للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ابن أبْزَى، عن أبيه، عن عمَّار رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال له: «إنَّما يكفيك هكذا»، وضرب شعبة بكفيه إلى الأرض، وأدناهما من فيه، فنفخ فيهما، ثم مسح وجهه وكفيه، ثُمَّ قال الحافظ الطَّحاوي: هكذا قال محمَّد بن خزيمة في إسناد هذا الحديث عن عبد الرحمن بن أبْزَى، وإنَّما هو عن ذَرٍّ عن ابن عبد الرحمن، عن أبيه، زعم ابن حجر أنَّ الطَّحاوي أشار إلى أنَّه وهم فيه؛ لأنَّه أسقط لفظة: (ابن)، ولا بد منها؛ لأنَّ (أبْزَى) والد عبد الرَّحمن لا رواية له في هذا الحديث.

قال إمام الشَّارحين: قلت: رواية محمَّد بن خُزيمة المذكور تُنبئ على صِحة قول من يقول: (إن أبْزَى والد عبد الرَّحمن صحابي)، وهو قول ابن منده؛ لأنَّه جعله من الصَّحابة، وروى بإسناده عن هشام، عن عُبيد الله الرَّازي، عن بكير بن معروف، عن مُقاتل بن حيان، عن أبي سَلَمَة بن عبد الرحمن بن أبْزَى، عن أبيه، عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أنه خطب للناس قائمًا قال: «ما بال أقوام لا يعلِّمون جيرانهم، ولا يُفقِّهونهم، ولا يَعِظونهم، ولا يأمرونَهم، ولا ينهونَهم...»؛ الحديث.

ورواه ابن إسحاق ابن راهويه في «المُسند» : عن محمَّد بن أبي سهل، عن بكير بن معروف، عن مقاتل، عن علقمة بن عبد الرحمن بن أبْزَى، عن أبيه، عن جده، عن النَّبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم بهذا، وقد ردَّ أبو نعيم عليه وقال: (ذكر ابن مندة أنَّ البُخاري ذكره في كتاب «الوجدان»، وأخرج له حديث أبي سَلَمَة، عن ابن أبْزَى، عن النَّبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، ولم يَقل فيه: عن أبيه)، وقال ابن الأثير: (أبْزَى والد عبد الرَّحمن بن أبزى الخزاعي، ذكره البُخاري في «الوجدان»، ولا تصح له صُحبة، ولا رؤية، ولابنه عبد الرحمن صحبة، ورؤية).

قلتُ: ولذلك لم يذكر أبو عمرو أبزى في الصَّحابة، وإنَّما ذكر عبد الرحمن؛ لأنَّه لم يصح عنده صحبة أبْزَى، ومع هذا وقع الاختلاف في صحبة عبد الرحمن أيضًا، قال ابن حبان: (ذكره في التَّابعين).

وقال أبو بكر بن أبي داود: (لم يحدِّث ابن أبي ليلى من التَّابعين إلا عن ابن أبْزَى).

وقال البُخاري: (له صحبة، وذكره في التابعين).

وقال أبو هاشم: (أدرك النَّبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، وصلَّى خلفه، روى عنه ابناه عبد الله، وسَعِيْد) انتهى كلامه.

(وقال النَّضْر) بفتح النون، وسكون الضاد المعجمة: هو ابن شميل؛ بالمعجمة، وهذا تعليق قد وصله مسلم عن إسحاق بن منصور، عن النَّضر، وأخرجه أبو نعيم في «مُستخرجه» من طريق إسحاق ابن راهويه عنه، وهل هذا التعليق من كلام المؤلف، وقال الكرماني: (قال النَّضْر) من كلام البُخاري، والظَّاهر: أنه عن النَّضْر؛ لأنَّه مات سنة ثلاث ومئتين بالعراق، وكان البُخاري حينئذٍ ابن سبع سنين ببُخارى) انتهى.

(أخبرنا شُعبة) هو ابن الحجاج، (عن الحَكَم)؛ بفتحتين: هو ابن عُتيبة؛ بضمِّ العين المهملة (قال: سمعت ذرًّا)؛ بالذال المعجمة، والراء: هو ابن عبد الله الهمْداني؛ بسكون الميم (يقول) جملة فعلية محلها النصب على الحال، أو مفعول ثاني لـ (سمعت) على القول به، كما سبق؛ فليحفظ، (عن ابن عبد الرحمن بن أَبْزَى) بفتح الهمزة، وسكون الموحدة، وفتح الزَّاي، أبهم الحَكَم اسم ابن عبد الرحمن، وقدَّمنا أنَّ لعبد الرحمن ولدين (١)؛ عبد الله، وسَعِيْد، والظاهر: أنَّ المبهم هنا هو سَعِيْد بكسر العين المهملة؛ لأنَّه هو الذي يروي عنه الحكم، وقد سبقت له الرواية في الباب الذي قبله بواسطة، بخلاف أخيه عبد الله؛ فإنه لم تأت الرواية عنه؛ فليتأمل.

