للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الصاد المهملة، وفتح الهاء: هو البصري الأعمى، (عن أنس) : هو ابن مالك الأنصاري رضي الله عنه أنَّه (قال: أُتي) بضمِّ الهمزة على صيغة المجهول (النبيُّ) الأعظم، وفي رواية: (رسول الله) (صلَّى الله عليه وسلَّم)، وقوله: (بمال) متعلق بـ (أُتي)، وهو مُنَوَّن ومجهول، وقد تعين هذا المال فيما رواه ابن أبي شيبة من طريق حُميد مرسلًا: أنَّه كان مئة ألف، وأنَّه أرسل به العلاء بن الحضرمي (من) خراج (البحرين) قال: وهو أول خراج حُمِل إلى النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد روى المؤلف في (المغازي) من حديث عمرو بن عوف: (أن النبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم صَالَحَ أهل البحرين، وأمَّرَ عليهم العلاء بن الحضرمي، وبعث أبا عبيدة ابن الجراح رضي الله عنه إليهم، فقَدِمَ أبو عبيدة بمال، فسمعت الأنصار بقُدُومه...)؛ الحديث.

فإن قلت: ذكر الواقدي في (الرِّدة) : (أنَّ رسول العلاء بن الحضرمي بالمال: هو العلاء بن جارية الثقفي).

قلت: يحتمل أنه كان رفيق أبي عبيدة، فاقتصر في رواية الواقدي عليه.

فإن قلت: في «صحيح البخاري» من حديث جابر: أنه عليه السَّلام قال له: «لو جاء بمال البحرين؛ أعطيتك»، وفيه: فلم يقدم مال البحرين حتى مات عليه السَّلام، فهذا يعارض حديث الباب.

قلت: لا معارضة في ذلك؛ لأنَّ المراد: أنه لم يقدم في السنة التي مات فيها النبيُّ الأعظم عليه السَّلام، فإنَّه كان في مال خراج أو جزية، فكان يقدم من سنة إلى سنة، وأما البحرين؛ فهو تثنية بحر في الأصل، وهي بلدة مشهورة بين البَصرة وعُمان، وهي هَجَر، وأهلها: عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن مَعَد بن عدنان، وقال القاضي عياض: (قيل: بينها وبين البصرة أربعة وثمانون فرسخًا)، وقال البكري: (لما صالح أهله رسول الله عليه السَّلام؛ أمَّرَ عليهم العلاء بن الحضرمي)، وزعم أبو الفرج في «تاريخه» أنها وبية، وأن ساكنها معظمهم مطحولون، وأنشد:

من يسكن البحرين يَعظُم طحاله... ويُغبَط بما في جوفه وهو ساغب

وزعم ابن سعد أنه عليه السَّلام لما انصرف من الجعرانة -يعني: بعد قسمة غنائم حنين- أرسل العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي، وهو بالبحرين يدعوه إلى الإسلام، فكتب إلى رسول الله عليه السَّلام بإسلامه وتصديقه، كذا في «عمدة القاري».

(فقال) عليه السَّلام: (انثروه)؛ بالنون ثم المثلثة؛ أي: صبوه (في المسجد) أي: النبوي المدني، فـ (أل) فيه للعهد (وكان) أي: المال المأتي من البحرين (أكثر مال أُتي) بضمِّ الهمزة على صيغة المجهول (به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ بالرفع نائب فاعل، يحتمل من البحرين، ويحتمل من غيرها، لكن تقدم أن المال كان مئة ألف، وهو ليس بكثير، لكن كونه أتي من البحرين كثير حيث إنَّه الواجب عليهم وقتئذٍ، وبالنسبة لما قبل ذلك، (فخرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم) أي: من حجرته (إلى الصلاة)؛ أي: لأدائها في مسجده، والظاهر أنها الظهر، (ولم يلتفت إليه)؛ أي: إلى المال الذي قدم من البحرين، (فلما قضى صلاته)؛ أي: فرغ من صلاته، واستقبال القبلة؛ قام من مكانه، ثم (جاء فجلس إليه)؛ أي: عند ذلك المال؛ لأجل قسمته بين الناس، (فما كان يرى أحدًا إلا أعطاه) من ذلك المال؛ (إذ جاءه العبَّاس)؛ وهو عم النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم ابن عبد المطلب، وكلمة (إذ) ظرف في الغالب، والعامل فيه يجوز أن يكون قوله: (فجلس إليه)، ويجوز أن يكون قوله: (يرى)، قاله إمام الشَّارحين، وزعم في «المصابيح» أن المعنى: فبينما هو على ذلك؛ إذ جاءه العبَّاس، ذكره القسطلاني.

