للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أي: الوشاح عند الصبية، وفي الكلام حذف وهو: أنَّ الصبية التمست وشاحها أولًا، فلم تجده فسألت عنه الحي المذكور، فالتمسوه ثانيًا، فلم يجدوه؛ فافهم.

(قالت) أي: الوليدة: (فاتهموني به) أي: بأخذ الوشاح المذكور؛ يعني: بسرقته (قالت) أي: الوليدة لا عائشة كما زعم القسطلاني وتبعه العجلوني: (فطفقوا) أي: شرعوا (يفتشون)؛ أي: يكشفون عن ثيابها وينظرون ثيابها، هل الوشاح معها؟ ويؤيد ما قلناه رواية الأصيلي وابن عساكر: (يفتشوني)؛ بضمِّير المتكلم، فهو يدل على أنَّ هذا قول الوليدة، وزعم العجلوني أنَّ هذه الرواية على حكاية لفظ الوليدة، انتهى.

قلت: هو غير ظاهر؛ لأنَّ هذا ليس بقول عائشة، بل هو قول الوليدة؛ لأنَّها المخبرة عن حالها في ذلك، وهذا هو الحقيقة، وما زعمه محاولة وخروج عن الظاهر؛ فافهم.

(حتى) أي: إلى أن (فتشوا قبُلها)؛ بضمِّ القاف والموحدة؛ أي: فرجها، فإن قلت كان القياس أن يقال: (قبلي)، بياء المتكلم.

قلت: إن كان هذا من كلام عائشة؛ فهو على الأصل، وإن كان من كلام الوليدة؛ فهو من باب الالتفات، أو من باب التجريد، فكأنَّها جردت من نفسها شخصًا وأخبرت عنه، والظاهر: أنَّه من كلام الوليدة، كذا قاله إمام الشَّارحين، وكذا استظهر أنَّه من كلام الوليدة ابن حجر العسقلاني في «فتحه».

قلت: وهذا هو الظاهر، ويدل عليه رواية الأصيلي وابن عساكر السابقة، وكذلك رواية المؤلف في (أيام الجاهلية) : (حتى فتشوا قبلي) بياء المتكلم؛ فليحفظ

(قالت) أي: الوليدة (والله إني لقائمة معهم) أي: مع هؤلاء الحي (إذ مرت الحدياة) أي: المذكورة، وكلمة (إذ) على أربعة أقسام؛ أحدها: أن تكون اسمًا للزمن الماضي، والثالث في استعمالها: أن تكون ظرفًا، و «إذ» ههنا من هذا القبيل، وتمامه في موضعها، قاله إمام الشارحين.

قلت: وهي وإن كانت ظرفًا إلا أنَّها ههنا للمفاجأة؛ فافهم.

زاد ثابت في «الدلائل» : (قالت: فدعوت الله أن يبرئني، فجاءت الحدياة، وهم ينظرون) (فألقته) أي: رمت الحدياة الوشاح المذكور (قالت) أي: الوليدة: (فوقع) أي: الوشاح (بينهم) أي: بين هؤلاء الحي (قالت) أي: الوليدة: (فقلت) أي: لهؤلاء الحي: (هذا) أي: الوشاح المذكور هو (الذي اتهمتموني به) أي: نسبتموني إلى سرقته (زعمتم) أي: أني أخذته، فحذف مفعول (زعمت)؛ للقرينة الدالة عليه، بل صرح به في نسخة، قال الأصمعي: (الزعم: الكذب)، وقال الواحدي: (وأكثر ما يستعمل بمعنى فيمالا يتحقق)، قال ابن المظفر: (أهل العربية يقولون: زعم فلان؛ إذا شك فيه ولم يدر لعله كذب أو باطل)، وقال شريح: (زعموا: كنية الكذب) انتهى.

فقولها: (زعمتم) تريد: كذبتم علي (وأنا منه بريئة)؛ الجملة حالية، والضمير في (منه) يرجع إلى الزعم الذي يدل عليه (زعمتم) ويجوز أن يرجع إلى الوشاح؛ أي: من أخذه؛ قاله إمام الشَّارحين.

قلت: والذي يظهر أنَّ المعنى الثاني أوفق للمقام، وإن كان المعنى الأول صحيحًا؛ فتأمل.

(وهو ذا هو) قال إمام الشَّارحين: فيه أوجه من الإعراب:

الأول: أن يكون (هو) الأول مبتدأً و (ذا) خبره، و (هو) الثاني خبر بعد خبر، ويكون (هو) الأول راجعًا (١) إلى الوشاح و (ذا) إشارة إلى المُلقى.

