للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بن نجيم رضيَ الله عنه، وقد طوَّل الكرماني في الاحتجاج للشَّافعيِّ، ومن تبعه في هذا من طريق العقل، والنقل يبطله؛ فافهم.

(وأَمَّ ابن عباس)؛ بفتح الهمزة، من الإمامة؛ أي: صلى إمامًا بأصحابه (وهو متيمم) كما وصله ابن أبي شيبة، والبيهقيُّ أيضًا بإسنادٍ صحيحٍ، ووجه مناسبة هذا للترجمة من حيث إن التَّيمم وضوء المسلم، فإذا كان كذلك؛ يجوز إمامة المتيمم للمتوضئ؛ كإمامة المتوضئ، فدلَّ ذلك: على أن التَّيمم طهارة مطلقة غير ضروريَّة؛ إذ لو كان ضروريًّا؛ لكان ضعيفًا، ولو كان ضعيفًا؛ لما أَمَّ ابن عباس وهو متيمم بمن كان متوضئًا، وهذا مذهب الإمام الأعظم، والإمام أبي يوسف، وبه قال الثَّوري، وإسحاق، والشَّافعي، وأحمد، وأبو ثور، وكَرِه مالك، وعبد الله بن الحسن ذلك، فإن فعل؛ أجزأه، وقال الإمام محمَّد بن الحسن: لا يجوز اقتداءُ متوضئٍ بمتيمم، وبه قال يحيى بن الحسن، والحسن بن يحيى، والأوزاعي، وربيعة، ويحيى بن سَعِيْد الأنصاري، واستدلَّ الإمام الأعظم، والجمهور بحديث عمرو بن العاص رواه ابن شاهين بإسناد صحيح: أنَّه عليه السَّلام جعله أميرًا على سَرِية، فلمَّا انصرفوا؛ سألهم عن سيرته، فقالوا: كان حسن السيرة، ولكنه صلى بنا يومًا وهو جنب، فسأله النَّبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: احتلمت في ليلة باردة خشيتُ الهلاكَ إن اغتسلت، فتلوت قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥]، فتيممت، وصلَّيت بهم، فتبسَّم النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، وقال: «يا لك من فقه عمرو بن العاص!»، ولم يأمرهم بالإعادة، وقال أبو طالبٍ: سألت أبا عبد الله عن الجنب يؤمُّ المتوضئين، قال: نعم، قد أَمَّ ابن عباس أصحابه وفيهم عمَّار بن ياسر وهو جنب فتيمم، ولأنَّه طاهر اقتدى بطاهر، فإن التَّيمم عندَ عدمِ الماءِ مُطهر، والعدم ثابت في حق الكل؛ فتكون طهارته ثابتة في حقهم، ولأنَّ الصعيد خلف عن الماء في حصول الطهارة، فبعد حصولِ الطهارةِ كان شرط الصَّلاة موجودًا في حق كل واحد منهم بكماله، فصار بمنزلة الماسح يؤمُّ الغاسلين، واستدلَّ الإمام محمَّد بن الحسن، ومن تبعه بما رُوِي عن جابر مرفوعًا: «لا يؤمُّ المتيمم المتوضئين»، وبما روي عن علي الصدِّيق الأصغر موقوفًا: «لا يؤمُّ المتوضئين المتيممون»، ولا المقيد المطلقين، وبما ذكره ابن شاهين من حديث الزُهْرِي عن ابن المسيِّب عن عمر بن الخطاب مرفوعًا: «لا يؤمُّ المتيمم المتوضئين»، ولأن التَّيمم طهارةٌ ضروريةٌ، وهو خلف عن الوضوء، فيكون المتيمم صاحب الخلف، والمتوضئ صاحب الأصل، فلا يؤمُّه؛ لأنَّه أضعف منه.

وأجاب الجمهور: بأنَّ ما رُوي عن جابر وعليٍّ ضعيف، فقد ضعفهما الدَّارقطنيُّ، وابن حزم، وغيرهما، وما ذكره ابن شاهين عن الزُهْرِي ضعيفٌ أيضًا، (ولئن صح هذا عنهم؛ فيحملُ أن يكونَ حديثُ عمرو بن العاص ناسخًا للثلاثة؛ لأنَّه صحيح الإسناد، ويحتمل أن يكون النهي في ذلك لضرورة وقعت مع وجود الماء)، قاله ابن شاهين.

