للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أو ودي ولم يتذكر احتلامًا فيهما، والمراد بالتيقُّن هنا: غلبة الظن؛ لأنَّ حقيقة اليقين متعذرة مع النوم) انتهى كلامه.

وقوله: (أقَيْس وقولهما استحسان وعليه الفتوى) احتياطًا، وقال في «الفتاوى» : (الخلاصة: ولسنا نوجب الغسل بالمذي، ولكن المني قد يرق بطول المدة فتصير صورته كصورة المذي) انتهى أي: لا حقيقته.

وقال في «شرح المنية» : وإن استيقظ فوجد في إحليله بللًا ولم يتذكر حلمًا إن كان ذكره منتشرًا قبل النوم؛ فلا غسل عليه وإن كان ساكنًا؛ فعليه الغسل، هذا إذا نام قائمًا أو قاعدًا، أما إذا نام مضطجعًا أو تيقن أنه مني؛ فعليه الغسل وهو مذكور في «المحيط» و «الذخيرة».

وقال شمس الأئمَّة الحلواني: (هذه المسألة يكثر وقوعها والناس عنها غافلون)، ومشى على هذا العلامة الشرنبلالي في «الإمداد» وغيره، وذكر مثله في «الجواهر»، ودرج عليه شراح «الملتقى»؛ فافهم.

قال في «الحلية» : (الفرق بين النوم قائمًا أو قاعدًا، وبين النوم مضطجعًا غير ظاهر، والوجه الإطلاق؛ إذ لا يظهر بينهما افتراق).

قال في «منهل الطلاب» : (والظاهر: أن الفرق بينهما من حيث إن النوم مضطجعًا سبب للاسترخاء والاستغراق وهو سبب للاحتلام بخلاف النوم قائمًا أو قاعدًا؛ لعدمهما فيه عادة؛ فتأمل، والمرأة مثل الرجل في ظاهر المذهب؛ فليحفظ) انتهى.

وقال في «البحر» : لو احتلمت المرأة ولم يخرج الماء إلى ظاهر فرجها، فعن الإمام محمَّد: يجب الغسل، وفي «ظاهر الرواية» عن الإمام الأعظم: لا يجب؛ لأنَّ خروج منيها إلى فرجها الخارج شرط لوجوب الغسل عليها، وعليه الفتوى، كذا في «المعراج»، وحرر ابن الهمام في «فتح القدير» وقال: إنه الحق الاتفاق على تعليق وجوب الغسل بوجود المني في احتلامها، والقائل بوجوبه في هذه الخلافية إنَّما يوجبه على وجوده وإن لم تره، فالمراد بعدم الخروج في قولهم: ولم يخرج منها لم تره خرج؛ فعلى هذا: لا وجه لوجوب الغسل بوجود المني في احتلامها في الخلافية.

ورده في «شرح المنية» بأن هذا لا يفيد وجوب الغسل في المسألة الخلافية، فإن ظاهر الرواية لا يجب عليها الغسل، وبه أخذ شمس الأئمَّة الحلواني، وقال في «الخلاصة» : (وهو الصحيح...) إلى آخر كلامه؛ فافهم.

وقال ابن عبد البر: (في الحديث: دليل على أن النساء ليس كلهن يحتلمن، وإنما أنكرت عائشة ذلك إما لصغر سنها وكونها مع زوجها؛ لأنَّها لم تحض عنده ولم تفقده فقدًا طويلًا إلا بموته عليه السلام، فلذلك لم تعرف في حياته الاحتلام؛ لأنَّه لا تعرفه النساء ولا أكثر الرجال إلا عند عدم الرجال بعد المعرفة به، فإذا فقدت النساء أزواجهن؛ احتلمن، والوجه الأول عندي أصح وأولى؛ لأنَّ أم سَلَمَة فقدت زوجها وكانت كبيرة عالمة بذلك، وأنكرت منه ما أنكرت عائشة، فدل على أن من النساء من لا ينزل الماء منها في غير الجماع الذي يكون في اليقظة) انتهى.

قال صاحب «عمدة القاري» : (ولقائل أن يقول: إن أم سَلَمَة أيضًا تزوجت أبا سَلَمَة شابة، ولما توفي عنها زوجها؛ تزوجها سيد المرسلين عليه السلام لا سيما مع شغلها بالعبادة وشبهها التي هي وجاء لغيرها، أو تكون قالته إنكارًا على أم سَلَمَة؛ لكونها واجهت به سيدنا رسول الله عليه السلام، ويوضحه: فقالت أم سَلَمَة: وغطت وجهها، ثم قال: وفي رواية أبي داود: (أن أم سليم قالت: يا رسول الله؛ إن الله لا يستحي من الحق، أرأيت امرأة إذا رأت في النوم ما يرى الرجل أتغتسل أو لا؟ قالت عائشة: فأقبلت عليها فقلت: أف لك وهل ترى ذلك المرأة؟ فأقبل علي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: «تربت يمينك يا عائشة، ومن أين يكون الشبه؟»)، وعند المؤلف في باب: (الحياء في العلم) بعد قوله: «إذا رأت الماء» فغطت أم سَلَمَة -تعني: وجهها- وقالت: (يا رسول الله؛ أوَ تحتلم المرأة؟) قال: «نعم؛ تربت يمينك، فبم يشبهها ولدها؟»، وفي لفظ له بعد قوله: (إذا رأت الماء) فضحكت أم سَلَمَة فقالت: (أوَ تحتلم المرأة؟) فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «فبم شبه الولد؟»، وفي لفظ: قالت أم سَلَمَة: (فقلت فضحكت النساء)، وعند مسلم من حديث أنس: أن أم سُليم حدثت أنها سألت النبيَّ صلى الله عليه [وسلم]، وعائشة عنده: (يا رسول الله؛ المرأة ترى ما يرى الرجل في المنام، ومن نفسها ما يرى الرجل من نفسه)، فقالت عائشة: (يا أم سُليم)؛ فضحكت النساء (تربت يمينك)، فقال لعائشة: «بل أنت تربت يمينك نعم؛ فلتغتسل يا أم سليم».