قلت: وعليه؛ فهي ظرف للمفاجأة، وفيه نظر؛ لأنَّ العبَّاس لم يفاجئ النبيَّ الأعظم عليه السَّلام، بل جاءه؛ ليرى هذه القسمة حيث إنَّه عليه السَّلام ما كان يرى أحدًا إلا أعطاه، فمجيئه ليس على سبيل المفاجأة، بل على سبيل التعجب من كرمه عليه السَّلام، وعلى هذا؛ فهي ظرف ألبتة، وليس معناها المفاجأة؛ فافهم.

(فقال: يا رسول الله؛ أعطني) من هذا المال كما أعطيت الناس، (فإني فاديت نفسي)؛ يعني: يوم بدر حيث أُخِذَ أسيرًا، وفاديت: من المُفَادَاة، يقال: فَادَاه يفاديه: إذا أعطى فداءه وأنقذ نفسه، ويقال: فدى وأفدى وفادى، ففدى: إذا أعطى المال لخلاص نفسه، وأفدى: إذا أعطى المال لخلاص غيره، وفادى: إذا افتَّكَ الأسير بأسير مثله، كذا في «عمدة القاري».

(وفاديت عَقِيلًا)؛ بفتح العين المهملة، وكسر القاف، وهو ابن أبي طالب، وكان هو أيضًا أُسر يوم بدر مع عمه العبَّاس، (فقال له)؛ أي: للعبَّاس (رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: خذ) أي: افتح ثوبك وخذ، (فحَثَا)؛ بفتح الحاء المهملة والثاء المثلثة، من الحثية؛ وهي ملء اليد، يقال: حثوت له: إذا أعطيته شيئًا يسيرًا، والضمير فيه يرجع إلى العبَّاس (في ثوبه)؛ أي: حثا العبَّاس في ثوب نفسه مرة بعد أخرى إلى أن ملأ ثوبه كما يظهر، (ثم ذهب) رضي الله عنه عن المجلس يسيرًا (يُقله)؛ بضمِّ التحتية، من الإقلال؛ وهو الرفع والحمل، (فلم يستطع)؛ أي: حمله لكثرته، (فقال) أي العبَّاس: (يا رسول الله؛ اؤمر بعضهم)؛ أي: بعض الحاضرين (يرفعه)؛ أي: المال الذي أخذته (إليَّ)؛ بفتح التحتية؛ أي: عليَّ؛ لأنَّي لم أستطع حمله؛ لكثرته، و (يرفعه)؛ بياء المضارعة، والضمير المستتر فيه يرجع إلى البعض، والبارز إلى المال الذي حثاه العبَّاس في ثوبه، وهو بالجزم على أنه جواب الأمر؛ أي: فإن تأمره يرفعه، وبالرفع على الاستئناف؛ والتقدير: هو يرفعه، وفي رواية أبي ذر: (بِرفْعه)؛ بالباء الموحدة المكسورة، وسكون الفاء، و (اؤْمر)؛ بهمزة مضمومة، وأخرى ساكنة، وتحذف الأولى عند الوصل، وتصير الثانية ساكنة، وهذا جار على الأصل، وفي رواية الأصيلي وابن عساكر: (مُر) على وزن (عل)، فحذفت منه فاء الفعل؛ لأنَّ أصله: أمر؛ لأنَّه من أمر يأمر؛ مهموز الفاء، فحذفت همزة الكلمة؛ لاجتماع الهمزتين في أول الكلمة المؤدي إلى الاستثقال، فبقي: امُرْ، فاستغني عن همزة الوصل؛ لتحرك ما بعدها، فحذفت، فصار: (مُر)، على وزن (عل)، قاله إمامنا الشَّارح.

(قال) عليه السَّلام لعمه: (لا) أي: لا آمر أحدًا يرفعه عليك، (قال: فارفعه أنت عليَّ، قال: لا) أرفعه، وإنما لم يأمر النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم أحدًا بإعانته في الرفع ولا أعانه بنفسه، يحتمل أنه فعل ذلك؛ زجرًا له عن الاستكثار من المال، وألا يأخذ منه إلا قدر حاجته، ويحتمل أنه فعل

<<  <   >  >>