وأقاموا عنده أيّاما حول الدار. فلمّا كان فى بعض الليالى ضربوا بوق النّفير وقالوا: جاءت الفرنج، فركب الناس ومماليك الصالح ووصلوا إلى سبسطية، وجاء عماد الدين والظهير بالعسكر إلى الدار، وقالوا للصالح: تطلع إلى الكرك، فإنّ ابن عمّك له بك اجتماع، وأخذ سيفه. وكانت شجرة الدّرّ حاملا فسقطت، وأخذوه وتوجّهوا به إلى الكرك. واستفحل أمر أخيه الملك العادل صاحب مصر بالقبض على الصالح هذا، وأخذ وأعطى وأمر ونهى، فتغيّر عليه بعض أمراء مصر، ولكن ما أمكنهم يومئذ إلّا السّكات.
وأمّا الصالح، قال أبو المظفّر: ولمّا اجتمعت به (يعنى الصالح) فى سنة تسع وثلاثين وستمائة بالقاهرة حكى لى صورة الحال قال: أركبونى بغلة بغير مهماز ولا مقرعة، وساروا إلى الموتة «١» فى ثلاثة أيام، والله ما كلّمت أحدا منهم كلمة، ولا أكلت لهم طعاما حتى جاءنى خطيب الموتة ومعه بردة عليها دجاجة، فأكلت منها وأقاموا بى فى الموتة يومين وما أعلم إيش كان المقصود، فإذا بهم يريدون [أن] يأخذوا طالعا نحسا «٢» يقتضى ألّا أخرج من حبس الكرك، ثم أدخلونى إلى الكرك ليلا على الطالع الذي كان سبب سعادتى ونحوسهم.
قلت: وأنا ممّن ينكر على أرباب التقاويم أفعالهم وأقوالهم لأنّى من عمرى أصحب أعيانهم فلم أر لما يقولونه صحّة، بل الكذب الصريح المحض، ويعجبنى قول الإمام الرّبانىّ عبد المؤمن بن هبة الله الجرجانى فى كتابه «أطباق الذهب» الذي يشتمل على مائة مقالة [واثنتين] ، والذي أعجبنى من ذلك هى المقالة الثالثة والعشرون،