للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر سيرته - رحمه الله -]

كان من أحسن الملوك سيرة، وأعفهم عن أموال الرعية، محسنا إليهم، كثير الإنعام عليهم، محببا عند الصغير والكبير منهم، وكان سريع الانفعال للخير، بطيئا عن الشر، جم المناقب، قليل المعابث؛ وجرت واقعة عجيبة ينبغى أن نتعظ بها، حدّث الشيخ عز الدين بن الأثير عن والده، قال: «كنت أتولى جزيرة ابن عمر لقطب الدين كما علمتم، فلما كان قبل موته بيسير، أتانى كتاب من الديوان (١) بالموصل، يأمرون بمساحة جميع بساتين العقيمة، وهى قرية تحاذى الجزيرة وبينهما دجلة، ولها بساتين كثيرة، بعضها يمسح فيؤخذ منه عن كل جريب (٢) شىء معلوم، وبعضها عليه خراج، وبعضها مطلق من الجميع، وكان لى فيها ملك»، فكتبت أقول: «إن المصلحة أن لا يغيّر على الناس شئ، وما أقول لأجل ملكى، فإننى أنا أمسح ملكى، وإنما أريد أن يدوم الدعاء من الناس لهذه الدولة»؛ فجاءنى كتاب النائب يقول: «لا بد من المساحة»؛ قال: فأظهرت الأمر، وكان بها قوم صالحون، لى بهم أنس، وبيننا وبينهم مودة، فجاءنى الناس كلهم، وأولئك معهم؛ يطلبون المراجعة، فأعلمتهم أننى راجعت، وما أجبت إلى ذلك؛ فجاءنى منهم رجلان أعرف صلاحهما، وطلبا منى معاودة المخاطبة ثانيا؛ ففعلت،


(١) كان لفظ «الديوان» يطلق أحيانا في ذلك العصر على موظف أو موظفى الديوان كما يتضح من النص هنا.
(٢) الجريب هنا مقياس للأرض، ومقداره عشر قصبات في عشر قصبات، على أنه قد يختلف باختلاف المكان والزمان؛ والجريب في الأصل مكيال، وسعته ما يكفى من الحب لبذر مساحة معينة، ومن هنا سميت تلك المساحة باسم الجريب. انظر: (الماوردى: الأحكام السلطانية) و (المقريزى، إغاثة الأمة، ص ٥١ و ٦٣) و (Enc .Isl .Art : Djarib) وما بها من مراجع.

<<  <  ج: ص:  >  >>