للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر تخريب حصن بيت الأحزان]

لما كسر السلطان الفرنج بمرج عيون عاد إلى بانياس، وتجهز إلى المضى إلى الحصن وتخريبه، فسار إليه في ربيع الأول من هذه السنة، وأحاط به وبث العساكر في بلاد الفرنج [٢١١] للغارة، واحتاج إلى نصب ستائر لأجل المنجنيقات، فركب السلطان إلى ضياع صفد - وهى للداويّة -، فأمر بقطع كرومها وحمل أخشابها، فأخذ كلما احتاج إليه ورجع، وجمع من الزّرجون (١) والأخشاب شيئا كثيرا ليجعل متارس (٢) للمجانيق، فقال له جاولى الأسدى - وهو مقدّم الأمراء الأسدية -:


= فرآهم قد سدوا الفضاء وهم قارون آمنون وادعون، فقال تقى الدين لأصحابه: «هؤلاء على ما ترون من الطمأنينة والأمن والغفلة، وقد رأيت أن تحمل الساعة فيهم بعد أن نتفرق في جوانب عسكرهم وتصيح فيهم، فإنهم لا يثبتون لنا»، فأجابوه إلى ذلك، فأنفذ واحدا من أصحابه إلى باقى عسكره وأمرهم أن يتفرقوا أطلابا، وأن يجعل في كل طلب قطعة من الكوسات والبوقات، فإذا سمعوا الضجة ضربوا بكوساتهم وبوقاتهم وجدّوا في السير حتى يلحقوا به، ففعلوا ما أمرهم؛ ثم إنه حمل في عسكر قلج أرسلان، وصرخ أصحابه في جوانبه، وكان عدة عسكر قلج أرسلان ثلاثة آلاف فارس، فلما سمعوا الضجة وحسّ الكوسات والبوقات، وشدة وقع حوافر الخيل، وجلبة الرجال، وأصطكاك أجرام الحديد هالهم ذلك، وظنوا أن قد فوجئوا بعالم عظيم، فلم يكن لهم إلا أن جالوا في كوائب خيولهم عريا، وطلبوا النجاة، وأخذتهم السيوف، فتركوا خيامهم وأثقالهم بحالها، وأكثر تقى الدين فيهم القتل والأسر، وحصل على جميع ما تركوه، فلما أصبح جمع المأسورين ومنّ عليهم بأموالهم وكراعهم وسرّحهم إلى بلادهم».
(١) الزرجون - بفتح الراء أو سكونها - كلمة فارسية، ومعناها شجر العنب أو قضبان الكرم، وقد يكون من معانيها أيضا الخمر، و «زر» بالفارسية معناها الذهب، «جون» اللون وذلك لأن الخمر شبه لونها بلون الذهب. والمعنى المقصود هنا هو المعنى الأول أي شجر العنب أو قضبان الكرم. أنظر: (الجواليقى: المعرب، ص ١٦٥).
(٢) التّرس أصلا نوع من السلاح، وهو صفحة من الفولاذ مستديرة تحمل في اليد تتلقى بها ضربة السيف ونحوه، وفى (اللسان): التترّس التستّر بالتّرس، والمترس خشبة توضع خلف الباب.

<<  <  ج: ص:  >  >>