الثاني: أن يكون (هو) الثاني تأكيدًا للأول.

الثالث: أن يكون تأكيدًا لـ (ذا).

الرابع: أن يكون بيانًا له.

الخامس: أن يكون (ذا) مبتدأ ثانيًا، وخبره (هو) الثاني، والجملة خبر المبتدأ الأول.

السادس: أن يكون (هو) ضمير الشأن، ويكون (ذا) مع (هو) الثاني جملة، أو الثاني خبرًا (٢) محذوفًا والجملة تأكيدًا للجملة.

السابع: أن يكون (ذا) منصوبًا على الاختصاص.

ووقع في رواية أبي نعيم (وها هو ذا)، وفي رواية ابن خزيمة (وهو ذا) كما ترون، انتهى.

(قالت) أي: عائشة، قاله الشَّارح وتبعه الشرَّاح: (فجاءت)؛ أي: الوليدة؛ أي: بعد ما هاجرت من بلاد هؤلاء الحي (إلى رسول الله) وللأصيلي: (إلى النبي الأعظم) (صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ أي: إلى مدينته المنورة حتى تشرفت برؤيته، (فأسلمت)؛ أي: على يديه، (قالت)؛ أي: عائشة: (فكانت)؛ أي: الوليدة، وللكشميهني (فكان)، قلت: والظاهر: أنها بمعنى: وجد، وقوله (لها خباء) خبر ومبتدأ، و (في المسجد) متعلق بـ (وجد).

وزعم العجلوني أن (كان) في هذه الرواية على إسناد (كان) إلى خباء في (لها خباء) و (لها) خبرها مقدم، والأقرب جعله حالًا والخبر (في المسجد) (٣) انتهى.

قلت: وهو غير ظاهر مع ما فيه من التعسف؛ فافهم، و (الخِباء) : بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الموحدة، وبالمد؛ وهي خيمة تكون من وبر، أو صوف، وهي على عمودين أو ثلاثة وما فوقها.

وقال أبو عبيدة: (الخباء لا يكون إلا من شعر).

قلت: وفيه نظر، ففي «المخصص» : (الخباء: يكون من وبر، أو صوف، ولا يكون من شعر).

وقال الكلبي: (بيوت العرب ستة: مظلة من شعر، خباء من صوف، بجاد من وبر، خيمة من شجر، أقنة (٤) من حجر، قبة من أدم).

وقال ابن دريد: (الأخبية: بيوت الأعراب، فإذا ضخم الخباء؛ فهو بيت، والخباء مشتق من خبأت خبيئًا، ويقال: تخبأت).

وعن الفارسي: (أصل هذه الكلمة التغطية)، وعن ابن السكيت: (أخبينا خباء: نصبناه، واستخبيناه: نصبناه ودخلنا فيه) انتهى.

(في المسجد)؛ أي: النبوي، ويجوز أن يكون الجار والمجرور حال و (ال) في (المسجد) للعهد؛ أي: المعهود عن عائشة، وهو مسجده عليه السَّلام (أو حِفْش) بكسر الحاء المهملة، وسكون الفاء آخره شين معجمة؛ وهو بيت صغير قريب السمك، مأخوذ من الانحفاش؛ وهو الانضمام، وذكر ابن عديس: أنه الصغير من بيوت الأعراب، وقيل الحفش: بالفتح والكسر والاسكان: وبفتح الفاء: البيت القريب السمك من الأرض وجمعه: أحفاش وحفاش، وفي «المخصص» : (أنه من الشعر، لا من الآجر)، وفي «المغرب» : (استعير من حفش المرأة؛ وهو درجها)، وقال أبو عبيد: (هو البيت البردي، وقيل: الخرب)، وقال الجوهري: (وهو وعاء المغازل).

قلت: (لكنه استعير للبيت الصغير) قاله إمام الشَّارحين.

وكلمة (أو) للشك من عائشة (قالت)؛ أي: عائشة: (فكانت)؛ أي: الوليدة (تأتيني فتحدِّث عندي)؛ بلفظ المضارع، أصله: تتحدث من التحدث، فحُذفت إحدى التاءين، فعند سيبويه: المحذوف التاء الثانية؛ لأنَّ الثقل نشأ منها، وقيل: هي الأولى؛ لأنَّها زائدة، كذا في


(١) في الأصل: (راجع)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (خبر)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٣) في الأصل: (بالمسجد).
(٤) في الأصل: (أفتتة)، ولعله تحريف.

<<  <   >  >>