للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

عمرو بن يحيى، وتقدَّم أن السائل هو جده، وهذا يدل على أنه أخو جده، ولا منافاة في كونه جدًّا له من جهة الأم عمًّا لأبيه، كذا قاله الكرماني، قال ابن حجر: (وهذا غريب)، وقدَّمنا أن أم عمرو بن يحيى ليست بنتًا لعمرو بن أبي حسن، واعترضه في «عمدة القاري» بأن هذا ليس بغريب؛ فإن صاحب «الكمال» قال ذلك، وقد مضى الكلام فيه؛ فافهم، انتهى.

ورواه المؤلف في باب (من مضمض واستنشق من غَرْفة واحدة)؛ بإسقاط عمرو بن أبي حسن؛ فاعرفه.

(سأل) أي: عمرُو بن أبي حسن (عبد الله بن زيد) الأنصاري السابق في الباب قبله (عن وضوء النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم، فدعا) أي: عبد الله بن زيد (بتَوْر)؛ بفتح المثناة الفوقية، وسكون الواو، آخره راء، هو الطشت، وقال الجوهري: (إناء يشرب منه)، وقال الدراوردي: قدح، وقيل: يشبه الطشت، وقيل: مثل القدر من صُفْر أو حجارة، والصُفْر -بضم الصَّاد المهملة وسكون الفاء-: صنف من جيِّد النحاس، سمي به؛ لأنَّه يشبه الذهب، ويسمَّى أيضًا الشَّبَه؛ بفتح الشين المعجمة والباء الموحدة، كذا في «عمدة القاري».

وقوله: (من ماء)؛ بيان؛ لقوله: (بتَوْر)؛ فالمراد: الماء الذي فيه، (فتوضأ لهم)؛ أي: لأجلهم، فاللام للتعليل، وهم السائل وأصحابه (وضوء النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم)؛ أي: مثل وضوئه، وأطلق عليه وضوءه؛ لأجل المبالغة، (فأكفأ)؛ بهمزتين لغة في (كفأته)؛ أي: قلبته وصببته، حكاهما ابن الأعرابي، وقال الكسائي: (كفأته: قلبته، وأكفأته: أملته)، والمراد: أنه أفرغ الماء (على يده) بالإفراد (من التور)؛ أي: من ماء التور المذكور، (فغسل يديه)؛ بالتثنية قبل أن يُدْخِلَها في التَّوْر، وفي رواية: (فغسل يده) بالإفراد، على إرادة الجنس، (ثلاثًا)؛ أي: ثلاث مرات، (ثم أدخل يده) بالإفراد (في التَوْر) أيضًا؛ أي: فأخرج ماء منه، (فمضمض، واستنشق، واستنثر)، وعطف (استنثر) على سابقه عطف تفسير؛ لأنَّ الاستنشاق والاستنثار واحد، كما قاله ابن الأعرابي وابن قتيبة، وهو الصواب، (ثلاث)، وفي رواية: (بثلاث) (غرفات)؛ بفتحتين، أو بضم أوله وثانيه، أو بفتح الثاني، أو سكونه، و (الثلاث) يحتمل أن تكون لهما معًا، ويحتمل أن تكون المضمضة ثلاثًا والاستنشاق ثلاثًا، وهو الظاهر، يدلُّ عليه أنه قد ثبت فيما رواه الترمذي وغيره: (أنه تمضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا)، وروى البويطي عن الشافعي: أنه يأخذ ثلاث غرفات للمضمضة، وثلاث غرفات للاستنشاق، وكل ما روي من خلاف هذا، فهو محمول على بيان الجواز؛ فافهم، ومع وجود النص لا مجال للرأي والاستظهار؛ فافهم.

(ثم أدخل يده)؛ بالإفراد، يدل على أنه اغترف بإحدى يديه، هكذا هو في باقي الروايات وفي «مسلم» وغيره، لكن وقع في رواية ابن عساكر وأبي الوقت من طريق سليمان بن بلال الآتية: (ثم أدخل يديه)؛ بالتثنية، وليس ذلك في رواية أبي ذر ولا الأصيلي، ولا في شيء من الروايات خارج «الصحيح»، كذا في «عمدة القاري».

قلت: ولعلَّه كان الإناء صغيرًا، فاغترف بإحدى يديه، ثم أضافها إلى الأخرى، كما تقدم نظيره في حديث ابن عباس؛ ليكون ذلك أسهل عليه وأقرب للتناول؛ فافهم.

(فغسل وجهه ثلاثًا)؛ أي: ثلاث مرات، ويدخل فيه غسل جميع اللحية، فإنَّه فرض عملًا لا اعتقادًا على المذهب المصحَّح المفتى به المرجوع إليه، وفي رواية عن الإمام الأعظم: (أنه يُفْتَرَضُ مسح جميع اللحية)، ويدل لذلك ما في «كتاب ابن السكن» عن النبي الأعظم عليه السلام وفيه: (فمسح باطن لحيته وقفاه)، ويدلُّ للأول أحاديث مشهورة لا نطيل بها لشهرتها؛ فافهم.

(ثم أدخل يديه)؛ بالتثنية؛ أي: في الإناء فأخرج ماء، (فغسل يديه)؛ بالتثنية، (إلى المِرْفَقين)؛ بكسر الميم، وسكون الرَّاء، وفتح الفاء، تثنية مرفق، وهو العظم الناتئ في الذراع، و (إلى)؛ بمعنى: مع؛ أي: مع المرفقين، (مرتين)؛ أي: كل يد مرتين، لا أنهما لهما لكل يد مرة، كما قد يُتَوَهَّم بدليل رواية مالك: (ثم غسل يديه مرتين مرتين)، فليس المراد: توزيع المرتين على اليدين لكل يد مرة واحدة؛ فافهم.

