للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان ظالما، قبيح السيرة جدا، سفّاكا للدماء لا يمتنع عن قبيح يفعله مع رعيته من القتل، وقطع الألسنة، والأنوف، والآذان، وحلق اللحى.

وتعدّى ظلمه إلى أولاده [وجيرته] (١) وحريمه، فبعث ابنيه محمودا ومودودا إلى قلعة فرح، فحبسهما فيها، وحبس ابنه غازى في دار في المدينة، ووكّل به من يمنعه من الخروج منها؛ وكانت الدار إلى جانب بستان لبعض الرعيّة، فكان يدخل إليه منها العقارب والحيات وغيرها من المؤذيات، فاصطاد يوما حيّة، وسيّرها في مندبل إلى أبيه، لعله يرقّ له، فلم يزده ذلك إلا قسوة.

فأعمل غازى الحيلة حتى تخلّص من الدار التي كان محبوسا بها، واختفى في بعض آدر البلد، وقرّر مع إنسان كان يخدمه (٥٢ ب) أنه يسافر، ويظهر أنه غازى بن معز الدين، وتتم له في قتله الحيلة.

فمضى ذلك الإنسان إلى الموصل، وأظهر أنه غازى.

ولما سمع نور الدين أرسلان شاه - صاحب الموصل - به، سيّر له نفقة وأثاثا وخيلا، وأمره بالعود إلى أبيه؛ وقال له: «إن أباك يتجنى علينا الذنوب، ويقبّح عند الناس ذكرنا، فإذا أتيت إلينا جعل ذلك ذريعة للشناعات والشفاعات، ونقع معه في صراع».

فسيّر ذلك الشخص إلى الشام، وأظهر أنه غازى ابن صاحب الجزيرة في كل مكان وصل إليه.

وتحقّق أبوه (٢) أن ابنه هرب، واطمأن قلبه بخروجه عنه.

ثم إن غازى تسلّق إلى دار أبيه، واختفى عند بعض السرارى، وعلم به


(١) ما بين الحاصرتين زيادة عن (ك).
(٢) الأصل: «أمره»، والتصحيح عن (ك).

<<  <  ج: ص:  >  >>