وفي لفظ: فقالت أم سُليم: (واستحييت من ذلك وهل يكون هذا؟) قال: «نعم؛ ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، أيهما علا أوسبق يكون منه الشبه».

وفي لفظ: فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إذا كان منها ما يكون من الرجل؛ فلتغتسل».

وفي لفظ: قالت عائشة: (فقلت لها: أف لك، أترى المرأة ذلك؟)

وفي لفظ: (تربت يداك)، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «دعيها، تربت يمينك»، قالت: (وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك إذا علا ماؤها ماء الرجل؛ أشبه الولد أخواله، وإذا علا ماء الرجل ماءها؛ أشبه أعمامه).

وفي لفظ أبي داود: (أتغتسل أم لا؟) فقال: «فلتغتسل إذا وجدت الماء».

وفي لفظ: (المرأة عليها غسل؟) قال: «نعم؛ إنَّما النساء شقائق الرجال».

وفي لفظ النسائي: (فضحكت أم سَلَمَة).

وعند ابن أبي شيبة: (فقال: هل تجد شهوة؟) قالت: (لعله) قال: «هل تجد بللًا» قال: ولعله قال: «فلتغتسل»، فلقيتها النسوة فقلن: فضحتينا عند رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقالت: (والله ما كنت لأنتهي حتى أعلم في حل أنا أم في حرام).

وعند الطبراني في «الأوسط» : (قلت: يا رسول الله؛ أنت تقربني إلى الله أحببت أن أسألك عنه، قال: «أصبت يا أم سُليم»؛ فقلت الحديث).

وعند البزار: (فقالت أم سَلَمَة: وهل للنساء من ماء؟ قال: «نعم؛ إنَّما هن شقائق الرجال»).

وعند ابن عمر: (إذا رأت ذلك فأنزلت؛ فعليها الغسل، فقالت: أم سُليم: أيكون هذا؟).

فإن قلت: قد جاء عن [أم] سَلَمَة: (فضحكت)، وجاء: (فغطت وجهها) فما التوفيق بينهما؟

قلت: معنى (فضحكت) : تبسمت تعجبًا، و (غطت وجهها) حياء، ومعنى (تربت يمينك) في الأصل: لا أصابت خيرًا غير أن في لسان العرب ذلك وأمثالها، ويراد به المدح، وفي «أدب الخواص» لأبي القاسم: (معنى «تربت يمينك»؛ أي: افتقرت من العلم بما سألت عنه أم سُليم)، وفي «المحكم» : ترب الرجل صار في يده التراب، قال تعالى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: ١٦]؛ أي: لا يملك إلا التراب، وترب تربًا؛ لصق بالتراب من الفقر، وترب تربًا وتربة؛ خسر وافتقر، وحكى قطرب: (ترب وأترب)، كذا ذكره في «عمدة القاري»، وفيه قوله: (وآلت) بعد قوله: (تربت يمينك)؛ معناه: صاحت؛ لما أصابها من شدة هذا الكلام، وروي: (أُلَّت)؛ بضمِّ الهمزة مع التشديد؛ أي: طعنت بالآلة؛ وهي الحربة العريضة النصل، انتهى.

قال ابن بطال: (وفيه: دليل على أن كل النساء يحتلمن)، وقد عكس غيره، فقال: فيه: دليل على أن بعض النساء لا يحتلمن.

واعترضه صاحب «عمدة القاري» فقال: (وفيه: دليل على وجوب الغسل على المرأة بالإنزال، ونفى ابن بطال الخلاف فيه، وقد ذكرنا في أول الباب خلاف النخعي) انتهى.

وقد تبعه ابن حجر فقال: (والظاهر: أن مراد ابن بطال الجواز لا الوقوع؛ يعني: فيهن قابلية ذلك، وفيه: دليل على وجوب الغسل على المرأة بالإنزال، ونفى ابن بطال الخلاف فيه، لكن تقدم الخلاف فيه عن النخعي) انتهى.

واعترضه العجلوني فقال: (ما تقدم عن النخعي في نفي وقوعه وما قاله ابن بطال في نفي الخلاف فإنما هو على المرأة في لزوم الغسل إذا أنزلت إلا أن يقال: إذا انتفى وقوع الموجب؛ لزم انتفاء الوجوب؛ فتأمل) انتهى.

وفي الحديث: جواز استفتاء المرأة بنفسها؛ لأنَّه غير مخل في الديانة، وكأن أم سُليم لم تسمع حديث: «إنما الماء من الماء»، أو سمعته وقام عندها أنه منسوخ بدلائل أخر، أو ما يوهم خروج المرأة عنه وهو ندرة بروز الماء منها.

وروى عبد في هذه القصة: «إذا رأت إحداكن كما يراه الرجل».

وروى أحمد من حديث خولة بنت حكيم في نحو هذه القصة «ليس عليها غسل حتى تنزل كما ينزل الرجل»، فإن هذا صريح على أنه يدل على كونه في حال الاحتلام.

ففيه: رد على من زعم أن

<<  <   >  >>