوفًا على أبي هريرة كما روي مرفوعًا، ومع هذا هو معارض بحديث علي وعائشة ومن ذكرنا معهما من الصَّحابة.
وأيضًا فإنَّ قوله: (لا توتروا بثلاث) : معناه: كراهة الوتر من غير تطوع قبله من الشفع، فيكون المعنى: لا توتروا بثلاث وحدها من غير أن يتقدمها شيء من التطوع الشفع، بل أوتروا هذه الثلاث مع شفع قبلها؛ ليكون خمسًا، وإليه أشار بقوله: (وأوتروا بخمس)، أو أوتروا هذه الثلاث مع شفعين قبلها؛ ليكون سبعًا، وإليه أشار بقوله: (أو بسبع)؛ أي: أوتروا بسبع ركعات؛ أربع تطوع، وثلاث وتر، ولا تفردوا هذه كصلاة المغرب ليس قبلها شيء من التطوع، وإليه أشار بقوله: (ولا تشبهوا بصلاة المغرب) في كونها ثلاث ركعات ليس قبلها شيء.
والنَّهي ليس بوارد على تشبه الذات بالذات، وإنَّما هو وارد على تشبيه الصِّفة بالصِّفة، ومع هذا فيما ذكره نفي أن تكون الركعة الواحدة وترًا (١)؛ لأنَّه أمر بالإيتار بخمس أو بسبع ليس إلا؛ فافهم.
فإن قلت: قال محمَّد بن نصر المروزي: (لم نجد عن النَّبي صلى الله عليه وسلم خبرًا ثابتًا مفسرًا أنَّه أوتر بثلاث لم يسلِّم إلا في آخرهن، كما وجدنا في الخمس والسبع والتسع؛ غير أنَّا وجدنا عنه أخبارًا أنَّه أوتر بثلاث لا ذِكْر للتسليم فيها).
قلت: يرد عليه ما ذكرناه عن «المستدرك» من حديث عائشة: (أنَّه كان يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن)، وفي حديث أُبي بن كعب: (لا يسلم إلا في آخرهن)، وقد قيل: لعل محمَّد بن نصر لا يرى هذا ثابتًا.
قلت: هذا تعصب بارد
(١) في الأصل: (وتر)، وليس بصحيح.