(قال الحَكَم)؛ بفتحتين: هو ابن عتيبة (وقد سمعته من ابن عبد الرحمن عن أبيه) هو أبزى المذكور، وهذا إشارة إلى أنَّ الحكم كما سمع هذا الخبر من ذرٍّ سمعه أيضًا من شيخ ذرٍّ، وهو سَعِيْد بن عبد الرحمن، فكأنَّه سمعه أولًا من ذرٍّ، ثم لقي سَعِيْدًا، فأخذه عنه، ولكن سماعه من ذرٍّ أثبت؛ لوروده، كذا في أكثر الروايات، كذا قاله إمام الشارحين.

قلت: وهذا يعين أن المبهم سَعِيْد، وهو موافق لما قلته، ولله الحمد.

وقال الكرماني: وقوله: (وقال الحكم) يحتمل أن يكون تعليقًا من البخاري، ويحتمل أن يكون من كلام شعبة، فيكون داخلًا في إسناده) انتهى.

قال إمام الشارحين: (قلت: يحتمل أن يكون من كلام النضر، وهو الظاهر) انتهى.

قلت: بل هو الصواب، واحتمال كونه تعليقًا من البخاري بعيد جدًّا؛ لتقدم قوله: وقال النضر عليه، واحتمال كونه من كلام شعبة غير ظاهر، بل الظاهر: أنه من كلام النضر، وهو الصواب؛ فليحفظ.

(قال عمَّار) بتشديد الميم: هو ابن ياسر رضي الله عنه (الصعيد الطيب)؛ أي: الأرض الطاهرة، وقدَّمنا أنَّ الصعيد: وجه الأرض كيفما كان (فعيل) بمعنى (مفعول)؛ أي: مصعود عليه، وقال قتادة: (الصعيد: الأرض التي لا نبات فيها ولا شجر)، وقال أبو إسحاق: (الطيِّب: النظيف)، وقيل: إنه الحلال، وقيل: ما تستطيبه النفس، والجمهور من أهل التفسير، وأهل اللغة، وغيرهم على أنه: الطاهر؛ لأنَّه أليق المعاني به؛ لأنَّ الصعيد إنَّما شرع لأجل التطهير يدل عليه قوله عز وجل: {وَلَكِن [يُرِيدُ] لِيُطَهِّرَكُمْ} (٢) [المائدة: ٦]، وهو المراد؛ فإن الطهارة شرط إجماعًا، فلم يبق غيره مرادًا؛ لأنَّ المشترك لا عموم له، ولهذا قال الزجاج: لا أعلم فيه اختلافًا بين أهل اللغة وغيرهم فيه، فثبت أنَّ الصعيد: هو وجه الأرض؛ كحجر، ومدر، ورمل، وتراب، وغيرها، وأنَّ الطيِّب: هو الطاهر، هذا مذهب الإمام الأعظم، والإمام محمَّد بن الحسن، ومالك بن أنس، والثوري، والأوزاعي، وغيرهم، وخالفهم الشافعية فزعموا: أنَّ المراد بالصعيد: التراب فقط، فقالوا: (لا يجوز التيمم إلا على التراب)، وتعلقوا بما روي عن ابن عباس: (الصعيد الطيِّب: التراب الخالص)، وبقوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ منه} [النساء: ٤٣]، وهذا لا يدل لمدعاهم؛ فإنَّ الذي روي عن ابن عباس رواه البيهقي من جهة قابوس بن أبي طيبان، عن أبيه، عن ابن عباس قال: (أطيب الصعيد حرث الأرض)، وهو يدلُّ على اشتراط الإنبات، وقد قال شيخهم النووي: الإنبات: غير شرط في الأصح؛ فالاستدلال بهذا الأثر غير موجه؛ لأنَّهم لا يقولون باشتراط الإنبات، وعلى فرض ذلك؛ فهذا الأثر لا يصلح دليلًا مطلقًا؛ لأنَّ الآية مطلقة وهي لا تتقيد بالحديث الذي هو خبر آحاد، فكيف بالأثر؟ وما هذا إلا أوهن من بيت العنكبوت، وأما الآية فهي آية المائدة (٣)، والذي في آية النساء ليس فيها لفظة (منه)، فهي جارية على إطلاقها، ولفظة (منه) في الآية الأخرى عائدة على المحدث المذكور في الآية، وتحمل (من) على ابتداء الغاية؛ كقولك: (مسحت)؛ أي: ابتداء المسح، يدلُّ عليه


(١) في الأصل: (ولدان)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (ولكن لِيُطَهِركم به)، ربما اشتبه عليه الآية التي في سورة الأنفال: {لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ} [الأنفال: ١١].
(٣) في الأصل: (المائة)، ولعله تحريف.

<<  <   >  >>