ولما رتّب السلطان الأمور على كوكب رحل إلى دمشق مستهل ربيع الأول من هذه السنة - أعنى سنة أربع وثمانين وخمسمائة - وكان طريقه شرقى بحيره طبرية، وتجنّب عقبة فيق لاستصعاب رقيها، ولما قارب دمشق تلقاه الناس وفرحوا بقدومه، لأنهم كانو متعطشين إلى رؤيته، فإنه كانت عيبته عنها هذه الدفعة سنة وشهرين وخمسة أيام، كسر فيها الكفر ونصر فيها الإسلام، وفتح بيت المقدس، وكان دخوله دمشق سادس ربيع الأول.
[٣١٤] ولما استقر بها قراره أمر بإنشاء الكتب لاستدعاء الأجناد من الجهات للجهاد، وابتدأ بالجلوس في دار العدل، وبحضرته الفقهاء والعلماء وأهل الدين.
وكان قد ولى بدمشق بدر الدين مودودا المعروف بالشحنة - وهو أخو عز الدين فرخشاه لأمه - ثم فوّض إليه ولاية الديوان؛ وكان مع الصفى بن القابض، وكان الصفى قد بنى للسلطان دارا بالقلعة مطلة على الشرفين، وأنفق عليها أموالا جليلة، وبالغ في حسنها، وظن أنها تقع من السلطان بموقع، فلما رآها السلطان ما أعارها طرفه ولا استحسنها، وكانت من جملة ذنوب الصفى التي أوجبت عزله عن الديوان، وقال:
" ما يصنع بالدار من يتوقع الموت؟ وما خلق العبد إلا للعبادة والسعى في تحصيل السعادة الأبدية، وما جئنا إلى دمشق بنية الإقامة " - رحمه الله وقدس روحه - وكذا فلتكن الملوك.
ولم يكن سعيه إلا في الجهاد وتحصيل مجد، ولم يكن يرغب [فيما كان يرغب] غيره من الملوك من الملذات الخسيسة، لذات البطن والفرج، ولم يكن من رأيه التوزع والسكون وإضاعة الحرم، بل الحذر والتشمير والحزم والعزم الصادق فيما يحصل به المجد في الدنيا، والحمد في الأخرى