(ثم أدخل يده)؛ بالإفراد؛ أي: في الإناء (فمسح رأسه)؛ أي: جميعه، كما هو ظاهر اللفظ، لكنَّه ليس على طريق الوجوب، بل على طريق السنية المؤكَّدة على الصحيح من المذهب، وفي رواية عن الإمام الأعظم وهو قول الشافعي: أنَّه مستحب، وعند مالك وأحمد: أنَّه فرض، (فأقبل بهما) أي: بيديه (وأدبر) أي: بهما أيضًا (مرة واحدة)، واقتصاره على المرة الواحدة دليل ظاهر على عدم سنية التثليث، ويدلُّ لذلك ما رواه أصحاب «السنن» الأربعة عن علي الصديق الأصغر في حكاية وضوء النبي الأعظم عليه السلام: أنَّه مسح على رأسه مرة واحدة، وأحاديث عثمان بن عفان الصحاح تدلُّ على ذلك أيضًا؛ فافهم، فإنَّهم ذكروا الوضوء ثلاثًا ثلاثًا، وقالوا: (ومسح برأسه)، ولم يذكروا عددًا، فدلَّ على الاقتصار على المرة الواحدة، ولأنَّ التثليث في المسح لا يفيد؛ لأنَّ التكرار في الغسل لأجل المبالغة في التنظيف، ولا يحصل ذلك بالمسح، فلا يفيد التكرار، ومثله: مسح الخف، والجبيرة، والتيمم، وما روي من الأحاديث ممَّا يدل ظاهره على التثليث؛ فهو محمول على أنه بماء واحد؛ جمعًا بين الأحاديث، وهل يُكْرَهُ التثليث بماء واحد أو لا؟ فقال في «المحيط» و «البدائع» : إنَّه مكروه؛ للأحاديث التي ذكرناها، وقال في «الخانية» : (لا يُكْرَهُ، ولا يُسَنُّ، ولا يكون أدبًا) انتهى، وقال في «شرح المنية» : إنه مكروه على الأوجه؛ لأنَّ الأحاديث التي فيها ذكر المسح مرة واحدة أقوى وأرجح، لا تقاوم ما ظاهره التثليث، على أن أحاديث التثليث قد تٌكلِّم في سندها، ولا ريب أن الصحيح لا يقاوم الضعيف، فالأخذ بالصحيح متعين، كما لا يخفى على أولي الألباب.

وكيفية المسح والاستيعاب: أن يبلَّ كفيه بالماء وأصابعه ثم يلصق الأصابع؛ أي: يضمها، ويضعها على مُقَدَّم رأسه من كل يد ثلاثة أصابع؛ أي: الخنصر والبنصر والوسطى، ويمسك إبهاميه وسبابتيه مرفوعات، ويجافي بطن كفيه عن رأسه، ويمدهما -أي يديه- إلى القفا، ثم يضع كفيه على جانبي الرأس، ويمسحهما -أي: جانبي الرأس- بكفيه، ويمسح ظاهر أذنيه بباطن إبهاميه وباطن أذنيه بباطن مسبحته؛ كذا ذكره في «المحيط»؛ تحرُّزًا عن الاستعمال.

واعترضه في «فتح القدير» بأنَّ الاستعمال لا يثبت قبل الانفصال والأذنان من الرأس، وقال في «شرح المنية» : واتفقوا على أنَّ الماء ما دام على العضو لا يكون مستعملًا، فالأظهر في كيفية استيعاب مسح الرأس ما ذكره الإمام فخر الدين الزيلعي في «التبيين» أن يضع كفيه وأصابعه على مقدم رأسه، ويمدُّهما إلى القفا على وجه يستوعب جميع الرأس، ثم يمسح أذنيه بإصبعيه قال: (ولا يكون الماء مستعملًا بهذا؛ لأنَّ الاستيعاب بماء واحد لا يكون إلا بهذا الطريق) انتهى، وأقرَّه في «البحر»، و «النهر»، و «شرح المنية»، وغيرها، فكان هو المذهب، وإلى غيره لا يُذهَب؛ لموافقته لحديث الباب وغيره من الأحاديث الصحاح.

ولا يُسَنُّ أخذ ماء جديد لمسح الأذنين، بل يمسحهما بماء الرأس؛ لأنَّه السنة؛ لأنَّ الأذنين من الرأس، كما في الحديث، وأمَّا إذا انعدمت البلة من اليدين وهما على الرأس؛ فلا بدَّ من أخذ ماء جديد لهما، وكذا إذا كانت البلة باقية بأن مسح رأسه بيديه، ثم رفعهما قبل مسح الأذنين؛ فلابد من أخذ ماء جديد، ولو كانت البلة باقية؛ لأنَّها مستعملة؛ كما مر، وكيفية مسحهما: أن يمسح بالسبابتين داخلهما وبالإبهام خارجهما، وهو المختار، كما في «المعراج»، وذكر شمس الأئمة الحلواني أنَّه يدخل الخنصرين في أذنيه ويحركهما، وهو قول شيخ الإسلام، كذا في «منهل الطلاب»، ولم يذكر في الحديث مسح الأذنين، وذكره في «سنن النسائي» عن عائشة وصفت وضوءَه عليه السلام، وفيه: (ثم مدَّت بيديها بأذنيها)، وعند أبي داود: (ثم مسح برأسه وبأذنيه

<<  <   >  >>