قلت: ويحتمل أن يكون النهي لنفي الفضيلة والكمال، بدليلِ عطف المقيد عليه، وهناك المراد: نفي الفضيلة إجماعًا، واعترض: بأن حديث عمرو بن العاص رخصة له؛ لأنَّه لم ينهه ولم يأمره بالإعادة.

وأجيب: بأنه ليس من الرخصة في شيءٍ؛ لأنَّه لو كان رخصةً له دون غيره؛ لم يقل له النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم: أحسنتَ، وتبسَّم في وجهه، وقال له: «يا لك من فقه عمرو بن العاص!»، فقد جعل هذا من الفقه وهو عامٌّ له ولغيره، ولأنَّ التَّيمم طهارةٌ مطلقة فيما شرع طهارةفي حقه؛ وهو أداء الصَّلاة، وما يتوقف صحته على الطهارة، وإلى هذا الإطلاق أشير في قوله عليه السَّلام: «جُعِلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا...»؛ الحديث، فتيمم الإمام بعد تحقق شرطه طهارة مطلقة في حقه وحق المقتدي؛ لأنَّه كالوضوء في حقِّ أداء الصَّلاةِ، فلا يمنعُ صحة اقتدائهِ به، كما لو كان متوضئًا حقيقةً، واستعمال المقتدي الماء لا يصير الماء موجودًا في زعمه، فكان الإمام طاهرًا في زعمه بخلاف ما لو كان معه ما لا يشعر به إمامه، فإن الشَّرط لم يوجد في زعمه، انتهى.

وقد أوضح المقام في «معراج الدراية»؛ فليحفظ.

وزَعم ابن حجر أنَّ هذه المسألة وافق فيها الكوفيون، والجمهور على خلاف ذلك، واحتجَّ المصنف لعدم الوجوب بعموم قوله في حديث الباب، فإنه يكفيك ما لم تحدث أو تجد الماء، وحمله الجمهور: على أعمَّ من ذلك؛ أي: لفريضةٍ واحدة، وما شئتَ من النَّوافلِ، انتهى.

وردَّه إمام الشَّارحين فقال: (وقوله: «إن هذه المسألة...» إلى آخره: هذا عكس القضية، بل الجمهور على الموافقة، يقف عليه من يمعن النظر في الكتب).

وقوله: (واحتج المصنف... إلى آخره) ليس كذلك، بل معنى قوله: «فإنَّه يكفيك»؛ أي: في كل الصلوات فرضها ونفلها، وهذا هو معنى الأعمِّية، وليس في قوله: (لفريضةٍ واحدةٍ وما شئتَ من النَّوافل) معنى الأعمِّية، فإن معنى الأعمِّية: أن يكون شاملًا لجميعِ أفرادِ ذلك الشيء، وليس لقوله: (لفريضة واحدة) إفراد، وأما (النوافل)؛ فإنه تبع للفرض، والتَّابع ليس له حكمٌ مستقلٌ، بل حكمه حكم المتبوع؛ فافهم) انتهى كلامه رحمه الباري.

وهذا ابن حجرٍ لا بدَّ أن يجعلَ له في الطنبور نغمةً حتى يُظهرَ علمه، وفهمه، وبلاغته، ألا والعلم عند الله، وما علي إذا لم تفهم البقر؟! وفوق كل ذي علمٍ عليم.

(وقال يحيى بن سَعِيْد)؛ بكسر العين المهملة: هو الأنصاري: (لا بأس بالصَّلاة)؛ أي: المفروضة، والواجبة، والنافلة (على السَبَخَة)؛ بفتح حروفها كلها، واحدة السِبِاخ، فإذا قلت: أرض سَبِخة؛ كسرت الموحدة، وقال ابن سيده: (هي أرض ذات ملحٍ وَتَرٍ، وجَمعُها سِبَاخ، وقد سبَخَت سبخًا، فهي سبخة، وأسبخت)، وقال غيره: (هي أرض تعلوها ملوحة لا تَكادُ تنبت إلا بعضَ الشَّجر)، وفي «الباهر» لابن عديس: (سبخت؛ بكسر الموحدة، وفتحها)، في «شرح الموطأ» لعبد الملك بن حبيب: (السبِخة: الأرض المالحة التي لا تنبت شيئًا، وليست الردعة، ولا الرداع، كما يقول من لا يعرف)، كذا في «عمدة القاري»، (والتيمم بها) أي: بتلك الأرض، والتعبير بلا بأس يفيد أنَّ:

<<  <   >  >>